ارتكبت تركيا خطأ استراتيجياً عندما عدّ وزير خارجيتها ومنظرها “داوود اوغلو” بان عمق تركيا الاستراتيجي هو بلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، وقال: “ان الدفاع عن إسطنبول وشرق تركيا يبدأ من البحر الأدرياتيكي”؛ فكل تلك الأفكار تتمحور حول فكرة إحياء العثمانية والعودة إلى الساحة السياسية الجغرافية للعثمانية.
“وكل شيء في بلقان الغربية ومنها البوسنة وألبانيا يحيي في ذاتنا ذكريات فتراتنا الذهبية”، يضيف داوود اوغلو؛ كل هذه الآراء قد طرحت في بداية تسلم أردوغان مقاليد الحكم مما جعلت تركيا قبل ما يقارب عقد من الزمن تتجه لتقديم الدعم للجماعات المتمردة الإرهابية للإطاحة ببشار الأسد، فتلك الطموحات وتحقيق الدولة العثمانية كانت متناسقة مع عمليات الناتو وأمريكا في المنطقة، لكن إخفاق أردوغان في سوريا انتهى إلى الإطاحة بداود اوغلو لكن بقيت أمنيات أردوغان في قسم من سوريا لحفظ ماء الوجه، واليوم يتطلع إلى السيطرة على ليبيا.
تمثل ليبيا الخطأ الثاني الإستراتيجي لأردوغان في لعبة السياسة المعقّدة، تمت الإطاحة بقذافي بتدخل “ديمقراطي” غربي ونهبت مصادر ليبيا ودمرت بنيتها التحتية وانتهى الأمر إلى تقسيمها إلى قسمين يسيطر السراج على قسم منها الذي يحمل نزعات اخوانية ويعترف الغرب به، والقسم الثاني يخضع لسيطرة حفتر وهو جنرال في الجيش الليبي في عهد قذافي وعميل لأمريكا ثم لروسيا.
أدرك أردوغان قبل أشهر قليلة بأن حفتر بدأ يسيطر على البلاد ويمكنه عرقلة وصول تركيا إلى مصادر النفط والغاز شرقي المحيط الأطلسي، كما ان تحالف قبرص واليونان وإسرائيل شرقي المحيط الأطلسي يشكل عائقاً لنفوذ تركيا في ليبيا، لهذا وضع أردوغان قسماً كبيراً من إرهابي منطقة إدلب في السفن وأرسلهم إلى ليبيا.
حاول أردوغان قبل أسبوعين ان يظهر بان إعادة العلاقات مع ترامب والإدارة الأمريكية لم تفشل، وأعلن بانه قد تحدّث مع ترامب هاتفياً ووصلا إلى اتفاق حول شرقي المحيط الأطلسي وليبيا، لكن لم تظهر أي اتفاقيات على أرض الواقع، فإضافة إلى المشاكل الداخلية التي تعاني منها تركيا من زيادة الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، بقي أمل ضئيل لنجاح الجيش التركي في إبقاء حكومة السراج على مسند السلطة، إذ ترى مصر ان حكومته تمثل تهديداً لأمنها. هكذا تتجه تركيا الخاسرة في سوريا، إلى تلقي الخسارة الثانية في ليبيا، دون ان ترسم في مخيلتها معالم واضحة عن نهاية الأحداث.
المصدر: صحيفة اعتماد
الترجمة: شفقنا