التزاحم الجنوني على المحلات الغذائية والصيدليات هذه الأيام بحثا عن كل ما يؤكل أو يشرب أو يصلح للتخزين والوقاية والعلاج الأولي، معطوف عليها الاحتياطات والإجراءات الشخصية والمجتمعية “التي لا مثيل لها” في مواجهة فايروس كورونا مظاهر تدل على شيء واحد، وهو أن الإنسان يتجنب المرض، خشية من الموت. ويستوي في ذلك من يؤمن بوجود جنة ونار، ومن لا يؤمن بذلك. فالخوف من الموت هو طبيعة بشرية، لا علاقة لها بما سوف يحدث بعده.
الأمراض تهزأ باختلافاتنا
من البديهيات أن الأمراض لا تفرق بين إنسان وآخر، وهي لا تكترث بدين أو جنسية أو لون أو عرق البشر. ومن ثم فالتعامل معها لا ينبغي أن يأخذ في اعتباره هذه الفروق، التي لا تصلح على أية حال، مادة للتمايز والغلبة أو الاستهداف، أيا كان الدافع وراء ذلك. ومن باب أولى أن يتذكر الإنسان نفسه، أن الحرص على الحياة غريزة لدى جميع البشر، وأنه ليس فريدا في ذلك. هذا الحديث مهم لأن كثيرا من الناس ينسى الحقيقية البديهية، التي أيقظنا عليها فيروس كورونا، وهي وحدة الجنس البشري، ويصر على التصرف كما لو أن هناك بشر درجة أولى وبشر درجة عاشرة، تبعا لانتماءاتهم.
الذكرى تنفع الإنسان
إن الخوف من الموت والرغبة في الحياة توحد تقريبا جميع البشر. وعند هذه النقطة تتضاءل الفروقات والاختلافات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، بل تتضاءل الخلافات والنزاعات الأخرى. ويعجب الإنسان، ويتساءل: هل كنا بحاجة حقا إلى فيروس كورونا لكي ينبهنا إلى هذه الحقيقة؟ هل نحن بحاجة إلى وباء عالمي لكي ندرك أن أي إنسان يعيش في أية بقعة من بقاع الأرض يتصل بنا بشكل من الأشكال وأن ما يصيبه يصلنا بصورة لا نتخيلها أحيانا؟
بالطبع لا ينطبق ذلك على البشر فقط. الحقيقة أن النبات والحيوان وكل ما هو موجود على وجه الأرض يشترك معنا في دورة الحياة الطبيعية، وأن أي ضرر يقع عليها، ينعكس بصورة أو بأخرى على نمط حياتنا، عاجلا أو آجلا. وهذا هو المنطق الذي يحرك العديد من الناشطين والناشطات حول العالم للدفاع عن/أو حماية نوع يكاد ينقرض هنا أو هناك.
فيروس يفرض نفسه على شعائر الأديان المختلفة!
فرض فيروس كورونا المستجد نفسه على أجندة الأديان العالمية الكبرى، فبعد فترة من الترقب تراوحت بين الانتظار والارتباك، استسلم رجال الدين في نهاية المطاف للأمر الواقع. أوليست حياة المؤمنين فوق كل اعتبار؟ وينتشر فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) عبر العالم، كما تنتشر النار في الهشيم، وضعٌ أجبر رجال الدين على التعامل مع هذا الوباء القاتل. فها هو البابا فرنسيس الأول بدا، في مشهد مثير، وكأنه معلق على أسوار الفاتيكان وهو يحتفل بالقداس الكاثوليكي الرسمي الوحيد في كل إيطاليا.
فيما ألغى أساقفة الكنسية من مختلف الجنسيات المؤتمرات واللقاءات التي كانت مبرمجة قبيل انتشار الفيروس. كما أعلنت دولة الفاتيكان إغلاق كاتدرائية وساحة القديس بطرس أمام السياح حتى الثالث من نيسان / أبريل 2020 في إطار الاجراءات الهادفة الى وقف انتشار فيروس كورونا المستجد. وأقفلت عديد الكنس والمعابد اليهودية أبوابها في الولايات المتحدة الأمريكية. نفس القيود شملت مهرجان “هولي” الهندوسي للألوان الذي ألغي هذا العام لنفس السبب.
وبالنسبة للديانة الإسلامية، ففي السعودية ورغم إعادة فتح صحن الكعبة عقب إغلاقه مؤقتا لمنع انتشار الفيروس، لا يزال قرار تعليق العمرة غير المسبوق قائما. القرار الخاص بالكعبة استثنائي بكل المقاييس وبعث برسالة واضحة لكل مسلمي العالم بشأن التعامل مع الوباء القاتل.
من اللافت أيضا، أن أتباع الأديان أنفسهم عجلوا في بعض الحالات بانتشار فيروس كورونا، كما هو الحال في كوريا الجنوبية، حيث تجاهلت الطائفة المسيحية مناشدات متكررة للحكومة بتعليق التجمعات الدينية. وساهمت من حيث لا تدري في ارتفاع مهول في عدد المصابين.