شبکة تابناک الاخبارية: لعل الكثيرين يظنون أن الشعب الفيتنامي قاوم فقط الغزو العسكري الأميركي في الستينات من القرن الماضي. بينما الحقيقة أن فيتنام وقعت ضحية ثلاث حقب استعمارية متتالية:
■الاستعمار الياباني
■ثم الاستعمار الفرنسي
■وأخيرا: الغزو الأميركي
فقبل عام 1945 وقعت فيتنام تحت الاحتلال الياباني، ثم مالبثت فرنسا أن احتلت فيتنام في العام نفسه وهي تلعق جراح الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها للتو، وبعد مقاومة شعبية واسعة دامية من قبل الشعب الفيتنامي للاحتلال الفرنسي انتهت بالنصر في عام 1954 بتوقيع معاهدة استقلال فيتنام تحركت واشنطن في العام نفسه لتملأ فراغ فرنسا عبر محاولات محمومة لدعم قيام نظام عميل في القسم الجنوبي من فيتنام.
ولم يكد الفيتناميون يضمدون جراحهم إثر كفاحهم لطرد المستعمر الفرنسي حتى شدوا احزمتهم لمقارعة الاستعمار الأمريكي البغيض.
الشطر الشمالي من فيتنام باشر في استنهاض الشعب الفيتنامي وتدريب وتسليح النساء والرجال ليل نهار لخوض حرب التحرير وتطهير الشطر الجنوبي من البلاد وعاصمتها سايغون من الهيمنة الأمريكية.
وهنا نجد أن أميركا استنفرت قواتها الجوية و565000 من مشاة جيوشها البرية للقضاء على بضعة آلاف من المتطوعين في الشطر الشمالي ومثلهم في الجنوب. ولم تفلح سياسة التدمير الشامل والأرض المحروقة والغارات الجوية المستمرة وقنابل النابالم المحرمة دوليا؛ لم تفلح في كسر إرادة الثوار وثني الشعب الفيتنامي عن السعي لبلوغ هدفه المشروع في طرد المحتلين الأمريكان.
وازدادت وتائر المقاومة وتضاعف عدد المتطوعين وتعاظمت همتهم إلى حد الزحف نحو قلب سايغون وعدم الاكتراث بعشرات الآلاف من الضحايا والشهداء الذين بلغ عددهم 85000 مناضل شهيد على مذبح الحريةخلال اقتحام سايغون فضلا عن مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء في القصف الجوي الوحشي الأمريكي.
والعجيب أن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عندما أيقن بعدم إمكانية هزيمة الثوار الفيتناميين بدأ يدعوهم للتفاوض والثواريرفضون! وطلب البيت الأبيض من الرئيس السوفيتي الأسبق (كوسيغين) الضغط على الثوار لقبول التفاوض لكنهم رفضوا أيضا!
مما اضطره إلى إعلان وقف القصف الجوي في 31 مارس من عام 1968وفي مايو من العام نفسه بدأت المفاوضات بين هانوي وواشنطن واستمرت بعد وصول ريتشارد نيكسونفي 1969. ولم يفت في عضد الفيتناميين موت زعيمهم التاريخي الخالد هوشي منه) في ال3 سبتمبر 1969 ولا العنجهية الأمريكية والاصطفاف الغربي معها في مفاوضات باريس الشائكة.
لكن الشطر الشمالي قرر العودة إلى حرب التحرير في 30 مارس 1972 فهاجم الثوار وحرروا مناطق مهمة من الشطر الجنوبي فصعدت امريكا من قصفها الوحشي. ولكنها وجدت نفسها مضطرة لخوض مفاوضات سرية مع الثوار قام بها مستشار الأمن القومي آنذاك هنري كيسنجر. وكانت طائرات B52 تصب حممها وتلقي قنابلها على هانوي وهايبونغ بشكل غير مسبوق إطلاقا.
وتمكن الفيتناميون من إسقاط 15من هذه الطائرات. وفي الثالث والعشرين من كانون الثاني 1973 أعلن عن وقف إطلاق النار ولاحقا بدا الانسحاب لتجر امريكا اذيال الهزيمة والخيبة إلى الأبد وتبقى حرب فيتنام وصمة عار تلاحق البيت الأبيض سلفا عن خلف. ليخلد التاريخ ملحمة الشعب الفيتنامي ودماء شهدائه من أجل الحرية وطرد الاستعمار الأمريكي بشموخ مضمخ بالدماء.
*كاتب ومحلل سياسي