۱۱۷۰مشاهدات
رمز الخبر: ۴۳۸۷۵
تأريخ النشر: 03 February 2020

يبدو أن خطة القرن لن تقتصر فقط على الاستيلاء فقط على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل إنها ترمي أيضاً للتخلص من جزء من فلسطينيي 48 وتحديداً سكان منطقة المثلث العربي بإسرائيل الذين تريد تل أبيب إلحاقه بالسلطة الفلسطينية.

ولذا لم يكن غريباً أن يتداعى فلسطينيو 48 للاحتجاج على صفقة القرن ليس فقط تضامناً مع إخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، بل لأن هذه الخطة تبيت لهم مؤامرة كبيرة بدورهم.

وهاجم نشطاء من فلسطينيي 48 الخطة ورفضوها، ووصفوها بغير الواقعية، حيث دعت فعاليات وقوى سياسية عربية داخل الخط الأخضر إلى اجتماعات متلاحقة، لبحث تداعيات البند المتعلق بنقل مدن وقرى المثلث شمال فلسطين المحتلة لتكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

ما هو المثلث العربي الذي يقلق إسرائيل؟

هي منطقة ذات غالبية عربية بإسرائيل تقع بالقرب من الضفة الغربية، وينقسم المثلث إلى المثلث الشمالي (حول كفر قرع، وعرعرة، وباقة الغربية وأم الفحم) والمثلث الجنوبي (حول قلنسوة، والطيبة، وكفر قاسم، والطيرة، وكفر برا، وجلجولية).

وتُعد كل من أم الفحم والطيبة المراكز الاجتماعيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة للسكان العرب في المنطقة.

ومنطقة المُثلث هي معقل للحركة الإسلامية في إسرائيل، والشيخ رائد صلاح، القائد الحالي للفصيل الشمالي للحركة، هو رئيس بلدية سابق لأم الفحم. وهي ذات أغلبية مُسلمة سُنيّة.

تم ضم منطقة المثلث عام 1949، أي بعد إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو/أيار1948، بعدة أشهر وهذا يعني أن هذه الأراضي أصلاً كانت عند إعلان الهدنة بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية بيد العرب، وتحديداً تحت سيطرة الجيش العراقي، الذي فوّض الأردن في التعامل معها ثم سلمها الأردن لليهود».

وتتضمن الخطة الأمريكية نقل التجمعات العربية في بلدات كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم وقلنسوة والطيبة وكفر قاسم وكفر برا وجلجولية، لتنضم إلى أراضي الضفة الغربية لتصبح تحت وصاية السلطة الفلسطينية.

مع العلم أن قرى المثلث الواردة في صفقة القرن تمتد على مساحة 350 كلم2، والمساحات المهددة بالضم 170 ألف دونم، ويقطنها قرابة 300 ألف فلسطيني، يشكلون 20% من إجمالي فلسطيني الداخل، ويحملون الهوية الإسرائيلية.

لماذا تريد إسرائيل التخلص من المثلث العربي تحديداً؟

تعد هذه القرى التي يطلق عليها مناطق المثلث، مصدر قلق ديموغرافي للمؤسسة الإسرائيلية، بسبب زيادة عدد سكانها بشكل مضطرد في السنوات الماضية، حيث تتوقع أوساط إسرائيلية أن يصلوا خلال السنوات الخمس القادمة إلى 500 ألف، مما قد يتسبب بإحداث خلل ديموغرافي لصالح العرب على حساب اليهود.

ويجب ملاحظة أن الزيادة السكانية لفلسطينيي 48 بصفة عامة تتراجع.

إذ أصبح معدل خصوبة المرأة في أوساط عرب 48 ثلاثة أطفال بانخفاض حاد عن المعدل قبل سنوات والذي كان تسعة أطفال.

والآن أصبح معدل الفلسطينيات في الداخل الإسرائيلي أقل من النساء اليهوديات المتدينات الحريديات والبالغ 7 أطفال للمرأة الواحدة، بل إنه أقل من متوسط معدل الخصوبة في إجمالي إسرائيل البالغ 3.1 طفل للمرأة الواحدة، بل إن معدل الخصوبة لدى فلسطينيات الداخل الإسرائيلي يقترب من اليهوديات العلمانيات البالغ 2.2 طفل للمرأة الواحدة مع ميل واضح للارتفاع لدى اليهوديات العلمانيات.

وعلى مدى العقد الماضي، انخفض النمو السكاني السنوي المسلمين في إسرائيل بشكل ملحوظ من حوالي 3٪ إلى أقل من 2.2٪ بحلول عام 2013، في حين ارتفع معدل النمو اليهودي الإجمالي من حوالي 1.4٪ إلى 1.7٪ .

ويبدو أن منطقة المثلث العربي التي تتسم بطابع محافظ تمثل اتجاهاً مختلفاً مقارنة بباقي المناطق العربية الأكثر اندماجاً وحداثة، ولذا فإن التخلص منها لا يقلل الوزن النسبي فقط لفلسطينيي 48، بل إنه أيضاً معناه التخلص من المجموعة الفلسطينية الأكثر زيادة في السكان والأكثر محافظة على الهوية الفلسطينية التقليدية والمرتبطة بفلسطيني الضفة الغربية.

الخطة ونزع الجنسية

أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، قال إن «صفقة القرن هي خطة الضم والترانسفير لنتنياهو وترامب، وتعطي الضوء الأخضر لنزع الجنسية الإسرائيلية من مئات الآلاف من الفلسطينيين من سكان منطقة المثلث، لكن الترانسفير لن يمر».

محمد وتد، صحفي فلسطيني من منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة، ومهتم بتغطية شؤون فلسطينيي 48، قال لـ «عربي بوست» إن «القوى السياسية داخل الخط الأخضر بكافة أشكالها وتوجهاتها تعتبر أن بند ضم الأراضي هو امتداد لمشاريع تصفوية سابقة لإنهاء القضية الفلسطينية، وترى هذه القوى أن إسرائيل تريد من وراء هذه الخطوة السيطرة على الأرض دون السكان».

وأضاف أن «إسرائيل تحاول أن تضفي على صفقة القرن انطباعاً بأن المشروع ليس تنازلاً من طرف واحد، بل عملية متبادلة، حيث ستتنازل إسرائيل شكلياً عن جزء من أراضي المستوطنات لصالح الدولة الفلسطينية، مقابل إزاحة أكبر ثقل سكاني عربي في إسرائيل لتضمها للسلطة الفلسطينية».

معادلة إسرائيل.. أكبر قدر من السكان مع أقل قدر من الأراضي

وليست هذه أول مرة تطرح مثل هذه الخطط وسبق أن تحدث عنها السياسي الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان.

وكالمعتاد يتوقع أن إسرائيل ستحاول نقل إلحاق أكبر قدر من سكان منطقة المثلث بالضفة مع أقل قدر من الأراضي، بحيث تضم ما تيسر لها من أراضي سكان هذه المنطقة.

وقبل سنوات أشارت تقارير إلى تخوف فلسطينيي المثلث من خطة الضم بخاصة ما يدور من حديث على أنها ستشمل المناطق المحاذية للعابر – خط 6- من الجهة الشرقية وهذا عملياً قد يؤدي لفقدانهم مساحات واسعة من أراضيهم الواقعة غربي الخط المذكور.

كما أن مثل هذه الخطة ستقطع أوصال الكثير من العلاقات الاجتماعية والعائلية بين فلسطينيي المثلث والمناطق العربية الأخرى مثل المنطقة الواقعة غربي العابر (قلنسوة والطيرة وباقي المناطق أي الجليل والنقب والمدن الساحلية).

الخطر لا يقتصر على سكان المثلث العربي بإسرائيل

وقد اجتمعت سكرتارية لجنة المتابعة العليا في الناصرة لمناقشة صفقة القرن، لاسيما البند القاضي بنقل مدن وقرى عربية في المثلث إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية.

يوسف جبارين، عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة، قال إن أم الفحم هي موطني وشريان حياتي، والمثلث يحتضن مئات الآلاف من المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم الأم، وبرنامج الضم والنقل الذي وضعه ترامب ونتنياهو سينتزعنا من وطننا، ويجردنا من جنسيتنا؛ مما يشكل خطراً وجودياً على جميع المواطنين من الأقليات العربية داخل حدود الـ48″.

من الواضح أن إسرائيل تسعى لشراء الوقت لفرض سياسة الأمر الواقع لتطبيق الصفقة على الأرض من خلال الحصول على موافقة الكنيست، ورغم أن النواب العرب فيه يمثلون ثالث أكبر ائتلاف بـ12 مقعداً، لكن حظوظهم في إفشال التصويت على الخطة شبه معدومة في ظل إجماع الأوساط الإسرائيلية على تطبيق ما جاء فيها.

صفقة القرن تحاول تحقيق ما فشلت فيه المجازر وخطط تغيير الهوية

تمثل مناطق المثلث عمقاً استراتيجياً لإسرائيل، ولم تتوقف الجهود الرامية لتهويدها من خلال إقامة حزام من المستوطنات على تخوم البلدات العربية، مما تسبب في حالة ذعر وقلق لدى الفلسطينيين، بسبب الهجمات شبه اليومية التي ينفذها المستوطنون ضد قراهم.

ويخشى سكان المثلث أن تشمل صفقة القرن مشروعاً لضم مناطقهم وأراضيهم، وعملية تهجير قسري للسكان، شبيهة بمجزرة كفر قاسم عام 1956، حينما عزلت العصابات الصهيونية القرية تمهيداً للسيطرة على الأرض، وترحيل سكانها.

وسبق أن حاولت إسرائيل تغيير هوية المنطقة بما عرف باسم «مشروع النجوم السبع»، الذي ابتدعه أرييل شارون. وكانت الخطة تقضي بإيجاد أكثرية يهودية في المثلث، (مراكز دينية. احتواء أم الفحم وقطع سبل تطورها)، وربط المنطقة بالمستوطنات في الضفة الغربية لإزالة الخط الأخضر الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 (إسرائيل) والأراضي المحتلة عام 1967 (الأراضي التي يفترض أنها ستقوم عليها الدولة الفلسطينية).

لكن خطة «النجوم السبع» انطفأت ولم ترَ النور.

ومن بين الأسباب التي أدت الى الفشل «محافظة الأهالي على التواصل مع أراضيهم، وبالذات في أراضي الروحة، التي ساهمت انتفاضتها في وضع المسمار الأخير في مشروع «النجوم السبع» (إعاقة قيام مدينة عيرون).

حيرة الإسرائيليين في التعامل مع التنامي الديموغرافي المطّرد، برزت من خلال الاتجاهات المتعددة التي حاولت سلوكها، كالاتجاه التصالحي أو الاتجاه الواقعي من خلال تطبيق نظرية السيطرة، أو التوجه الحازم، أو اتجاه «الترانسفير» أو السيطرة بدون حقوق متساوية.

وقبل خطة القرن بسنوات، وخلال النقاشات التي دارت حول أنجع السبل لمعالجة المشكلة الديموغرافية، «طفت على سطح النقاش السياسي الإسرائيلي قضية ضم المناطق العربية المتاخمة للخط الأخضر إلى مناطق الدولة الفلسطينية المحتملة.

وقد ساهمت الدراسات الديموغرافية في تعزيز هذا الحل، خاصة أن أرنون سوفير (كان قد) رأى أن التطور السكاني الفلسطيني في ازدياد مستمر».

اقتحام لأم الفحم

تعيد هذه الأطروحات الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بتهجير فلسطينيي الداخل، ما حصل بعد حرب 1967، حين اتبعت إسرائيل سياسات تحكم وقمع ومصادرة أراضي الداخل، وفي 1982 كشفت وثيقة سرية لوزارة الداخلية الإسرائيلية طالبت بتضييق الخناق على فلسطينيي الداخل لدفعهم نحو الهجرة.

تحولت الفكرة إلى مشروع سياسي شامل طرحه الجنرال السابق رحبعام زئيفي في 1988، كما دعا الحاخام مائير كهاناً لاقتحام مدينة أم الفحم لاستفزاز سكانها.

ومع حلول العام 2004، اقترح وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، مبادلة المستوطنات الإسرائيلية بقرى وبلدات المثلث العربية، اعتماداً على تسويات مشابهة في التاريخ، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية في مناطق مختلفة في العالم.

الخوف من التغيير الديموغرافي والإسلاميين

جمال عمرو، الأكاديمي الفلسطيني المختص في الشؤون الديموغرافية، قال لـ «عربي بوست» إن «مشروعات التهويد الإسرائيلية ضد سكان الخط الأخضر، تأتي في ظل مخاوف دولة الاحتلال من التفوق الديموغرافي للسكان العرب على حساب اليهود، وفي ظل المؤشرات الحالية، فإنه في السنوات العشر القادمة سيتفوق الفلسطينيون على اليهود داخل حدود فلسطين التاريخية».

وأضاف، أن «هناك بُعداً آخر لتكرار هذه المشاريع التصفوية في السنوات الأخيرة، وآخرها صفقة القرن، ويتمثل في قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تنامي دور ونشاطات الحركة الإسلامية، تحديداً في مناطق المثلث، حيث تتبنى أفكاراً قريبة من جماعة الإخوان المسلمين، كما تقوم بتنظيم حملات تطوعية لوقف انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى، وتخشى إسرائيل من أن يمتد الصراع ليصل إلى نزاع بين هذه الحركة والمتدينين اليهود».

الأحزاب الإسرائيلية قد تؤخر خطة لإسقاط نتنياهو

مؤمن مقداد محرر شبكة الهدهد الإخبارية للشؤون الإسرائيلية قال لـ «عربي بوست» إن «أوساطاً واسعة في إسرائيل كانت تدعم سياسات تهجير فلسطينيي الداخل تمهيداً لترحيلهم لمناطق السلطة الفلسطينية، لكن هذه الأحزاب ومنها إسرائيل بيتنا وأزرق أبيض، يرون أن الموافقة على صفقة القرن ستكون طوق النجاة لنتنياهو الذي يعاني من مأزق الخروج من الحياة السياسية في حال ثبت تورطه في قضايا فساد».

المعارضة الإسرائيلية قد تحاول تأجيل الصفقة لإسقاط نتنياهو

وأضاف أن هذا «يضع احتمالية تأجيل المصادقة على صفقة القرن لما بعد انتخابات الكنيست القادمة في مارس، مما يفسح المجال أمام الأحزاب العربية في الكنيست لتخفيف نتائج خطة تهجير قرى المثلث».

حتى اللحظة، ليس واضحاً ما إذا كانت معارضة الأوساط العربية داخل الخط الأخضر لخطة الضم وتبادل الأراضي، قد يكتب لها النجاح في حال صادقت الأحزاب الإسرائيلية على الصفقة، التي تتطلع لتطبيقها على الأرض، نظراً للمكاسب التي ستجنيها من تحقيق الانتصار في المعركة الديموغرافية ضد المواطنين العرب.

رایکم
آخرالاخبار