
شبکة تابناک الأخبارية: تواصل وكالة أنباء فارس نشر حلقات سلسلة (لن تقهروا فينا العزم) التي خصصتها للحديث عن معاناة الأسرى والأسيرات الفلسطينيات في سجون كيان الاحتلال.
س1/ في البداية نسعد بلقائك في وكالة أنباء فارس .. ونتمنى منكِ التعريف بشخصيتك و التعريف أين ومتى وكيف تم اعتقالك؟
اسمي سهام عوض الله أحمد الحيح وعمري (32 عاماً)، من سكان بلدة صوريف جنوب الضفة المحتلة.
اعتقلت مرتان أولاها بتاريخ الخامس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران عام 2005م، وتم الإفراج عني في الرابع من مايو/ أيار عام 2006م، وثانيها في السادس والعشرين في مارس/ آذار عام 2009م وتم الإفراج عني في الرابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر عام 2009م.
س2/ ضعينا في صورة أول عملية اعتقال تعرضتِ لها؟
تم اعتقالي أول مرة في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، والجميع غارق في النوم والكل يحلم بحلم جميل ويحلم باليوم التالي ويخطط ماذا سيفعل وأين سيذهب؟، ودون موعد ولا سابق إنذار بدأت طرق الأبواب والزجاج يتطاير .. استيقظ الجميع فزعين مذعورين ماذا يحدث؟! وكانت الأصوات تعلو: افتحوا الباب.
بعد فتح الباب طلب من الجميع الخروج لخارج البيت في العراء، وطلب منهم إبراز بطاقاتهم الشخصية وتم وضعهم جميعاً في مكان واحد، وطلب مني أن أبقى في مكان آخر لوحدي.
تقدم نحوي ضابط وحوله قوة كبيرة بين مقنعين وجنود، وأخبرنِ بأنني رهن الاعتقال لديهم ويجب عليَّ أن اذهب معهم بدون أي حركة أو معارضة.
ومن ثمَّ دخلوا إلى البيت ولم يبق شيء في مكانه, تم تحطيم ما تبقى من الزجاج وتفتيش وتكسير جميع الأثاث بحجة البحث عن أوراق وغيرها، وقاموا بتكبيل يداي وتعصيب عيناي وقتها حاول أحد إخوتي اعتراضهم فصوبوا نحوه السلاح وحاولوا إطلاق النار عليه، ساعتها قالت لهم أمي: ألا يكفي أنكم أخذتم إخوانها من قبل وبقي عليكم البنات تأخذوهم، فرد عليها الضابط: وإن لزم الأمر سنعتقلك أنتِ أيضاً.
قبل ما أخرج معهم طلبت منهم أن أتوضأ، رفضوا وأنا أصررت ألا أخرج قبل الوضوء، وقتها قال لي الضابط : سهام إذا يوجد شيء تريدين أن تتخلصي منه نحن كاشفين كل شيء .. فدخل جندي للحمام وفتشه تفتيشاً دقيقاً وبعدها سمحوا لي بدخوله.
وبعدها اقتادوني للجيب العسكري حتى وصلنا للمعسكر بـ"عتصيون" وعندما وصلنا لهناك، وضعت بالبرد القارص حتى أنني كنت انتفض من شدة البرد، ولاحقاً تم اقتيادي إلى مركز التوقيف.
س3/ متى بدأت مرحلة التحقيق معك .. تحدثي لنا عنها؟
عقب ما أديت صلاة الفجر التي صليتها وأنا جالسة ومكبلة اليدين والقدمين ومعصوبة العينين، حيث أتذكر وقتها دخل المحقق وأنا أصلي، وبعد أن انتهيت بدأ بالصراخ والصياح.
بعد ذلك بدأ بالتحقيق معي؛ وعرَّف عن نفسه بالقول: أنا الكابتن زوهر، تعرفيني صحيح كنت أحضر لبيتكم كتير وآخذ إخوانك، وبعد ذلك أخذ يستفزني على حجابي ويهدد بأن يقوم بنزع نقابي عني، ولم أهتم لتهديده .. لقد كان يلعب على الأمور النفسية أكثر.
كان يتوعدني لرفضي الحديث معه بالحكم عليَّ عشر سنوات.. فرددت عليه وأنا مطمئنة: إن كان الله كاتب لي هذا الحكم سأقبل به وأكون راضية. ساعتها لاحظت استياءه الشديد وأخذ يخبط بالأرض ولطمني.
لاحقاً طلبت الذهاب للحمام، فرفض ذلك .. وبعد ذلك جاء ومسكني من رقبتي وقال: فوتي هذا الحمام، فسألته: كيف استخدم الحمام وأنا معصوبة العينين ومقيدة القدمين واليدين؟! فأجاب: ألستِ من طلب الحمام، ها أنتِ به .. وأرجعني وما سمح لي باستخدام الحمام، وقال لي: حان وقت نقلك لمكان آخر.
س 4/ ماذا جرى معك بعد ذلك؟
وضعوني بقبو .. وهي غرفة حديدية مظلمة ومخصصة لفرد واحد وليس بداخلها أي منفس للهواء وعلى باباها - أعزكم الله - كلاب حراسة، باختصار هي تحمل صفات القبور.
بقيت بداخل الغرفة هذه لأكثر من أربع ساعات، وبعد ذلك استؤنف التحقيق معي، وكانت التهمة حول انتمائي لحركة الجهاد الإسلامي.
س5/ هل راعى المحققون كونكِ أنثى؟
بالطبع كلا .. حتى أنهم كانوا مستفزين للغاية لي، فضلاً عن التفتيش العاري في كل مرحلة من مراحل التحقيق.
وأتذكر أن المحقق قال لي: إذا اعترفتِ أو لا فتهمتك جاهزة، والحكم أيضاً جاهز .. وقتها تيقنك أن رجال المخابرات هم من يقرر ويحكم وأنه لا وجود لسلطات قضائية أو غيره، وقلت له: هذا ليس بغريب عليكم.
بعد ذلك نقلت للسجن وطبعاً تكرر خروجي للمحاكم ومعاناتي مع البوسطة والسجانين. ومن ثمَّ حكم عليَّ بعام وغرامة مالية بقيمة 3000 شيكل (850 دولار أمريكي تقريباً).
س6/ ما أصعب موقف مررتِ به خلال فترتي التحقيق معك أثناء اعتقالك؟
أصعب موقف عندما شاهدت أخي، وعلمت أنهم قاموا باعتقال جميع أفراد أسرتي وحتى أبي كان من ضمن المعتقلين، وأكثر ما كان يثير استيائي عندما كنت أجبر وأرغم على نزع النقاب عند العدد.
س7/ كم كانت مدة التحقيق معكِ؟
شهر، امتدت بين حرمان من النوم وضغط نفسي وتهديد ووعيد، وخلال التحقيق ما كنت اعلم ماذا فعلوا بأهلي؟.
بمرحلة من مراحل التحقيق تم عرض بعض الصور عليَّ من أجل المواجهة بها أو إن كنت أعرفهم، وبقيت صورة واحدة لم تعرض فشعرت أن هذه الصورة تخص أحداً من أهلي، وبعد ذلك اقتادني الجنود خارج الغرفة دون أن يعصبوا عيناي هذه المرة .. ومررت أمام غرف التحقيق وكانت هناك غرفة مفتوحة الأبواب وبداخلها شاب يتم التحقيق معه استرقت النظر خلسةً وإذا به أخي، حينها امتلكت نفسي ولم أظهر لهم أنني شاهدته، وبعد ذلك بدأ الضابط بصراخ والمسبات عليهم: لماذا لم يعصبوا عيناي، وكأنها مسرحية أمامي .. هم قصدوا ذلك حتى انهار.
س8/ ما شعورك وأنتِ تخضعين للوهلة الأولى للاعتقال؟
شعورٌ يحدوه الألم والمرارة، هم لم يأسروا فكري ولا عقلي صحيح لكنهم يكبلون الجسد ويقيدونه .. أن يتحكم سجان حقير في خروجك ودخولك ويغلق عليك الأبواب ويتحكم في دخول جرعات من الهواء التي تتنفسها بعد أن كنت حراً طليقاً وكلك عطاء وهمة ونشاط.
كانت أيام السجن قاسية ومريرة من معاملة سجاني وسجانات الاحتلال والتفتيش العاري، واقتحام الغرف وتفتيشها.
س 9/ ما طبيعة الحياة بالسجن؟ وما نوعية الطعام والشراب الذي يقدم للأسيرات؟
كنا نعيش بغرف قذرةٌ جداً ولا تصلح للعيش الآدمي ولا حتى للحيوانات - أعزكم الله- من الرطوبة العالية والعفن وقلة التهوية ولا يوجد داخلها شبابيك وإن وجدت تكون مغطاة بصفائح من الحديد لتحجب دخول الهواء وأشعة الشمس فضلاً عن كونها ضيقة للغاية، ويكون بداخلها الحمام من غير باب.
كانت تتواجد بداخل الغرفة الواحدة ثماني أسيرات، مع تواجد الصراصير والجرذان بشكل كبير جداً وبكافة الأحجام.
بالنسبة للطعام، كل ما كان يقدم لم يكن يصلح للاستهلاك البشري .. لقد كان قذراً، وتتواجد بداخله الحشرات مثل الصراصير وأحياناً الفئران.
كنا نعلم أن ما يقدم لنا من صنع الجنائيين الصهاينة لذلك لا أحد كان يقدر على تناوله، فيضطر الأسير أن يشتري طعامه وشرابه من "الكنتينة" التي تكون على حسابه ويكون السعر فيها مضاعفاً.
س10/ هل دار بينكِ وبين الصهاينة أي سجال خلال اعتقالك؟
نعم وأنا بالعزل دار جدال بيني وبينهم من أجل إنهاء فترة العزل .. أتذكر أن الضابط أبلغني: أنتِ هنا بأمر من المخابرات؛ وهناك قرار ببقائك حتى إنهاء محكوميتك.
أخذتُ القرار بعد أن توجهت للقاضي بإنهاء فترة العزل ونقلي لقسم الأسيرات الفلسطينيات، لكن القاضي كان صورياً وكل شيء بيد المخابرات، وقتها صرخت في أوجههم وقلت لهم: هذا تزييفٌ وخداعٌ وتضليلٌ كبير. وبعدها قررت خوض الإضراب عن الطعام حتى يتم نقلي لقسم الأسيرات الفلسطينيات، وبعد مرور ثلاثة أيام على الإضراب تم نقلي بالفعل.
س11/ حدثينا عن عملية الاعتقال الثاني؟
بعد مرور نحو سنتين ونصف من الإفراج عني تم اعتقالي للمرة الثانية، وكانت هذه المرة أصعب مرارة عليَّ وعلى الأهل أيضاً كون أني في هذه الفترة كنتُ الوحيدة داخل المعتقل غير المرة السابقة؛ حيث كان أربعة من أشقائي أسرى في سجون القهر الصهيوني.
وأتذكر ذلك اليوم جيداً كان يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر مارس/ آذار لعام 2009م ، حيث كان اقتحام قوة عسكرية كبيرة جداً لجميع منازل العائلة (بيوت أشقائي وبيت أهلي) بعد منتصف الليل ولم يتوقع أحدٌ أنها فقط كانت من أجل اعتقال فتاة.
وقتها طُرق باب البيت، وفتحت والدتي الباب وسألوها مباشرة: أين سهام؟ .. كانت معهم مجندتان قامتا على الفور بسحبي إلى أحد الغرف وتفتيشي بشكل عاري تماماً.
وبعدها كُبلت يداي وعصبت عيناي ووضعت بداخل الجيب العسكري، وبقيت لأكثر من ثلاث ساعات به، وهم بداخل البيت وكنت أسمع صوت تكسير الأثاث والشبابيك ينبعث بصوتٍ عالٍ.
لاحقاً أخبرني الضابط أني معتقلة إدارياً منذ هذه اللحظة، ونُقلت مباشرةً إلى مركز التحقيق، حيث وضعت فور وصولي بغرفة قذرة جداً وليس بها لا فراش ولا غطاء غير سريرٍ من الحديد.
بقيت على هذا النحو لمدة ستة أيام، وكان الجو بارد جداً ولا أعلم هل الدنيا ليل أم نهار .. وبعدها اقتادوني إلى غرفة المحققين.
س12/ ما أسوأ ذكرى مررتِ بها في الأسر؟
السجن بحد ذاته ذكرى سيئة كونه يفصل الأسير عن أهله جسدياً وينتزعه ويختطفه من بين ذويه وأحبابه.
استذكر لحظة نزعهم لنقابي عنوةً من أجل العدد كم بكيت في تلك اللحظات، لقد كانت لحظاتٍ مريرة وقاسية جداً أن تُجبر أحداً على فعل شيء دون رضاه. ولكن ما يهون عليك أن من يقوم بذلك معك محتلٌ وليس غريباً عليه ما يفعل.
س13/ هل الاعتقال يُضعِّف الأسير فكرياً؟
على العكس تماماً، الأسر بنظري يزيد من إصرار صاحب الفكر الحر على الثبات والبقاء على نهجه وطريقه. الأسر يزيد ويرسخ الثوابت والبقاء على النهج، لأنه يدرك لو لم يكن صاحب نهج حر وصحيح لم يكن ملاحقاً ومستهدفاً ويزج به داخل السجون. لذلك الأسر يعطي الإنسان دفعات لتطوير نفسه وزيادة ثباته وإيمانه بمبادئه.
س14/ ما هي الشخصيات التي تأثرتِ بها داخل السجن؟
الشخصيات التي تأثرت بها كانت الأخت لينا جربوني وتأثري بها كان كون حكمها يفوق الـ 17 عاماً، ومع ذلك كله عطاء وثبات وإصرار وصبر وتحمل. لقد كانت بمثابة الأم داخل السجن حيث تحنو على كل أسيرة وتخفف عنها آلامها وتقف إلى جانها في كل النواحي.
ومن بين تلك الشخصيات الأخت قاهرة السعدي وهي أم لها أطفال، وكم كانت صابرة ومحتسبة وعندها أمل بالإفراج والخروج للحياة مع كونها محكومة 3 مؤبدات و90 عاماً. تجد داخلها تطلع لمستقبل كله سعادة، وعلاقتي بها كانت مميزة وما يؤلمني خروجي من السجن وتركهما خلفي ولكنهما تعيشان معي في كل تفاصيل حياتي.
والأسيرات كثيرات ولكل واحدةٍ منهن قصةٌ وحكاية ورواية وكلنا كان يستفيد ويتأثر بالآخر .. السجن مدرسةٌ لمن أراد التعلم واكتساب المهارات رغم مرارته لكن الأسير يصنع لنفسه حياة كلها أمل وسعادة.
س15/ حدثينا عن لحظة الإفراج عنكِ ..؟
لحظة الإفراج كانت أصعب ما مررت به في حياتي، كونها تمتزج بها أحاسيس الألم والفرح والحزن في آنٍ واحد.
الفرحة بلقاء الأهل والأحبة بعد غياب طال، والحزن لفراق أحبةٍ عايشناهم وعشنا معهم لحظة الفرح والحزن، وتبقى الفرحة ناقصة لبقائهم خلفنا وعزاؤنا أنهم سيلحقون بنا ولكن هذا يبقى في علم الغيبة.
وبالنسبة لي، لقد كانت تلك اللحظة أصعب من لحظة الاعتقال.
س16/ ما الذي يرعب "الإسرائيليين" أكثر من أي شي آخر؟ وما مدى ذعر العدو من إيران؟
الذي يرعب العدو صدق وثبات المقاوم، فعل سبيل المثال على الساحة الفلسطينية أكثر ما يرعبهم حركة الجهاد الإسلامي حيث يلاحقون عناصرها في كل مكان.
هم يعلمون أن الجهاد حركة مقاومة ولن تكون في يومٍ من الأيام حركة تفاوض وتنازل عن الحقوق، وهذا ما يجعلهم لا يفرقون بين عنصر مقاوم فيها أو كادر ينشط في المجال الاجتماعي والخيري كلهم مصنف في قائمة المطاردة والاعتقال أو الاغتيال.
وأؤكد لك أنهم يرتعدون عند سماعهم لاسم الجمهورية الإسلامية وحزب الله وهم يعلمون أن إيران عندها قدرة على سحقهم عن الوجود.