شبکة تابناک الاخبارية: يبدو أن البيت الأبيض قرر الإنتقام من هزيمته الساحقة الأخيرة في أروقة منظمة الأمم المتحدة إثر التصويت بأغلبية مطلقة ضد قرار الرئيس المعتوه ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
وجاء إعلان نيكي هايلي مندوبة أميركا في الأمم المتحدة - وهي هندية سيخية متأمركة مدعومة من اللوبي الصهيوني "ايباك" - ليوضّح بأن واشنطن ستخفض مساهمتها المالية بميزانية الأمم المتحدة (ولن نسمح "باستغلال السخاء" الأمريكي دون تدقيق)!
ولكن لماذا الآن؟ الجواب لا يحتاج إلى عناء كبير أو تفكير طويل. فعندما وجدت الإدارة الأميركية أن الرأي العام العالمي وجّه لها صفعة عظيمة في أروقة الأمم المتحدة وان سهام ترامب الطائشة ارتطمت بصخرة الرفض العالمي وباءت خطتها بالفشل الذريع، شاءت ان تنتقم لغرورها الأجوف واعتبرت الامم المتحدة عديمة الجدوى!
طبعا لابأس أن نعرف أن الأمم المتحدة تضم 193 دولة عضو وتبلغ ميزانيتها 5396 مليون دولار تسهم امريكا بنسبة (22%) منها. وحسب التخفيض الأخير من المساهمة الأميركية سيتم خصم 285 مليون دولار منها من اصل 1185 مليون دولار لتكون بمقدار 900 مليون فقط.
أما الدول الأخرى المساهمة في ميزانية المنظمة الدولية فهي (اليابان.12.5% ثم المانيا 8% وبعدها بريطانيا 6.6% وفرنسا 6% وإيطاليا 5% ثم بقية الدول).
إن واشنطن طالما نظرت - ومازالت - لمنظمة الأمم المتحدة نظرة مصلحية فجّة وكمجرد وسيلة تحقق عبرها مآرب خاصة وأهدافا ضيقة وأنانية.
ولا يخفى كيف استخدمت واشنطن ما يسمى ب(حق!) النقض -الفيتو- 43 مرة لصالح ربيبتها إسرائيل اللقيطة الغاصبة للقدس.
وعندما بادرت مؤسسة "اليونسكو" لقبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية فيها، قررت واشنطن الإنسحاب منها تبعا لإنسحاب تل ابيب!
وسبق ان تم خفض ميزانية قوات حفظ السلام بمبلغ 600 مليون دولار استجابة لضغوط المخبول ترامب.
إن للإدارة الأميركية تاريخ طويل في التحكم والتلاعب بقرارات المنظمة العالمية خلافا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقية دولة المقر. فعندما تسوء علاقة أميركا مع دولة من الدول، تبادر الإدارة الأمريكية إلى منع رئيسها من دخول نيويورك! كما فعلت مع الرئيس السوداني والنيكاراغوي وغيرهما. وتقوم امريكا بالتحكم حتى في اختيار بعض الدول لسفرائها في الأمم المتحدة كما حصل مع السفير حميد أبو طالبي، الذي اختارته الجمهورية الإسلامية الإيرانية مندوبا لها في المنظمة الدولية لكن البيت الأبيض رفض منحه تأشيرة الدخول إلى أميركا لمباشرة مهام عمله،وكأنها هي التي يحق لها تعيين أو رفض مندوبي الدول الأعضاء وتعيين موظفي الأمم المتحدة البالغ عددهم 40.000 خبير ومترجم.
إن التدخلات الأمريكية في عمل الأمم المتحدة تعرقل عمل هذه المنظمة العالمية، التي أُريدَ من وراء تأسيسها في 24 أكتوبر 1945 في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا أهداف تخدم الأسرة البشرية والتفاهم بين أعضائها.
ولامبرر أساسا لاستمرار المنّة الأمريكية هذه،فمن الممكن إختيار دولة محايدة 100% في قارة اخرى مقرا لها،عسى أن تتمكن من إنجاز ما أنِيط بها من وظائف تتمثل في حفظ الأمن والسلم الدوليين لكن خارج هيمنة نظام استكباري يرأسه شخص طائش غير متعقّل في مواقفه ومزاجي في قراراته.
وقديما قال الشاعر العربي:
اتق الأحمق أن تصحبه إنماالأحمق كالثوب الخلق
كلمارقعت منه جانباً صفقته الريح وهناً فانخرق
*كاتب وباحث في الشؤون الدولية