لم تغیر الثورات الأخیرة واقع البلاد العربیة وحسب بل أرخت سدولها أیضاً علی السیاسة العالمیة و الإقلیمیة. و بالطبع فإن أهمیة هذه الثورات لا تغیب عن أحد، لذلک ینبغی تقدیم تحلیل و تفسیر واضح عنها.
لم تغیر الثورات الأخیرة واقع البلاد العربیة وحسب بل أرخت سدولها أیضاً علی السیاسة العالمیة و الإقلیمیة. و بالطبع فإن أهمیة هذه الثورات لا تغیب عن أحد، لذلک ینبغی تقدیم تحلیل و تفسیر واضح عنها. کما یلزم علی الباحثین و المضلعین بهذه الشؤون أن یعرضوا آراءهم و یقدموها للتداول. خبر أونلاین قد تستطیع أن تدیر دفة هذا التحرک نحو أهدافه المبتغاة.
شهدت فی الآونة الأخیرة کل من تونس و مصر بدایة تحولات فیها، و بعد تحرک هذه العجلة ازدادت رقعة التغییر وامتدت علی مساحات واسعة. و السؤال هنا هل هذه الثورات تکشف عن موجات عالمیة أم عربیة أم أنها من نوع آخر؟
کما ینبغی طرح السؤال بشکل أوضح : ما طبیعة الثورات الأخیرة؟ دینیة هی أم سیاسیة أم اقتصادیة أم أنها إیدیولوجیة؟ ینبغی تشخیص الخلفیة الفکریة التی تقف وراءها و ما التحولات التی ترنو إلیها؟ ما الأرضیة التی تتحرک علیها هذه التغیرات و فی أی نطاق تزمع ممارسة نشاطها؟ ما المعضلات التی ساهمت فی تشکل هذه الثورات؟
و فی هذا الصدد یمکن إیراد مثالین:
فبعد نهایة الحرب العالمیة الأولی فی العقد العاشر من القرن العشرین المیلادی، و فی خضم سقوط السلطة العثمانیة، دخلت البلاد العربیة فی زوبعة الثورات العامة مما أدی إلی تأسیس عدة بلاد عربیة بنظام ملکی. و قد کان السبب الأساس الذی یقبع وراء ها؛ تحولات بدأت فی الجزیرة العربیة. عزف الشریف حسین علی أوتار القومیة العربیة و الاستقلال و بات أولاده المحرک الفعلی لتشکل هذه التحولات و النظم الملکیة. و بالطبع فإن هذه التحولات تشکلت فی ظلال السلطة الاستعماریة الأوروبیة و تحدیداً انجلترا و فرانسة.
و فی العقد الخامس المیلادی و بعد فترة شرعت الثورات فی البلاد العربیة بشکل عام. و کان الرافد لهذه التحولات رواج الإیدیولوجیات الیساریة بین الضباط الشباب الذین درسوا فی الجامعات و تشکلت قوتهم فی الجیش. فی ذلک الزمن وجه الشیوعیون هذه الثورات التی کانت تتم من خلال الضباط علی شکل انقلابات. لکن هذا المشروع الذی نجح فی مصر و بعدها فی العراق و الیمن وغیرها لم یکتب له النجاح فی إیران و انهزم حزب توده و فرعه العسکری آنذاک. وقد کان من الواضح أن التعامل بین المستعمرین و تقسیم المناطق المستعمرة من الشروط المهمة للانتصار الأحادی الجانب الذی باتت القوة و السیطرة ملء یدیه.
أما فی هذا الزمن فلا القومیة ولا الاشتراکیة لها دور فی أوضاع التغییر الفعلیة، لأن عالمنا الجدید لم یعد موئلاً للإیدیولوجیات المهزومة السابقة الذکر.
و هنا ینبغی طرح هذا السؤال: هل الثورات الأخیرة تحمل صبغة دینیة أم اقتصادیة أم سیاسیة أم أنها حصیلة لجمیع هذه العوامل و الأسباب؟
و النقطة الثانیة هی أنه ما الوجهة التی تتحرک من خلالها الثورات الفعلیة القابعة تحت ظلال الاستعمار؟ مثلاً التحرکات القائمة فی لیبیا. هؤلاء یجدونها فرصة سانحة لعرض تصور مرغوب لتحول شعبی و ولادة نظام جدید.
أما ما بتعلق بالشعارات والهتافات الدینیة المطروحة فی هذه الثورات فهذا لا یعنی لزوماٌ إسلامیة هذه التحولات، ولو أنه یمکن القول أن أحد العوامل المهمة فی بروز هذه الثورات هو قیامها بدافع دینی و تدینی. لکن ینبغی الالتفات إلی أن بعض المناسک الدینیة کصلاة الجمعة هی قوالب لبدایة هذه التحرکات و وسیلة فقط لاستقطاب الناس و تجمعهم.
المشکلات الاقتصادیة عامل مهم أیضاٌ فی تحریک الشعوب. لکن هذه المرة المطالبة بإرساء العدالة لا تبدو من النوع الاشتراکی، بل إن رویة الاقتصاد العالمی و دیدنه یتجه نحو الخصخصة علی مدی عقدین من الزمن. فی حین أن أغلب هذه الحکومات الانقلابیة - البعثیة، کان لها توجهات إشتراکیة و مازالت و لم تستطع بسبب طبیعتها السیاسیة أن تحدث تغییرات أساسیة فی المجالات الاقتصادیة. وکل ما بقی فیها هو بطون الشعوب الجائعة، لأن البلاد المذکورة هی أولاً بلاد متخلفة و ثانیاً لیس لها باع کبیر فی خلق فرص العمل و النقطة الأخری هی حجم مدیونیة هذه البلاد الکبیرة. کما أن التجارة العالمیة و التطور المتزاید لبلد مثل الصین والعدید من البلاد الأخری و تدفق منتجاتها و سیطرتها علی جمیع الأسواق أدی لتدهور الاقتصاد الداخلی وازدیاد الفقر و المشاکل فی هذه البلاد. إن الاقتصاد کان و مازال و سوف یبقی العامل المهم .
لکن العامل السیاسی یتمتع بأهمیة أکبر فی هذا الشأن، بحیث من الممکن أن یکون الاقتصاد المتدهور هو نتیجة لأداء خاطئ فی التنمیة السیاسیة لهذه البلاد. عندما لا یتاح للشعب الحق فی المشارکة الحقیقیة فی الحکم فإن قسماً من هذا الإقصاء السیاسی للشعب مرده عدم مشارکة الشعب فی الدورة الاقتصادیة المرتبطة. و فی الحقیقة إن النظم السیاسیة المغلقة تلجم ید القطاع الخاص فی الاقتصاد لتسلب منه قدرة المناورة فی المجالات السیاسیة و فی المقابل تسعی دائماً لتبقی أرکان الاقتصاد بیدها.
یبدو أن البلاد التی تحرکت فیها ریاح الثورات أخیرا تعانی بشکل جدی فی کل من القطاعات السیاسیة و الاقتصادیة . کما تسعی الشعوب فی تلک البلاد أو علی الأقل تتصور بأن إحلال التنمیة السیاسیة و ازدیاد مشارکتها السیاسیة سوف یؤدی لانتفاضة اقتصادیة.
و مع أن جمیع العوامل المختلفة دخیلة فی هذه الثورات لکن ینبغی معرفة الشکل الأساسی لها و ما یحدد اتجاهها. هل هو المطالبة بالدیمقراطیة أم تحقق العدالة الاقتصادیة فقط؟ إن القوی الشعبیة تطالب بحقها فی الحکم لیتسنی لها تطبیق أفکارها عملیاً. أن تُدعی هذه القوی لإعمال الفکر و تُمنع بعدها من ممارسة هذه الأفکار عملیاً فی المجالات السیاسیة والاقتصادیة شیء سیدعوها حتما للمقابلة و القیام بالمواجهة.
و الآن علینا نحن کبلد ثوری و إسلامی صاحب تجربة أن یکون لدینا رؤیة محددة و تصور واضح عن هذه الثورات و هی من ناحیة المعلومات حصیلة لثورة المعلومات فی قالب الشبکة العنکبوتیة لنستطیع أن نتخذ المواقف الأنجع و ندرک طریق مستقبلنا بشکل أفضل.
لو أننا فی هذه الأیام نؤکد فی إعلامنا علی دکتاتوریة الطبقة الحاکمة فی هذه البلاد کعامل أساس فی هذه الثورات فسوف نُرجع هذه الثورات لبعدها السیاسی و المطالبة بمشارکة الشعوب فی السلطة. و لو أننا نُصر علی بعدها غیر الإسلامی فعلینا أن نری آثارها و نتائجها التی تشاهد إلی حد ما.
أما إذا اعتبرنا أن العامل فی هذه الثورات هو المشکلات الاقتصادیة ففی هذه الحالة علینا أن نقوم بتحلیل جلی لأداء الحکومات فی سیاق تطبیق النظام الاقتصادی غیر الناجح بالمقارنة مع النظام الناجح.
إن بدایة الاعتراضات فی سوریة سوف یضعنا بمواجهة أزمة أخری و هی أنه دوناً عن العوامل السابقة سوف یکون هناک عامل مهم و هو دور الاستعمار فی توجیه هذه التحولات بهدف إنقاذ إسرائیل من المشکلات المحیطة بها.
ما تحلیلنا فی هذا الشأن و ماذا سنفعل؟ ...