۳۷۰۹مشاهدات

ايران تضع ملامح الخارطة السياسية للمنطقة

رمز الخبر: ۴۲۶۶۳
تأريخ النشر: 07 October 2019

كانت اميركا وحلفاؤها يتحدثون بقوة في الماضي عن مخططاتهم لتغيير الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الاوسط، ومنذ ان ظهر هذا المشروع الصهيواميركي على السطح، أثيرت من اجل تنفيذه العديد من الحروب المباشرة او بالوكالة ومورست العديد من الضغوط وخاصة على ايران، ولكن ماذا كانت النتيجة.. بكل بساطة لم يتحقق شيء.

ففي الفترة الاخيرة تضاءل تطلع اميركا والكيان الصهيوني إلى إقامة شرق أوسط جديد أو بيئة عربية إسلامية تخضع تماما لهيمنتهما وتدين لهما بالولاء المطلق يوما بعد يوم. لقد تهشم هذا التطلع، وتفككت السياسات المؤيدة لإقامته، وهو في نزاعه الأخير ولن تقوم له قائمة تحت الظروف السائدة الآن في المنطقة العربية الإسلامية. عملوا طويلا وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن من أجل إعادة تشكيل المنطقة العربية الإسلامية وتمزيقها من جديد وفق رؤاهم الاستراتيجية، لكنهم يوقنون الآن أن أحلامهم في إخضاع المنطقة تماما وتثبيت أقدام الصهاينة ونسيان الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني قد ولت، وباتوا يدركون أن منافسيهم وهم ايران ومن يدعمها ويواليها في المنطقة قد باتوا أصحاب يد عليا قادرة على الصمود والتحدي وتحقيق الانتصارات.

ففي الفترة الاخيرة، تغيرت المعادلات العسكرية إلى درجة أن حماس والجهاد وكل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة باتت قادرة على تصنيع دفاعاتها، وكذلك شأن اليمن وحزب الله، وقريبا ستلتحق العراق بالركب. التهديد بالقوة العسكرية لم يعد مجديا، واميركا والصهاينة يدركون أن العدوان العسكري لا يمر بدون ردود مدمرة، وأن تلك الحروب التي كانت مجرد نزهات واحتفالات بالنصر لم تعد ممكنة. وأولئك الذين طالما هددوا وتوعدوا وأثاروا الفتن ونشروا القتل وسفك الدماء قد انكمشوا وأخذوا يتحاشون المواجهة المباشرة. فالصهاينة لا يجرؤون على مهاجمة لبنان ولا قطاع غزة. وكم من مرة زمجروا هم والاميركيون وتوعدوا ايران بالحرب والتدمير، فوجدوا أنفسهم الآن أصحاب هدوء باحثين عن السلام. الصهاينة والاميركيون والسعوديون ابتلعوا ألسنتهم وتحركت شفاههم ناطقة بحلول سلمية مع ايران واليمن ومختلف قوى المقاومة في المنطقة. ربما كانوا يتشككون في الماضي وكانت ثقتهم بقدراتهم العسكرية قوية تؤهلهم للوعيد والتهديد. لكن غباء ترامب، الرئيس الاميركي، جرّ اميركا إلى مكانة عسكرية ستجد مستقبلا تحديات من العديد من دول العالم.

ان الجمهورية الاسلامية الايرانية لم تخضع للحصار، ولا لقلة الأموال وما ينطوي على ذلك من آلام ومشاق وصعوبات. بل إنها استمرت في التحدي ولم تتراجع عن المواجهة. أسقطت الطائرة الاميركية المسيرة الاكثر تطورا والاعلى سعرا، وحلقت بطيرانها فوق السفن الحربية الاميركية، واحتجزت السفينة البريطانية، ولم تتوان في تقديم الدعم لليمن ضد السعودية. ولا يخفي أعداء ايران الحقيقة التي تصيبهم بجزع وتدفعهم إلى إعادة حساباتهم عندما يقولون إن ايران تدعم الإرهاب، والإرهاب متمكن وقوي. وما يعنونه حقا أن ايران تدعم قوى الرفض والمقاومة التي تصر على استقلالها وانتزاع حقوقها. هم يرون جيدا أن ايران واجهت تنظيمات متطرفة جدا أساءت للإسلام كانت اميركا والسعودية قد مولتها وأشرفت على أدائها، ومكنتها من القيام بأعمال تدميرية هائلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن. هم يعلمون أن ايران استلت سيفها ضد من حاول الاميركيون غرسه في المنطقة من أجل إقامة شرق أوسط جديد.

ولذلك فإن الغرب سيعترف عاجلا ام آجلا بإيران الاسلامية كقوة عالمية، وستصبح عنصرا أساسيا في النشاط الدولي سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري. وإذا اعترف العالم فإن الأنظمة العربية ستحول ولاءاتها تدريجيا من اميركا إلى ايران إذا قبلتها ايران. أنظمة العرب تتمسك بالولايات المتحدة من أجل حماية نفسها، أي حماية العروش وليس الشعوب، حمايتها من شعوبها ومن ايران. فإذا كانت ايران تعمل على إطاحة أنظمة العرب فإنه من غير المتوقع أن تقبل ايران ولاء أنظمة استثمرت حياتها في خدمة المصالح الاميركية.

ولكن ما الذي فعلته ايران لتصبح بهذه القوة؟ منذ بداية الحرب العراقية الايرانية، اعتمدت ايران نظرية الاعتماد على الذات لأنها وجدت نفسها معزولة وغير قادرة على استيراد السلاح المطلوب للدفاع عن نفسها. ونظرية الاعتماد على الذات تتطلب عنصرين أساسيين وهما العقل العلمي والإرادة القوية الصلبة. أصرت ايران على امتلاك هذين العنصرين وحققت إنجازات علمية وعسكرية واقتصادية هائلة بقدرات ايرانية بحتة. لقد قامت بمجهود مكثف ومركز حتى أذهلت العالم بسرعة تطورها التقني، وتسارع تطور معارفها العلمية. والنتائج يشاهدها العالم الآن على الشاشات، والدول الاستعمارية تشعر بالكثير من الندم على عدم تدمير ايران قبل أن تخرج من القمقم. اميركا تعمل جاهدة مع الكيان الصهيوني على إخضاع برنامج ايران الصاروخي للمفاوضات لأن تطوره يشكل رادعا حقيقيا للنوايا العدوانية الصهيونية والاميركية.

ويبدو ان اميركا كانت تتصور أنه من السهل إخضاع ايران حتى لو اضطرت إلى استخدام القنابل النووية، لكنها بدأت تدرك بعد مغامرة ترامب في إلغاء الاتفاق النووي أن دولا ستدمر إذا هاجمت اميركا ايران وعلى راسها الكيان الصهيوني. الصهاينة الآن خائفون ويعون جيدا أن الحرب على ايران مغامرة غير محسوبة، والسعودية باتت تدرك جيدا أنها أذهلت العالم بضعفها وعدم قدرتها على الاستفادة من أسلحة ثمنها مليارات الدولارات.

وهاهي السعودية، إن لم تكن قادرة على تحقيق نصر منذ قرابة خمس سنوات على "انصار الله" باليمن، فهي من الاولى لن تتمكن من الانتصار على ايران كما ظن محمد بن سلمان. أما اميركا فاتبعت سياسة عسكرية خاطئة وغبية عندما أحاطت ايران بالعديد من القواعد العسكرية. لقد قدمت جنودها ومنشآتها ضحية لأي حرب قد تنشب لأن الصواريخ الايرانية تطالها جميعها. الايرانيون حفروا تحت الأرض لوقاية أنفسهم، والاميركيون استعرضوا أنفسهم مكشوفين أمام من يعادون.

ونتوقع أن ايران ستواصل صمودها وستخرج من المواجهة منتصرة، وسيعترف الرئيس الاميركي في النهاية بأن الخروج عن الاتفاق النووي وحصار ايران المشدد كان عملا أحمقا. كانت ستبقى القوة الايرانية مستترة وتأثيرها على شعوب وحكومات المنطقة سيبقى محدودا في زاوية معينة وهي زاوية المؤيدين لايران في لبنان والبحرين وشرق السعودية وبعض العراق وبعض الكويت. لكن انكشاف القدرات الايرانية ولو بصورة محدودة يترك آثارا قوية على سائر الشعوب وسيزداد التأثير الايراني الذي يستقي قوة تأثيره من الالتزام بتعاليم الاسلامي وتوجيهات قائد الثورة الاسلامية.

وستكسب جبهة المقاومة بمحورية ايران المعركة الحالية، وستكون قادرا على فرض معادلات عسكرية مكللة بالانتصارات. فقد ولى زمن انتصارات الصهاينة وأصبح زمن البلطجة الاميركية يلاقي تحديا قويا وصلبا، والمنطقة مقبلة على تغيير، وستكون ايران القوة الأساسية التي تفرض هذا التغيير.

إذن، ايران الاسلامية تعمل على وضع ملامح الخارطة السياسية في المنطقة، وسيكون الكيان الصهيوني اكبر الخاسرين، وسيثبت لنا ذلك قادم الايام.

رایکم