۱۲۹۵مشاهدات
رمز الخبر: ۴۵۲۰۷
تأريخ النشر: 27 April 2020

في شريط مصور على تويتر، يظهر السعودي عبد الرحيم الحويطي، وهو يتلو وصيته من فوق سطح منزله بقرية الخريبة على ساحل البحر الأحمر في الركن الشمالي الغربي من المملكة، محتجا على الاختفاء المبرمج لهذه القرية الفقيرة القابعة بين أمواج خليج العقبة ورمال الصحراء.

ومن هذه الوصية، انطلقت صحيفة لوموند الفرنسية في مقال بقلم بنيامين بارت، قال فيه إن أمرا صدر لجميع سكان قرية الخريبة بالتخلي عن أراضيهم مقابل تعويض، لإفساح المجال لنيوم، المدينة المستقبلية الضخمة التي ستكلف 500 مليار دولار، والتي ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بناءها في هذه المنطقة النائية.

وقال الكاتب إن إشعارات الإخلاء التي هبطت على السكان لم تراع الظروف السيئة للغاية، إذ جاء في أوج أزمة وباء كوفيد-19 الذي أودى بحياة أكثر من مئة شخص حتى الآن في السعودية.

وينقل عن الحويطي قوله “هذا إرهاب دولة. أنا ضد التهجير القسري للسكان. لا أريد أن أغادر، لا أريد تعويضا، أريد فقط أن أبقى في منزلي” قبل أن يضيف -وقد أدرك أنه تجاوز الخط الأحمر في بلد لا يتحمل التعبير عن الآراء المخالفة للخط الرسمي- بأنه لن يتفاجأ إذا جاؤوا لقتله في منزله، ووضعوا السلاح فيه ووصفوه بالإرهابي.

وأوضح الكاتب أن متمرد الخريبة -كما وصفه- قتل بعد ذلك بيوم واحد على يد قوات الأمن التي جاءت لاعتقاله في منزله، وقالت السلطات إن الشرطة كانت في حالة دفاع عن النفس بعد إطلاقه النار عليها، وادعت أنه تم اكتشاف أسلحة على الفور في منزله.

غير أن أقارب المتوفي -كما يقول الكاتب- ومنظمات حقوق الإنسان يعتبرون ما وقع اغتيالا خارج نطاق القضاء، وطريقة لإسكات الإزعاج وإرسال تحذير إلى بقية السكان، خاصة أن حيازة الأسلحة أمر شائع في هذه المناطق القبلية.

غضب الحويطات

ويستطرد المقال: ووراء الحويطي الذي أصبح الآن يسمى “شهيد نيوم” جزء من قبيلته الحويطات يرفضون التضحية بأرضهم لصالح المشروع الذي يسعى بن سلمان لإقامته، وقد أظهروا غضبهم علنا بشريط مصور في يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي هذا الشريط -كما يقول الكاتب- العديد من أفراد هذه العشيرة المكونة من عشرات الآلاف، والتي تقيم بين شمال السعودية وجنوب الأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية، شوهدوا في نقاش ساخن للغاية مع مبعوث ولي العهد، وهم يعلنون رفضهم عروض التعويض التي تقدمها السلطة ويعلنون تمسكهم بالبقاء في أراضي أجدادهم.

يقول الكاتب: وباعتبارها فرس الرهان في خطة بن سلمان لتغيير السعودية “رؤية 2030” فإن نيوم التي ستكتمل نظريا في السنوات الخمس المقبلة، يقدمها مصمموها على الورق على أنها ستكون من الضخامة بحيث تعادل نيويورك 33 مرة، وستكون خضراء وحديثة للغاية، يتنقل سكانها في سيارات أجرة طائرة، وتهطل عليها الأمطار الصناعية على فترات منتظمة.

وقد اختار بن سلمان لنيوم “دبي الجديدة” أن تكون على الحدود الخارجية لأراضي المملكة ليحرر سكانها من “التشدد” السعودي وليرتدوا الملابس كما يريدون ويستهلكوا الكحول المحرم الآن في بلاد مهبط الإسلام، بحسب الكاتب.

وينقل الكاتب عن علياء الحويطي، وهي منشقة سعودية مقيمة في لندن قولها إن “الحويطات لا يعارضون هذا المشروع في حد ذاته، فهم ليسوا معادين للتحديث على الإطلاق” مشيرة إلى أنهم وإن كانوا من البدو، فهم متحضرون ويحلمون بأن يكونوا مرتبطين بهذا المشروع، إلا أن ما لا يقبلون به هو “أن يطردوا من منطقتهم في اليوم الذي تقرر فيه الدولة أخيرا الاستثمار فيها”.

ومع أنه من الصعب تقييم مدى السخط في الوقت الحالي -كما يقول الكاتب- فإنه حتى الآن ما زال يقتصر على قريتي الخريبة وشرمة الواقعتين على الساحل مقابل شواطئ سيناء، ولكن وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن ما يقرب من عشرين ألف سعودي متناثرين في الصحراء الشمالية الغربية سيتعين تهجيرهم على المدى الطويل، نظرا لحجم نيوم الضخم، وهذا ما يجعل الصحافة الرسمية السعودية تقلل من شأن ثورة الحويطي.

مراقص وفجور

ويشير الكاتب إلى أن العديد من شيوخ القبائل، مثل عليان الزهري وعون أبو طاقية، يقولون إن الحويطي لا يمثل إلا نفسه وإن نيوم مشروع ذو نفع عام تبرر إقامته إجلاء السكان، حتى إن الصحافة الحكومية تجرأت على مقارنته بتوسعة المسجد الحرام التي أدت في وقتها إلى تشريد العديد من الفقراء من سكان المدينة المقدسة.

أما المعارضة في المنفى -يقول الكاتب- فهي على العكس، تميل إلى أن ما يحدث سيضخم من الغضب الشعبي ويغير موضوعه، حيث يقول المعارض السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه على تويتر إن “الحملة ضد الحويطات دليل على أن أولوية محمد بن سلمان ليست القضاء على وباء كورونا وصحة شعبه، بل إن أولويته الكبرى هي تجهيز البلاد للاستعمار الصهيوني والمراقص والفجور” في إشارة إلى قرب نيوم من إسرائيل، وإلى أن شركات التكنولوجيا في تل أبيب تأمل في أن التقارب الحالي بين إسرائيل والسعودية سيمكنها من الحصول على حصة من هذه الكعكة الشهية للغاية.

ومع ذلك -يتساءل الكاتب- هل سيبلغ هذا المشرع غايته؟ لا، بسبب التهديد الذي يواجهه من القبائل المحلية، ولكن بسبب الأزمتين المتشابكتين أزمة الصحة وأزمة أسعار النفط اللتين تهزان المملكة.

ويخلص مقال لوموند إلى أنه مع انخفاض أسعار النفط والركود العالمي في الأفق، يتعين على بن سلمان خفض الإنفاق العام وربما تعليق أو إبطاء بعض مشاريعه الرئيسية، ومع الحويطات أو بدونهم، ليس هناك ما يضمن أن مدينة المستقبل سيكون لها مستقبل.

رایکم
آخرالاخبار