۵۳۴مشاهدات
رمز الخبر: ۴۶۹۰۴
تأريخ النشر: 02 September 2020

حرص الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على اثبات حضوره بالبعد السياسي والاجتماعي وحتى الفني في لبنان منذ انفجار مرفا بيروت الشهر الماضي. هذا الحضور يتزامن مع مئوية الدولة اللبنانية لما لذلك من معاني كثيرة لدى الفرنسي الذي كان هو من اعلن دولة لبنان الكبير عام 1920 حين كان مستعمرا، فهل تغيرت الخلفية بعد مئة عام؟

حضور ماكرون الشهر الماضي كان بخلفية ان الفرصة مؤاتية لملء فراغ احدثته السياسة الاميركية في لبنان نتيجة الحظر ضد الحكومة بحجة وجود حزب الله فيها، ما خلق ثغرة سياسية فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية لبيروت، خاصة وان حلفاء واشنطن لم يعودوا قادرين على تنفيذ مشروعها التدخلي والذي تحوم حوله شكوك كثيرة.

على هذا الاساس اتى ماكرون الى بيروت برؤية تقوم على ان الضغط الاميركي لن يضعف حزب الله المستهدف بهذا الضغط، كما ان اضعاف الحزب سيؤدي الى خلق ارضية مناسبة لصراع داخلي قد يخرج عن السيطرة وهو ما لا تريده فرنسا بالمقام الاول.

منذ زيارته الاولى طرح ماكرون رؤيته للمرحلة المقبلة والتي تقوم اساسا على تغيير النظام السياسي. مقاربة قد تكون مشبوهة خاصة انها تاتي بعد غياب فرنسي عن الساحة اللبنانية طال سنوات. لكن الخطوة بالرغم من ذلك حظيت بانتباه الاطراف اللبنانية على اقل تقدير من حزب الله الى رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون. هذا الانتباه للطرح الفرنسي اقترن بشروط تتمثل بعدم رهن لبنان للخارج وان تكون الصيغة الجديدة للحكم لبنانية.

الملفت في مقاربة ماكرون قوله ان حزب الله جزء من التركيبة السياسية اللبنانية، وهو ما كرره في زيارته الثانية بان حزب الله جزء من النظام السياسي ومنتخب من قبل الشعب. هذا الكلام ليس حبا بحزب الله بقدر ما هو ادراك فرنسي لحقيقة ان الحزب له وزنه السياسي لبنانيا، ولا يمكن باي شكل انتزاعه من التركيبة السياسية لان ذلك سيعني انتزاع شريحة كبيرة جدا من اللبنانيين مع ما قد يعنيه ذلك من مخاطر صراع يصل لمراحل خطرة جدا في البلاد.

وعليه يبدو ان ماكرون فتح الباب امام نقاش مقاربته للمرحلة المقبلة لبنانيا، خاصة ما يتعلق بحزب الله، حيث تشير صحيفة "لوفيغارو" الى ان باريس ارسلت تطمينات للحزب حول قضية سلاح المقاومة وقضايا اخرى تعتبر محورية بالنسبة له، فيما طلبت من الحزب المساهمة في انجاح الانتقال الى الصيغة الجديدة في لبنان بما يسمح بكسب ثقة المجتمع الدولي وبالتالي الاسراع في انقاذ الاقتصاد من الانهيار التام. (على هذا الاساس جاءت وعود ماكرون المبطنة بالتهديد بدعم لبنان في حال تنفيذ الاصلاحات)

على ما يبدو هناك نقاط التقاء (وان غير متعمدة) بين كافة الاطراف اللبنانية من جهة وبينها وبين التحرك الفرنسي من جهة ثانية، وهو ما يظهر في تسمية مصطفى اديب لتشكيل الحكومة في وقت يعتبر قياسيا مقارنة بالحكومات السابقة التي اخذت شهورا لتتشكل. يضاف لذلك الخلفية الفرنسية التي اتت باديب، فالرجل مقرب من باريس وهو (صهر الفرنسيين كما يقال) كما ان المصادر تقول ان ماكرون طرح اسم اديب خلال مناقشاته مع القوى السياسية اللبنانية.

اختيار اديب قد يكون فاتحة الالتقاء على الانتقال بلبنان الى المرحلة الثانية، لكن هذا الانتقال يحتاج لضمانة بان الاميركي الذي ابعد نفسه عن المبادرة الفرنسية لن يضع العراقيل امام تنفيذه، (السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا قالت ان الطرح الفرنسي لحل الازمة في لبنان يعني باريس فقط)

في ظل كل ذلك يمكن القول ان الفرنسي يريد انتاج طبقة سياسية وفق نظام سياسي جديد يامل ان تساعد في ابعاد حزب الله عن المشهد، لكنه في الوقت نفسه يعلم ان ابعاد الحزب من المستحيلات للاسباب التي ذكرناها. وفي هذه الحال يسعى الفرنسي الى استغلال وجود الحزب في المنظومة السياسية لانجاح رؤيته الخاصة والتي تحمل في طياتها صفات الانتداب الفرنسي الذي انتج دولة لبنان الكبير قبل مئة عام بصورة الوصاية عن بعد هذه المرة.

رایکم