ما كشفته صحيفتا «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» الأميركيتان، عن اعتقال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ثلاثة من كبار أمراء آل سعود وهم أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك سلمان ، ومحمد بن نايف وزير الداخلية السابق وشقيقه الأصغر نواف بن نايف، لم يكن مفاجئا للعارفين بخفايا الامور داخل السعودية، بسبب التخبط والفوضى التي تعيشه البلاد منذ سيطرة ابن سلمان على مقاليد الحكم بالقوة مستعينا بدعم والده المريض وبمباركة امريكية مشروطة.
ما حدث خلال اليومين الماضيين في داخل اسرة آل سعود، وان كانت بعض تفاصيل الاسباب المباشرة يلفها الضباب، الا انها تاتي في اطار محاولات ابن سلمان المدعومة امريكيا، للوصول الى عرش المملكة في ظل وجود والده المريض لضمان وأد كل صوت معارض داخل الاسرة التي كشفت تطورات السنوات الخمس الماضية انها ليس على وئام مع ابن سلمان.
الامريكيون تفاجأوا من حجم الخدمات التي قدمها ويقدمها لهم ابن سلمان والتي تجاوزت حتى حدود ما كانوا يطلبونه منه بشأن تمرير "صفقة القرن" وتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي والموقف من ايران، الامر الذي جعلهم يضحون بالامير احمد بن عبد العزيز ويغدرون به بعد ان عاد الى الرياض من منفاه الطوعي في بريطانيا بـ"ضمانة امريكية"!.
غدر الامريكيين ليس جديدا، فقد غدروا من قبل بمحمد بن نايف ، بعد ان كان يوصف بانه اقرب امراء ال سعود للامريكيين والاكثر حظوة لديهم من بين احفاد الملك المؤسس، الا انهم تخلوا عنه لصالح ابن سلمان الذي جند كل امكانيات السعودية الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية لخدمة المخططات الامريكية والاسرائيلية في المنطقة، وتبخرت في ظل حكمه كل مفاهيم الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية ، حتى بات الامريكيون انفسهم وتحديدا شخص الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، يستغربون كل هذا "الاستلاب" السعودي امام الاوامر الامريكية.
التهمة التي الصقها ابن سلمان بعمه وابناء عمومته والتي سربتها صحيفتا «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» الأميركيتان، وهي "الخيانة العظمى" والتي تستبطن الاعدام او المؤيد، يبدو انها لم تكن من باب "السبق الصحفي" او "الفضول الصحفي"، بل هي مقصودة والهدف منها بث الرعب في نفوس باقي امراء ال سعود الذين قد يفكرون في معارضة ابن سلمان او وضع العراقيل امام صعوده الى العرش.
رغم ان تفاصيل ما جرى داخل اسرة ال سعود مازالت شحيحة، الا ان الذي تم الكشف عنه لحد الان يؤكد ان امرا ما في غاية الاهمية قد حدث، وان امرا اكثر اهمية سيحدث، ولكن من الواضح ان الامرين معا ما كانا ليحدثا لولا العامل الامريكي المهيمن والمسيطر على كل ما يخص ال سعود بكل تفاصيل شؤونهم حتى الشخصية منها، فالذي جرى يوم امس الجمعة جاء استكمالا لمسلسل تصفية المنافسين والخصوم داخل اسرة ال سعود الذي بدا بعزل الامير مقرن والامير نايف واحتجاز الأمراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال في فندق "ريتز كارلتون"،أواخر عام 2017، بحجة «فسادهم"، وكان من بين الموقوفين وزير الحرس الوطني المقال الأمير متعب ابن الملك عبد الله، وشقيقه أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله، والأمير الملياردير الوليد بن طلال، والأمير فهد بن عبد الله بن محمد نائب قائد القوات الجوية الأسبق.
من الواضح ان مصلحة "اسرائيلية" بحتة هي التي تحرك السياسية الامريكية في السعودية، فأمن واستقرار ومستقبل الكيان الاسرائيلي هي البوصلة التي تحرك هذه السياسية، وليس في نطاق هذه السياسة شيء اسمه مصلحة سعودية او حتى مصلحة ال سعود انفسهم ، فماهي مصلحة ال سعود والسعودية والعرب والمسلمين في العدوان الذي تشنه السعودية على بلد عربي جار وشقيق ومسلم مثل اليمن منذ اكثر من خمس سنوات؟، وما هي مصلحة السعودية في افراغ الخزينة السعودية من اخر ريال فيها لاجل عيون ترامب؟ وما هي مصلحة العرب في بيع القضية الفلسطينية وتبني "صفقة ترامب" بشكل كامل؟، وما هي مصلحة ال سعود في الاقتتال الحاصل بين ابناء واحفاد الملك المؤسس؟، ماهي مصلحة السعودية في اعطاء الاوامر بقتل وتمزيق وحرق الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول؟، لا مصلحة ابدا للسعودية في كل ذلك، بل على العكس تماما فالسعودية اليوم التي تحركها السياسة الامريكية المؤطرة بالكامل بالمصلحة الاسرائيلية، تقف على براميل بارود قد تنفجر في اي لحظة، ما دام عود الثقاب بيد شاب ليس هناك من صفة الصق بتصرفاته من صفة "الجنون".