۱۱۲۳مشاهدات
رمز الخبر: ۴۴۳۵۷
تأريخ النشر: 06 March 2020

أن يبادر الرئيس رجب طيب أردوغان بالإعلان عن وقف كامل لإطلاق النار في منطقة إدلب كأبرز نقاط الاتفاق الذي تمخضت عنه القمة التي عقدها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فإن هذا يعني للوهلة الأولى تجميد الأوضاع الحالية على حالها، وبقاء قوات الجيش العربي السوري في جميع المناطق التي أعاد السيطرة عليها وتبلغ مساحتها حوالي 600 كيلومتر مربع، بما في ذلك مدينة سراقب الاستراتيجية، وكأن مهلة الرئيس أردوغان ومطالبه بالانسحاب لم تكن.

إنه اتفاق لإنقاذ "ماء وجه" الرئيس أردوغان، وإنزاله عن شجرة تهديداته العالية جدا، وتفريغ هجومه العسكري الذي حمل عنوان "درع الربيع" من أي جدوى وقيمة.

الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس بوتين في تعاطيه مع الملف السوري، تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية، أولها التقدم عسكريا، واستعادة العديد من المناطق، تم تثبيتها لاحقا من خلال اتفاقات مع الجانب التركي الداعم للفصائل العسكرية المسلحة، وتشكيل دوريات مشتركة، أو إقامة مراكز رقابة عسكرية تركية لذر الرماد في العيون، وهي استراتيجية "ذكية" تبطل نظيرتها التركية التي تقوم على دفع الأمور إلى حافة الهاوية من خلال الصدمات التصعيدية.

***
استمرار المباحثات بين الجانبين الروسي والتركي لأكثر من ست ساعات نصفها اقتصرت على رئيسي البلدين في اجتماع مغلق دليل واضح على عمق الخلافات، وإصرار كل طرف على موقفه، والروسي على وجه الخصوص.
الموقف الروسي كان واضحا لا لبس فيه ويتلخص في أن الجيش العربي السوري عندما بدأ هجومه الكاسح في ريف إدلب، وبضوء أخضر روسي، جاء تطبيقا لاتفاق سوتشي الذي لم يلتزم بأبرز بنوده الجانب التركي، أي الفصل بين الفصائل المصنفة إرهابيا (جبهة النصرة) والأخرى المصنفة في "خانة الاعتدال"، ويبدو أنه لم يتزحزح عنه مطلقا.

كان لافتا من خلال البنود الأولية المعلنة للاتفاق أو ما تم الكشف عنه من نقاط، أنه لم يتم مطلقا ذكر طريق "إم 5" الدولي الذي يربط دمشق بحلب، وأن الدوريات الروسية التركية المشتركة ستشمل طريق "إم 4" الذي يربط حلب باللاذقية وهذا يعني أن الطريق الأول "إم 5" سيبقى تحت سيطرة الجيش العربي السوري بالكامل، ودون أي دور أمني سواء لتركيا أو للفصائل المسلحة، التي كانت تسيطر عليه وهذا اختراق مهم جدا للاقتصاد السوري، وسيادة الدولة وهيبتها.

أما ما يتعلق بالممر الامن في منطقة إدلب فإنه يعني السماح بخروج المدنيين السوريين من المدينة، واللجوء إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري تماما مثلما حدث في حلب الشرقية، ومنطقة الغوطة، والجنوب السوري، لحصار الجماعات المسلحة وحرمانها من الدرع البشري السكاني.

حديث الرئيس بوتين عن وضع وثيقة مشتركة تتضمن النقاط والقرارات التي تم التوصل إليها يعني إدخال تعديلات جديدة على اتفاق سوتشي تعكس المتغيرات الأخيرة في منطقة إدلب، وربما ستكون محدودة وهامشية لإرضاء الجانب التركي وإظهاره بمظهر الحصول على مقابل لتنازلاته.

وتثبيت المناطق التي استعادها الجيش العربي السوري، حيث لوحظ تأكيدات الرئيس بوتين "أن تصرفات المسلحين في إدلب هي التي أدت إلى استئناف الأعمال القتالية الأمر الذي تسبب في مقتل عسكريين أتراك"، وهذه تبرئة صريحة للجيش العربي السوري وبما يلغي الراوية التركية في توجيه اللوم إليه في التصعيد الأخير في المنطقة.

القراءة السريعة لنقاط الاتفاق، وملامح وجه الرئيسين الروسي والتركي في المؤتمر الصحافي المشترك، توحي بأن الأول، أي الرئيس بوتين الذي بدأ متجهما، قدم السلم لنظيره التركي للنزول عن الشجرة العالية جدا التي صعد إليها من خلال هجومه على إدلب، ولتجنب مواجهة عسكرية أكبر في الوقت الراهن، ومواصلة سياسة القضم الروسية، وتضييق الخناق على الجماعات المسلحة المصنفة إرهابيا، انتظارا لجولة تصفية قادمة ربما تكون الأخيرة والحاسمة.

ما يهم الرئيس أردوغان هو عدم تدفق المزيد من اللاجئين إلى الأراضي التركية، ويبدو أن الممر الامن المتفق على إقامته في القمة الأخيرة سيساهم في تقليص حدة قلقه ومخاوفه، ولا نستبعد أن يصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفوا شاملا عن المقاتلين السوريين وأسرهم في المدينة في الأيام القليلة المقبلة لإفساح المجال لهم لتسوية أوضاعهم عبر لجان المصالحة المكلفة بهذه المهمة.

***
الرئيس أردوغان حقق مكسبا هاما، ولكن ربما مؤقتا، وهو تجنب التصعيد والمواجهة العسكرية مع القوات الروسية والسورية، بعد التحشيدات البحرية والجوية الضخمة التي أمر بها الرئيس الروسي ووصلت فعلا إلى البحر المتوسط، لتأكيد جديته في فرض بنود اتفاق سوتشي بالقوة ومهما كلف الأمر.

أزمة الرئيس أردوغان العسكرية في إدلب ربما انتهت، أو تجمدت، وبقيت أمامه ثلاث أزمات: الأولى، مع الاتحاد الأوروبي والمتمثلة في استخدامه اللاجئين السوريين كورقة ضغط، أعطت نتائج عكسية والمزيد من العزلة، والثانية، محلية صرفة انعكست في بداية ثورة في البرلمان التركي ضد سياساته والتدخل العسكري في سوريا وليبيا ومقتل أعداد كبيرة من الجنود الأتراك، أما الثانية، فتتعلق بمواجهة الجماعات المسلحة التي سترى في اتفاقاته مع الروس تنازلا كبيرا، وهي جماعات راهنت على المواجهة العسكرية مع الروس والجيش السوري معا حتى نهاية الشوط، ومن المؤكد أن الرئيس أردوغان سيحتاج إلى جهود كبيرة لمواجهة انتقادات هؤلاء واستعادة ثقتهم مجددا.

الأمر المؤكد أن إعلان نقاط الاتفاق والحلول الوسط لتحفيف التصعيد خطوة مهمة إعلاميا، لكن نقاط الخلاف والبنود السرية في اتفاق موسكو، البديل لسوتشي، التي جرى الاتفاق عليها في الاتفاق الثنائي المغلق ستظل طي الكتمان، ولكن إلى حين.. والله أعلم.

راي اليوم

رایکم