۱۴۴۴مشاهدات

السعودية وإيران.. بين التفاؤل بعودة العلاقات وبين الجروح العميقة!

رمز الخبر: ۴۳۷۴۱
تأريخ النشر: 25 January 2020

لا ينكر الجانبان الإيراني والسعودية الوساطات التي تجري على خط الرياض -طهران وخاصة تلك التي قامت بها باكستان في أكثر من محاولة، إذ تأتي تلك المحاولات في توقيت سياسي حساس، يعقب ذروة التصعيد الإقليمي المرشح للاستمرار بصور مختلفة.

وفي هذا الإطار جاء تصريح وزير الخارجية السعودي حول إيران، للتأكيد على أن ثمة قنوات اتصال ووساطات تم تفعيلها بين الطرفين في الآونة الأخيرة. إلا أن علاقة البلدين المتأزمة لم ترق بعد إلى مستوى التطبيع فما هو ظاهر ومؤكد أن ثمة مهادنة تخيم على متشاطري الخليج، وهي بدأت بالسريان، في الحد الأدنى، ما بعد ضربة «آرامكو» والتهدئة التي تبعتها بين صنعاء والرياض.

وقد اهتمت الصحف الإيرانية الصادرة يوم الخميس بتصريحات الوزير السعودي وألقت نظرة على العلاقات الإيرانية السعودية بشكل عام، ومنها صحيفة “آرمان” التي نشرت مقالين في هذا المجال؛ المقال الأول حمل عنوان فرص إجراء المفاوضات مع السعودية بقلم المدير العام الأسبق لإدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية الدبلوماسي “قاسم محب علي” إذ كتب:

قال وزير الخارجية العربية السعودية يوم الأربعاء في حديث غامض بأن الرياض مستعدة للتفاوض مع جمهورية إيران الإسلامية ومن جهة أخرى وضع شرطا لإجراء المفاوضات. وقال إنه يتعين على إيران أن تقبل أنها لا تستطيع تغيير وضع المنطقة من خلال قواتها بالوكالة.

وضع الشروط لإجراء المحادثات يعني أن الرياض لم تقم بأي تغييرات جدية في مواقفها خلال الأشهر القليلة الماضية وتحاول الاستمرار على نفس المنهج. ظلت المملكة العربية السعودية راغبة منذ فترة طويلة في بدء محادثات مع إيران وإنهاء التوترات الإقليمية عن طريق إحداث تحول نسبي في سياستها الخارجية، لكن النقطة الأساسية هي أن لديهم شروطهم الخاصة ومن المستبعد أن تجري مفاوضات بين الجانبين بسهولة بسبب الشروط التي وضعتها السعودية.

تقوم الرياض بتقييم الوضع في المنطقة منذ الأحداث الأخيرة أي اغتيال قوات الجيش الأمريكي اللواء سليماني في العراق والهجوم الصاروخي للحرس الثوري الإسلامي على قاعدة عين الأسد. وفي أعقاب التطورات في العراق ولبنان، يريدون تقييم ما إذا كانت هناك تغييرات حقيقية حدثت في مواقف جمهورية إيران الإسلامية أو ما إذا كانت إيران تواصل الإصرار على استراتيجياتها المحددة مسبقا.

على السعودية وإيران تغيير مواقفهما

النقطة التالية التي يجب الإشارة إليها في تصريحات وزير الخارجية السعودي هي محاولة الوسطاء لخفض التوترات بين طهران والرياض. فخلال الأيام الماضية، سافر يوسف بن علوي إلى طهران والتقى بوزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية.

بالنظر إلى دور عمان في المنطقة وجهودها لإحلال السلام، لا يسع المرء إلا أن يخمن أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية العماني لإيران تهدف إلى الحد من التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية، وربما قد أثيرت بعض القضايا الأخرى حول الموضوع نفسه. لقد أكدت جمهورية إيران الإسلامية من قبل أنها مستعدة للتفاوض مع المملكة العربية السعودية على كافة المستويات وليس لديها مشكلة في تقدم دبلوماسيتها الإقليمية.

في ضوء ذلك، وعلى الرغم من أن بدء المفاوضات وبناء العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية قد يبدو صعبا ولا يمكن تحقيقه، لكن يجب التأكيد على أن الدبلوماسية ممكنة التحقيق في جميع الظروف. حتى في أسوأ الظروف، يمكن توقع تفعيل الدبلوماسية. ما يهم هو ما إذا كان من الممكن التوصل إلى نتيجة حقيقية وتحقيق التقدم في العلاقات بين البلدين خلال هذه المفاوضات أم لا؟ هذه هي النقطة التي سيتضح مآلها بمرور الوقت، لأنها تتطلب من كل من المملكة العربية السعودية وإيران تغيير مواقفهما، وهذا يعتمد على القرارات الرئيسية للبلدين.

إيران والسعودية والجروح العميقة

من جهة أخرى قد نشرت نفس الصحيفة في عددها الصادر هذا اليوم مقالا بقلم عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه بعنوان “إيران والسعودية الجروح العميقة والمجاملات الدبلوماسية” إذ كتب:

تعد قضية إيران والمملكة العربية السعودية إحدى القضايا التي تأثرت دائما بمصالح دولة ثالثة واستفادت الأطراف الثالثة من النزاعات بين إيران والمملكة العربية السعودية. لكن الظروف تمت بشكل لم يتمكن البلدان من الحد من مشاكل بعضهما البعض وتعزيز الأرضية المشتركة.

لقد ارتكب السعوديون دائما خطأ استراتيجيا وهو جلب قوات وأجهزة استخبارات الأجنبية إلى المنطقة، على أمل السيطرة على إيران، لكن ذلك لم ينتج عنه أبدا تحقيق الأمن النفسي للسياسيين السعوديين إذ كلما أنفقوا تكاليف باهظة لم يتوفر لهم الأمن النفسي إلا قليلا. أحدث اتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية هو صفقة بقيمة 500 مليار دولار التي تستمر على مدى فترة 10 سنوات.

تم تحديد مصير الكثير من تكاليف المملكة العربية السعودية، لكن خلال الفترة نفسها، قد عانت السعودية من الإخفاق الحقيقي في المجال العسكري. وإذا استمر الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية، فلن يتمكن السعوديون من حل أي من مشكلاتهم الإقليمية، ولكن ستظهر تحديات بوجه قضاياهم الأمنية يوما بعد يوم. فمادامت تلعب عدة عوامل دورا سلبيا أو مثيرا للانقسام بين إيران والسعودية، فلا يمكن للمرء أن يعقد أملا كبيرا.

الأسباب الأيديولوجية العامل الأول في خلافات البلدين

العامل الأول هو أنه إذا كان جزء من الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية يعود إلى أسباب الأيديولوجي، فلسوء الحظ، فإن أكثر الأحزاب والمعتقدات الدينية راديكالية في البلدين تحدد العلاقات بين البلدين.

اعتقد أنه إذا أراد البلدان التحرك نحو خفض التوترات، فعليهم منع الجماعات المتطرفة من ممارسة النفوذ السياسي في هذه العلاقات. النقطة الثانية هي أنه مادامت تتأثر هذه العلاقات بالاتفاق الخارجي والتعارض المتبادل الخارجي، فإن التحدي يبقى قائما.

بعبارة أخرى مادامت تحاول السعودية تمثيل الولايات المتحدة ضد إيران ومادامت إيران تسعى إلى رؤية المملكة العربية السعودية كجزء من الحل في مواجهتها مع الولايات المتحدة، فإن التحدي يبقى مستمرا. لذلك، لا يمكننا أن نعقد الأمل في إزالة التوتر. العامل الثالث يأتي في وقت تعتقد الدولتان، إيران والمملكة العربية السعودية، أنهما ما زال بإمكانهما السيطرة على قوة بعضهما البعض من خلال إثارة المشاكل والبلابل. تثار المشاكل بسهولة، وتتطلب القليل من المال والطاقة، لكن حلحلة المشاكل وإزالتها عندما تترسخ خطاها وتخلق فجوات حقيقية؛ تخرج من سيطرة البلدين أحيانا، على هذا يجب ان يصل البلدان إلى اتفاق يمتنع البلدان عن إثارة المشاكل.

لا يجب التفاؤل بتصريحات المسئولين في البلدين

عندما ننظر إلى هذه العوامل الرئيسية الثلاثة، تخرج النتيجة بانه علينا ألا نكون متفائلين بشأن عدة مواقف تظهر على لسان بعض مسئولي البلدين. لا يمكننا أن نكون متفائلين بشأن موقف وزير الخارجية السعودي أو مكتب رئيس الجمهورية لأن البلدين يجب أن يكون لديهما دبلوماسيون مكلفن بالحد من التوتر أولا ومنع تأثيرهم السلبي على هذه العلاقات.

ثانيا، يجب تقليل دور العامل الخارجي في العلاقات الثنائية. ثالثا، يجب الاتفاق على مبادئ مشتركة لحل النزاع. على العموم، أعتقد أن الرأي العام في إيران والمملكة العربية السعودية يدعو إلى إزالة التوترات، لكن لسوء الحظ لم يتم توفير هذه الظروف بعد، وينبغي على جمهورية إيران الإسلامية أن ترحب بإزالة التوترات مع المملكة العربية السعودية من دون وسطاء، والنموذج لهذا الأمر هي موضوع الحج وخاصة بانه يشكل عنصرا اجتماعيا وثقافيا يمكن أن يلعب دورا في توحيد الصفوف، ولكن يتم تشويه هذا العامل، ووفي آخر حلقاتها هو الدور السعودي في إزالة شروط استضافة فرق كرة القدم الإيرانية وهذا يؤدي إلى تحويل اقل مجالات التعاون بين الطرفين، إلى نوع من المواجهة وكرة القدم التي يمكنها أن تكون عاملا اجتماعيا للسيطرة على التوترات الاجتماعية والسياسية تتحول إلى عنصرا سياسيا مثارا للتوتر.

السعودية وآلية الضغط الغربي

من جهة أخرى تطرقت صحيفة “اعتماد الإيرانية” إلى العلاقات الإيرانية السعودية في مقال للمحلل السياسي “بير محمد ملازهي” حملت عنوان “السعودية وآلية الضغط الغربي” وكتب:

تواجه المملكة العربية السعودية حاليا اتهامات خطيرة على المستوى الدولي. فبعد وصول الملك سلمان إلى السلطة وبالتغييرات التي أدخلت على ولي العهد في الأسرة الحاكمة، تمت إزالة ولي العهد السابق وخلفه نجل الملك سلمان، محمد بن سلمان. وسارت الأمور على نحو يمكن القول بان الظروف الحالية في السعودية لا تثير إعجاب الغرب.

لقد تفاقم الوضع بسبب الاغتيال الشنيع لجمال خاشقجي، وهو صحفي سعودي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وبعد تحديد الأيادي الخفية في هذا القتل أصبح الوضع أكثر سوءا. ومع ذلك، وفي العالم السياسي، وخاصة في الغرب، هناك حقيقة مريرة مفادها أن تدمير شخص ما في وسائل الإعلام أو الكشف عن جرائمه لا يعني بالضرورة أن السياسيين الغربيين يسعون إلى إصلاح الوضع في ذلك البلد أو تغيير الشخص المعني، لكن الغرض منها هو العثور على نقاط الضعف لدى ذلك الشخص والحصول على المكاسب.

لذلك، على سبيل المثال، ومن خلال فضح المستور، يكشفون عن ضعف هذا الطرف ويحاولون تحويل هذا الضعف إلى أداة لأخذ الامتياز أو الاستفزاز. في مثل هذه الحالة، لا يبدو أن الدول الغربية حريصة على السعي لتنفيذ إصلاحات إيجابية أو إحداث تغييرات في الهيكل الأيديولوجي للمملكة العربية السعودية، ويمكن القول بأن هدفها الرئيس هو الحصول على المزيد من التنازلات من محمد بن سلمان في ملفات أخرى. وبما أن ولي العهد السعودي يقاوم أمام تقديم التنازلات، فإن الجانب الآخر يحاول زيادة الضغط بوسائل مختلفة من أجل إخضاع محمد بن سلمان. قضية أخرى يجب أخذها في الاعتبار هو أن المملكة العربية السعودية لديها أكثر الأنشطة الدينية الناجمة عن الفكر الإسلامي المتطرف، وأن هذا الأفكار عند الغربيين هي أم التيارات الإرهابية والمتطرفة.

الغرب لا يشعر بالحاجة إلى تغيير الحكم في السعودية

على هذا يحاول الغربيون زيادة الضغط على المملكة العربية السعودية لنزع فتيل هذا الخطر، لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك بالتأكيد تغييرات إيجابية في المملكة العربية السعودية أو مقاربات حكامها. الحقيقة هي أنه من غير المرجح أن يسعى الغرب إلى تغيير الهيكل السياسي أو إلغاء الملكية في المملكة العربية السعودية، لأنه من غير الواضح ما هي الظروف التي ستسود في المملكة العربية السعودية بعدها. على سبيل المثال، لا يمكن لأحد أن يقول ما إذا كان هناك قضية مثل الانقلاب العسكري في السعودية ممكنة أم لا.

من ناحية أخرى، لا يبدو أن الغرب يشعر بالحاجة إلى تغيير الهيكل السياسي في المملكة العربية السعودية. المهم عند للغرب هو أن التدفق الحر للنفط من المملكة العربية السعودية يستمر بسعر معقول ودون أي مشكلة، ونحن نرى أن المملكة العربية السعودية لا تقوم بأحداث أي مشكلة في هذا المجال، ولم تعد مثارة للمشكلة عند الغربيين. يمكن القول إن المشكلة الرئيسية للغرب مع المملكة العربية السعودية هي الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تعتبرها السعودية جهادية وترفض اعتبارها عند الغرب كإرهابيين.

بن سلمان نجح في تهميش العوائق في سبيل الإصلاحات

لو كان الغرب يريد حقا إصلاح السلوك السعودي، لاتخذ إجراء جاد ضد الرياض بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، التي كان اغلب منفذيها من المملكة العربية السعودية. هناك نقطة أخرى يجب الاهتمام بها وهي أن محمد بن سلمان يمارس الإصلاحات المسيطر عليها في المجتمع التقليدي السعودي. إن النسيج الديني والتقليدي للمملكة العربية السعودية لا يرضخ بسهولة لهذه التغييرات، لكن ولي العهد الشاب قد يدفع المجتمع باتجاه التغيير الهادئ والدقيق. يمكن القول إن محمد بن سلمان يقلل من نفوذ آل الشيخ في المملكة العربية السعودية. على الرغم من أن هذه الخطوات بطيئة للغاية، فقد تمكن محمد بن سلمان من تهميش العديد من العوائق التي تحول دون التغيير، وعلى سبيل المثال، سجن بعض المعارضين وحذرهم بطريقة أو بأخرى من إبداء أي معارضة.

بن سلمان لم يضع كل البيض في سلة الغرب

نتيجة لهذه التغييرات، يبدو أن الجيل الأقدم من الحكام في السعودية يتنحى ببطء لصالح الجيل الأصغر سنا الذي يمثله محمد بن سلمان. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الغربيين يضغطون على محمد بن سلمان من وقت لآخر لاتخاذ مزيد من الخطوات الإصلاحية. بالنظر إلى الخطط التي رسمها محمد بن سلمان خلال هذا الوقت ولم يضع كل البيض في سلة الغرب، يبدو من غير المحتمل أن تؤدي تلك المحاولات في فضحه إلى آلية ضغط تنتهي إلى تغيير محمد بن سلمان. كما قام ولي العهد السعودي باستثمارات كبيرة بروسيا والصين، وعلى الأخص في الصين إذ كان لديه استثمارات جيدة للغاية. من ناحية أخرى، يدرك الغرب جيدا أن أي محاولة لتغيير هيكل السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الفوضى في الشرق الأوسط.

شفقنا

رایکم