رسم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق (شين بيت) كارمي غيلون “سيناريو” قاتما لمستقبل إسرائيل، مشددا على أن من سماهم الإرهابيين اليهود لم يعودوا يعملون في الخفاء.
وفي مقابلة أجرتها معه الكاتبة أريانا ميلاميد، ونشرتها صحيفة هآرتس؛ تكهن غيلون بأن مستقبل إسرائيل سيكون “إما سيئا أو سيئا للغاية”.
وقال إن إسرائيل إذا تبنت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط فإنها بذلك ستطلق العنان لعقيدة دينية يمينية متطرفة، والتي بدورها ستشعل الفوضى.
ومن السيناريوهات التي توقع حدوثها في إسرائيل في غضون الأشهر أو السنوات القليلة المقبلة “هجوم إرهابي مرعب” على كنيسة السيّدة العذراء بالقدس القديمة؛ مما سيدفع الشين بيت لتطويق المشتبه فيهم من حركة “شباب قمة التل” والتحقيق معهم.
وتتألف حركة شباب قمة التل من عناصر شبابية متشددة وقوميين يهود ينشطون في بناء مواقع استيطانية من دون أساس قانوني إسرائيلي في الضفة الغربية، حسب موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية.
غير أن ميلاميد تتوقع أن يأتي تحرك الشين بيت محدودا ومتأخرا؛ ذلك أن حركة يهودية سرية جديدة شرعت في تنظيم نفسها بعيدا عن الأنظار في وقت يكون فيه الخطاب “اليهودي المسيحي والمسموم” مهيمنا على الساحة الإسرائيلية.
ثم إن أي هجوم على كنيسة البشارة الكاثوليكية -وهي من أهم المعالم الدينية المسيحية في مدينة الناصرة- سيشعل نيرانا هائلة، وسيثير موجات جديدة من العداء المسيحي للسامية في العالم.
وتعلق ميلاميد على توقعات كرمي غيلون –الذي ترأس جهاز الشين بيت إبان “أكبر إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل” عندما اغتال يغال عامير رئيس الوزراء إسحق رابين في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995- بالقول إن الرجل لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وضمّنها السيناريو الذي رسمه.
وذكرت أن هذا السيناريو تجده في ثنايا روايته السياسية المثيرة تحت عنوان “المسيح الشرير”، التي كتبها بالتعاون مع الصحفي والمؤلف المخضرم يوسف شفيت.
السيئ والسيئ للغاية
وأوضح غيلون في اللقاء الذي أجرته معه ميلاميد في أحد مقاهي مستوطنة موديعين الواقعة على الطريق الواصل بين القدس وتل أبيب، أن هناك سيناريوهين: “أحدهما سيئ والآخر سيئ للغاية”.
وقال إن هاجس البقاء في المسرح السياسي لطالما أرق كل السياسيين في إسرائيل، مضيفا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رهن الدولة وفن إدارة شؤونها والديمقراطية عندما رفض الذهاب إلى السجن.
ووفقا لرئيس الشين بيت السابق، فإن السيناريو الأسوأ في أعقاب الانتخابات الأخيرة سيتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤلفة من نتنياهو وبيني غانتس زعيم حزب “أزرق أبيض”.
ومضى إلى القول إن “الإرهابيين اليهود” لم يعودوا يعيشون على الهامش، “ولم يعودوا أعشابا برية ضارة”، كما كان يطلق عليهم الجمهور الإسرائيلي ذلك الوصف.
وتابع إن أولئك الإرهابيين اليهود “ليسوا أعشابا ضارة”، منوها إلى أنه عندما اكتُشف أمر الحركة اليهودية السرية -بعد سلسلة من الهجمات التي تعرض لها الفلسطينيون في ثمانينيات القرن الماضي- كان هناك 12 ألف مستوطن في الأراضي (الفلسطينية)، أما اليوم فهناك خمسمئة ألف منهم.
ولا يوجد صهيوني متدين واحد –حسب الكاتب- لم يقرأ على الأرجح كتاب “توراة الملك” من تأليف الحاخام يتسحاق شابيرا والحاخام يوسيف إليتسيور، الذي يصفه غيلون بالكتاب العنصري.
وكشف رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق عن أنه ما من نائب عام في إسرائيل سمح بالتحقيق مع الحاخامات المتطرفين ومحاكمتهم على ما تنطوي عليه تصريحاتهم من خطر داهم وتأثيرها على تلامذتهم، وأقر بأن الجهاز الذي كان يرأسه أخطأ في تعامله مع أولئك الحاخامات.
الشريعة اليهودية
وفي معرض إجابته عن سؤال الصحفية ميلاميد بشأن ما الذي يمكن فعله إزاء الحملة الرامية لجعل دولة إسرائيل تُحكم وفق الشريعة اليهودية؟ أعرب غيلون عن اعتقاده أن هناك كثيرين من بين الناخبين اليمينيين ممن لا يتمنون حدوث ذلك.
ولا يتوقع غيلون أن يظل الهدوء سائدا في إسرائيل خلال الأربعين سنة القادمة، مشيرا إلى أن أي حكومة تتولى زمام الأمور في البلاد –سواء كانت من اليمين أو اليسار- تفعل ما في وسعها لإخفاء الحقيقة.
ولفتت كاتبة التقرير إلى أن غيلون وبنيامين نتنياهو كانا ينتميان لمجموعة لم تشأ ميلاميد أو رئيس الشين بيت السابق الإفصاح عن طبيعتها. واكتفت الصحفية بالإشارة إلى أن نتنياهو كان ينضم إلى المجموعة عندما زار إسرائيل قادما من الولايات المتحدة التي أقام فيها أواسط ستينيات القرن العشرين.
ويوصف نتنياهو بأنه كان يتمتع بمهابة لم تكن خافية على كل من حوله، وروى غيلون كيف أنه وبعض أصدقائه –من بينهم نتنياهو- أقاموا معسكر عمل للشباب في كيبوتز الحقوق، وهي مستوطنة تعاونية تضم جماعة من المستوطنين الصهاينة، حيث كانوا يقضون الليل في تداول الأفكار بشأن ما يتطلعون للقيام به عندما يكبرون.
كان نتنياهو –والحديث ما يزال لغيلون- يردد، وهو ما زال في سن 15 أو 16 عاما، بأنه يريد أن يكون رئيس وزراء. لم يكتف نتنياهو بالتمني بل تبع ذلك بالمثابرة لتحقيق مبتغاه رغم أنه كان “بخيلا حقا”، حسب غليون.