شبکة تابناک الاخبارية: ستيفن وليام هوكينج، من مواليد الثامن من يناير (كانون الثاني) 1942، هو عالم الفيزياء النظرية الإنجليزي، وعالم الكونيات، والكاتب ومدير الأبحاث في مركز علم الكونيات النظرية في جامعة كامبريدج.
أعماله العلمية، بالتعاون مع روجر بنروز، تشمل نظريات تخص تفرد الجاذبية في إطار النظرية النسبية العامة لأينشتاين، والتنبؤ النظري بأن الثقوب السوداء تصدر إشعاعات، والتي أطلق عليها اسم إشعاع هوكينج. وهو مؤيد قوي للتفسير القائل بوجود العوالم المتعددة طبقًا لميكانيكا الكم.
هوكينج هو زميل فخري في الجمعية الملكية للفنون، وهو عضو مدى الحياة في الأكاديمية البابوية للعلوم، وحائز على وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. وكان هوكينج أستاذ الرياضيات في جامعة كامبريدج بين عامي 1979 و2009، وتمكن من تحقيق نجاحٍ تجاري مع كتبه وأعماله التي تتحدث في العلوم التي يفضلها العامة، والتي تناقش نظرياته الخاصة وعلم الكونيات بشكل عام. وقد ظهر كتابه «موجز تاريخ الزمن – A Brief History of Time» على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في مجلة التايمز البريطانية محطمًا الرقم القياسي لمدة 237 أسبوعًا متتاليًا.
هوكينج دائمًا ما تميز بنظرياته وشروحاته وتفسيراته التي تسبق عصره بشكل واضح، خصوصًا فيما يتعلق بالزمن والفضاء وعلم الكونيات. كما قدم لنا تفسيرات ونظريات مذهلة حول الثقوب السوداء وما يحدث بها.
وقد أعلن هوكينج خلال شهر يونيو (حزيران) 2016، أنه بصدد التخطيط لوضع خريطة للكون المرئي كله باستخدام جهاز كمبيوتر خارق. وسيضع هذا الكمبيوتر مسارات وحركات مليارات المجرات، والثقوب السوداء، والسوبرنوفا، والتركيبات الكونية الأخرى.
الثقوب السوداء
بعد تخرجه في قسم الفيزياء، بدأ هوكينج دراسة الدكتوراه في جامعة كامبريدج، تحت إشراف عالم الفلك دينيس سياما. وقد انصب اهتمامه على النظرية النسبية والثقوب السوداء. حينئذ فقط لمع نجم هوكينج. كما جرى تشخيص شكل من أشكال الأمراض العصبية يسمى التصلب الجانبي الضموري، الذي يؤدي في النهاية إلى شلل تام تقريبًا.
بدأ هوكينج في التفكير في نظرية الانفجار الأعظم التي تفترض أن الكون بدأ نقطةً صغيرةً للغاية تمددت بشكل كبير لاحقًا. يحظى هذا الافتراض بالقبول حاليًا، لكنه كان محل جدال كبير وقتئذٍ. أدرك هوكينج أن الانفجار الأعظم كان أشبه بانهيار ثقب أسود في الاتجاه المعاكس. كان قد طور هذه الفكرة في العام 1970 في ورقة بحثية نشرها برفقة بنروز، التي أشارت إلى أن الكون بدأ وحدةً صغيرةً.
وفي ليلة ما في أواخر 1970، أدرك حقيقة الثقوب السوداء، إذ كان اكتشافًا ستتبعه سلسلة اكتشافات حول طريقة عملها. أدرك هوكينج أن حجم الثقب الأسود يتزايد على الدوام، وعليه فهو يبتلع المزيد من المادة وتزداد كتلته. وفي المقابل، تحدد كتلة الثقب الأسود حجمه، يقاس بنصف قطر أفق الحدث، وهي النقطة التي لا يهرب فيها أي شيء من الثقب الأسود الذي سيتمدد كالبالون. وأشار هوكينج إلى أن الثقب الأسود لا يمكنه الانقسام إلى ثقوب أصغر. ثم أكد أن منطقة أفق الحدث التي تتمدد على الدوام تناظر كمًا آخر يمكنه النمو فقط.
في نهاية عام 1970، قدم عالم فيزياء شاب يدعى جاكوب بيكنشتاين مقترحًا جريئًا: ماذا لو لم يكن هذا مجرد تناظر؟ فقد اقترح بيكنشتاين أن سطح منطقة أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود يمكن قياسه عبر نسبة العشوائية الخاصة بالثقب الأسود. لكن بدا ذلك الافتراض خاطئًا. فلو أن للجسم نسبة عشوائية، فلا بد أن له حرارة. وإذا ما كان له حرارة، فلا بد أنه يشع بالطاقة، إلا أن الغرض من الثقب الأسود هو ألا يفلت أي شيء.
لهذا السبب، اعتقد جل علماء الفيزياء أن مقترح بيكنشتاين غير منطقي. بل إن حتى بيكنشتاين نفسه قال: إن حرارة الثقب الأسود الظاهرية لا يمكن أن تكون حقيقية بما أنها تقود إلى ظاهر متناقض. ولكن عندما اعتزم هوكينج إثبات خطأ بيكنشتاين، اكتشف أن التلميذ الشاب كان محقًا. وفي سبيل إظهار ذلك، اضطر للجمع بين تخصصين فيزيائيين لم يسبق لأحد الجمع بينهما، النسبية العامة والنظرية الكمية.
تستخدم النظرية الكمية لوصف الأشياء متناهية الصغر، كالذرات والجزيئات التي تحتويها، بينما تستخدم النسبية العامة لوصف المادة على النطاق الكوني للنجوم والمجرات. تبدو النظريتان غير متطابقتين للوهلة الأولى. تفترض النسبية العامة أن الفضاء سلس ومتواصل كاللوح، بينما تصر النظرية الكمية على أن العالم وكل ما يحتويه مبلور على أصغر نطاق ويتوزع على كتل منفصلة.
عانى العلماء عقودًا لتوحيد النظريتين، ما قد يشير لاحقًا إلى «نظرية كل شيء». تعد هذه النظرية بمنزلة الكأس المقدسة في الفيزياء الحديثة.
إشعاع هوكينج
وفقًا للنظرية الكمية، فإن الفضاء الفارغ المزعوم هو في الواقع أبعد ما يكون عن فراغ؛ لأن الفضاء لا يمكن أن يكون سلسًا، وفارغًا تمامًا على جميع المستويات. بدلًا من ذلك هو مفعم بالنشاط.
تظهر أزواج من الجسيمات باستمرار من تلقاء نفسها إلى حيز الوجود، واحد مصنوع من المادة والآخر مضاد للمادة. وأحد الجسيمات لديه طاقة إيجابية والآخر سلبية، لذلك عمومًا لا يجري خلق أية طاقة جديدة. ثم يقضي الجسيمان على بعضهما البعض بسرعة، بحيث لا يمكن الكشف عنهم مباشرة. ونتيجة لذلك، يطلق عليهم اسم «الجسيمات الافتراضية».
اقترح هوكينج أن هذه الأزواج من الجزيئات يمكن أن يجري ترقيتها من افتراضية إلى حقيقية، ولكن فقط إذا جرى إنشاؤها بجوار ثقب أسود. هناك فرصة أن أحد الأزواج سوف يجري امتصاصه داخل أفق الحدث، سيترك شريكه وقد تقطعت به السبل. وهذا التوأم سينطلق في الفضاء. وإذا ما جرى امتصاص الجسيمات ذات الطاقة السلبية من قبل ثقب أسود، فإن الطاقة الإجمالية للثقب الأسود تتناقص، وبالتالي كتلته. ثم يحمل الجسيم الآخر بعيدًا الطاقة الإيجابية.
والنتيجة النهائية هي أن الثقب الأسود يشع بالطاقة، وهو ما يعرف الآن باسم إشعاع هوكينج، في حين يتقلص حجمه تدريجيًّا. وبعبارة أخرى، أثبت هوكينج أنه كان على خطأ، فالثقوب السوداء يمكنها أن تتقلص في الحجم. معنى هذا أن الثقب الأسود سوف يتبخر ببطء، وأنه ليس أسودَ على الإطلاق، والأكثر من ذلك، هذا الانكماش لن يكون بالضرورة تدريجيًا.
في عام 1971 تصور هوكينج رؤية جديدة للثقوب السوداء. فخلال الانفجار الأعظم، انهارت بعض الكتل المادة إلى ثقوب سوداء مصغرة. تزن كل كتلة مليارات الأطنان، وهو ما يبدو كثيرًا، ولكنه أصغر بكثير من الأرض، والثقب الأسود الناتج سيكون أصغر من الذرة. ولأن درجة حرارة الثقب الأسود تزداد في الوقت الذي تقل فيه مساحة أفق الحدث، فإن الثقوب السوداء الصغيرة تكون ساخنة: وصفها هوكينج بأنها «شديدة السخونة». وهي تفور بإشعاع هوكينج، فتتراجع نسبة كتلتها حتى تختفي في نهاية المطاف.
لكنها لن تختفي بهدوء، بل ستزداد درجة حرارة الثقب الأسود المصغر كلما تقلص حجمه، حتى ينفجر في نهاية المطاف بطاقة تقدر بواحد مليون ميجا طن من القنابل الهيدروجينية.
شرح هوكينج نظريته إشعاع هوكينج وانفجار الثقوب السوداء البدائية البسيطة في ورقة بحثية في عام 1974، وقد كانت الفكرة صادمة ومثيرة للجدل، ومع ذلك، يعتقد معظم علماء الفيزياء في الوقت الحاضر أن إشعاع هوكينج سيتولد من قبل الثقوب السوداء. حتى الآن لم يتمكن أحد من كشف هذا الإشعاع. إلا أن هذا ليس من المستغرب؛ فدرجة حرارة الثقب الأسود العادية تكون بالكاد فوق الصفر المطلق، وبالتالي فإن الطاقة التي تنبعث منه مثل إشعاع هوكينج ستكون ضئيلة للغاية.
الطريق للعوالم المتوازية
آخر ما قدمه لنا هوكينج من نظريات مذهلة، كان دراسة له تقول إنّ «الأشياء التي تقع أو تمر من خلال الثقوب السوداء، تذهب إلى كون آخر بديل». الدراسة نشرها هوكينج في مجلة الرسائل الفيزيائية المتخصصة، بالاشتراك مع أندرو سترومينجر؛ أستاذ الفيزياء في جامعة هارفارد، ومالكولم بيري؛ أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة كامبريدج.
هوكينج قال إنه لا داعي للخوف من الثقوب السوداء كما اعتاد البشر والعلماء، مُوضحًا أن الفكرة السابقة عن الثقوب السوداء، الخاصة بأنها تعمل على تدمير كل ما يقترب منها، ربما علينا استبدال فكرة أخرى جديدة بها، هي موضوع دراسته.
وإذا ما كان هذا الأمر صحيحًا بالفعل، فإن هذه الدراسة يمكن أن تمنحنا حلًّا لتناقض مركزي ورئيسي فيما يتعلق بالثقوب السوداء. وقد عالجت هذه الورقة البحثية فرضية أساسية تتعلق بالثقوب السوداء، وهي أنها لا تحتوي على أي شعيرات، أي أنها لا تحتوي على أي طرق، وأن أي شيء يقع في هذه الثقوب سوف يتم تدميره ويضيع للأبد، طبقًا لما كان يفترض في السابق.
هذه الافتراضات السابقة تسببت في مشاكل كبيرة، لأنها تناقضت مع مبدأ الحفاظ على المعلومات الخاصة بأي جسم، حتى ولو أن هذا الجسم تم ابتلاعه بالكامل، وظل من غير الواضح كيف أن هذين الأمرين يمكن أن يحدثا في نفس الوقت؛ الحفاظ على معلومات الجسم، وابتلاع الجسم بالكامل داخل الثقب الأسود. فالكون ينوي دائمًا الحفاظ على طبيعة الأجسام وسجلاتها، حتى لو سقط في ثقب أسود وجرى تدميره. وحتى لحظتنا هذه كان العلماء يعتقدون أن سجل المعلومات الخاص بالجسم الساقط في الثقب الأسود، يتم فقدانه جنبًا إلى جنب مع الجسم نفسه.
لكن هوكينج، ومنذ عام 2015، كان يقترح ضمنيًّا، أن أي شيء يقع في الثقب الأسود يجب أن لا نتخلى عن الأمل بالخروج منه والعودة مرة أخرى في مكان ما. من هنا يتم حل التناقض السابق، لأن المعلومات الخاص بسجلات هذه الأجسام تُخزن على حدود الثقب الأسود، أو ما يعرف باسم أفق الحدث، وبالتالي فإنه يعود ويخرج من جديد مهما طالت فترة بقائه داخل الثقب الأسود.
وكان هوكينج قد ذكر في خطاب له العام الماضي، أن الثقوب السوداء ليست هي تلك السجون الأبدية كما يعتقد الكثيرون، وإذا كنت تشعر بأنك محاصر في ثقب أسود، فلا تستسلم، فهناك دائمًا طريق للخروج. طريق الخروج هذا لن يأخذك مرة أخرى إلى نفس المكان الذي دخلت منه، فبدلًا من ذلك فإنك ستعاود الظهور من جديد، ولكن في مكان آخر من الكون، بل ربما يكون في عالم بديل آخر.
إنتاج الطاقة من الثقوب السوداء
وفي إحدى محاضراته في فبراير (شباط) 2016، فاجأ الحضور بتصريح علمي مذهل، يقول إن البشر يمكن أن يقوموا بتوليد ثقوب سوداء وتحويلها إلى محطات لتوليد الطاقة. هوكينج ذكر أنه يمكن استغلال الثقوب السوداء الصغيرة لتوليد طاقة كافية لكوكب الأرض. أعلن هوكينج أن الكون يحتوي على ثقوب سوداء كبيرة في حجم الجبال يمكن أن تمدنا بطاقة هائلة تكفي لمنح العالم كل ما يحتاجه من كهرباء.
وذكر هوكينج أن الثقوب السوداء الضخمة، التي توجد في قلب المجرات، يكاد يكون من المستحيل رصدها. وعلى الرغم من شبه تأكد العلماء من وجودها إلا أن عدم رصد البشر لأحد هذه الثقوب جعل جائزة نوبل بعيدة عن متناول يد العالم الفيزيائي الشهير. ويذكر العالم أن ثقبًا أسود صغيرًا نسبيًا بحجم جبل، يمكنه أن يقذف من الأشعة ما يمكن تسخيره لمنح الكرة الأرضية ما تحتاجه من الطاقة.
يذكر أنه يوجد ثلاثة أنواع من الثقوب السوداء. أصغرها هو الثقب البدائي ويتراوح ما بين حجم الذرة إلى حجم الجبل. وهناك الثقوب السوداء النجمية وهي الأكثر انتشارًا والأكثر شهرةً والتي يمكن أن يصل حجم الواحد منها إلى 20 مرة حجم الشمس. هذه الثقوب يقول العلماء إنها منتشرة بأعداد كبيرة داخل مجرتنا نفسها. والنوع الأخير هو أكبرها على الإطلاق ويطلق عليها اسم الثقوب العملاقة، والتي تتواجد في مركز المجرات. ويعتقد العلماء أن كل مجرة من مجرات الكون تحوي في مركزها أحد هذه الثقوب السوداء العملاقة.
مركبة فضائية متناهية الصغر
في أبريل (نيسان) 2016، أعلن كل من الملياردير الروسي المغامر يوري ميلنر، وعالم الفيزياء العبقري ستيفن هوكينج، عن مبادرة بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، من أجل إطلاق مركبة فضائية لاكتشاف نجم رجل القنطور (alpha centauri)، وهو أقرب مجموعة شمسية، أو نظام شمسي، من مجموعتنا الشمسية.
هذا المشروع الجديد، أطلق عليه اسم «Breakthrough Starshoot»، والهدف منه هو اكتشاف التقنيات اللازمة لإنشاء مركبة فضائية صغيرة جدًا، تعمل بالطاقة الضوئية، وتكون قادرة على السفر إلى المجموعة الشمسية القريبة خلال 20 عامًا فقط.
سيقود المشروع «بيت ووردن»، المدير السابق لمركز أبحاث أميس، التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). وسينضم للمشروع أيضًا المؤسس والمدير التنفيذي لموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، «مارك زوكربيرغ» ضمن ما يشبه مركز إدارة المشروع. وسيكون الهدف الرئيسي المبدئي والمطلق لهذا المشروع، هو تحديد الجدوى الاقتصادية لإرسال مركبات فضائية متناهية الصغر، ومضغوطة إلى أقصى حد ممكن، نحو نجم رجل القنطورة الأقرب لمجموعتنا الشمسية.
وتكمن الفكرة في استخدام مركبات تكون شبيهة بالنماذج الفضائية للقوارب الشراعية، أي أننا نريد إنشاء مركبة فضائية شراعية. ونطلق عليها مركبة شراعية هنا ليس لأنها تحمل شراعًا تدفعه الرياح، ولكن لأنها تستخدم الضوء من أجل دفع المركبة نحو وجهتها.
هل يستحق جائزة نوبل؟
لم يكتسب ستيفن هوكينج شهرته من اكتشاف الثقوب السوداء أو نظرية الانفجار الأعظم، فرغم أنه أشهر عباقرة العصر الحديث، لكن ما سبب شهرته بالتحديد، بعيدًا عن تحديه الإعاقة وظهوره في مسلسلي عائلة سمبسون وستار تريك؟ فمن الصعب تبيان إنجازاته الحقيقية من عشرات الأساطير التي قيلت عنه.
ربما يستحق هوكينج الحصول على جائزة نوبل، فقد جمعت عبقريته بين مجالات مختلفة، ولكن متساوية في الأهمية في مجال الفيزياء النظرية، مثل الجاذبية وعلم الكون ونظرية الكم والديناميكا الحرارية ونظرية المعلومات. بدأت رحلته بالنظرية النسبية التي كان قد صكها ألبرت أينشتاين لتحل محل نظرية إسحق نيوتن لفهم الكون.