شبکة تابناک الاخبارية: بثّت قناة "الجزيرة” القطريّة في 27 آب/أغسطس تحقيقها الاستقصائيّ "رفح.. الاتّصال مفقود” من إعداد مراسلها في غزّة تامر المسحال، الّذي تتبّع عمليّة كتائب القسّام، الجناح العسكريّ لـ”حماس”، حين أسرت الضابط الإسرائيليّ هدار غولدن خلال حرب غزّة في 31 تموز/يوليو من عام 2014 بمدينة رفح، وكشف مشاهد ومعلومات حصريّة للمرّة الأولى حول التّخطيط للعمليّة، وآثار الفيلم جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام الإسرائيليّة، الّتي نشرت أكثر من 70 مادّة صحفيّة، بين أخبار وتقارير ومداخلات صحفيّة، لتحليل ما جاء في الفيلم.
ليست المرّة الأولى الّتي تعرض فيها "الجزيرة” أفلاماً خاصّة بعمليّات عسكريّة لـ”حماس” ضدّ إسرائيل. لقد أعدّ وائل الدحدوح، وهو مراسل آخر لــ”الجزيرة” في غزّة فيلمه "المجموعة رقم 9” التّابعة لكتائب القسّام، وبثّته القناة مساء 21 أيلول/سبتمبر، وهو كشف تفاصيل جديدة عن عمليّة "ناحال عوز” شرق غزّة في 29 تمّوز/يوليو من عام 2014، كما بثّت "الجزيرة” في 9 آب/أغسطس تحقيقها الصحافي الشهير "في ضيافة البندقيّة”، الّذي يتناول تأسيس كتائب القسّام، وأجرى مخرجه إياد الداوود لقاءات أولى من نوعها مع قيادييّ كتائب القسّام محمّد الضيف وأحمد الجعبري.
زار "المونيتور” مكتب قناة "الجزيرة” في غزّة خلال إعداد هذا التّقرير، وشاهد العشرات من شهادات التّقدير وأوسمة الشكر الّتي قدّمتها "حماس” وبقيّة الفصائل الفلسطينيّة إلى القناة ومراسليها، نظراً لأدائهما الإعلاميّ.
وقد يكمن سرّ العلاقة المميّزة بين "حماس” و”الجزيرة”، ومنح القناة معاملة حصريّة من دون غيرها من القنوات، عبر تغطيتها لأخبار حماس، أنّ الحركة تعلم جيّداً قوّة تأثير "شبكة "الجزيرة” منذ تأسيسها في عام 1996، وباتت تملك قنوات: "الجزيرة مباشر”، "الإنكليزيّة”، "الجزيرة أميركا”، "الوثائقيّة”، و10 قنوات رياضيّة، موقع "الجزيرة نت”، "مركز الجزيرة للّتدريب”، "مركز الدراسات”، وعشرات المكاتب المنتشرة حول العالم.
وخلال اندلاع حرب غزّة في عام 2014، قدّم تامر المسحال ووائل الدحدوح أداء ملحوظاً في تغطيتها، والعمليّات الّتي نفّذتها كتائب القسّام، ممّا دفع بالفلسطينيّين في غزّة فور انتهاء الحرب بـ26 آب/أغسطس، إلى الاحتفاء بهما، وقامت إدارة "الجزيرة” بتكريمهما في 2 تشرين الثاني/نوفمبر في احتفال بالدوحة، ومنحت كليّة كامبردج البريطانيّة في 20 شباط/فبراير درجة الماجستير الفخريّة للمسحال، وقامت الكليّة الجامعيّة للعلوم التطبيقية بغزّة في 8 أيلول/سبتمبر بتكريمه.
إنّ المسحال حاصل على ماجستير في الإعلام من جامعة "ويستمنستر” بلندن، وغطّى الحروب الإسرائيليّة على غزّة: 2008، 2012 و2014، وثورات: ليبيا، مصر، وسوريا بين 2011-2013.
وربّما بدا واضحاً أنّ "حماس” الّتي خاض مقاتلوها معارك شرسة على حدود غزّة مع الجيش الإسرائيليّ، اعتمدت كثيراً على جبهة قتاليّة ليست أقلّ شراسة، لكنّها من دون دماء، تمثّلت بقناة "الجزيرة” الّتي أفردت ساعات بثّ طويلة خلال أيّام الحرب الـ50، وقامت الحركة بتزويدها بأخبار عمليّاتها أوّلاً بأوّل، وربّما يمكن اعتبار "الجزيرة” صوت "حماس” للعالم الخارجيّ، رغم ما قد يتسبّب ذلك للقناة من اتّهامها بالانحياز للحركة، وفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية يوم 10 آب/أغسطس/2014.
وإنّ كتائب القسّام، منحت المسحال، في 6 آب/أغسطس، فرصة حصريّة، لمرافقة عناصرها المقاتلين في ذروة الحرب، والوصول إلى المواقع العسكريّة المتقدّمة لمواجهة الجيش الإسرائيليّ في شرق غزّة، وتحديداً في منطقتي الشجاعية والتفاح، وسمحت له في 7 آب/أغسطس بدخول أحد أنفاقها الهجوميّة على حدود غزةّ وإسرائيل.
وسأل "المونيتور” المسحال عن سبب اختيار "حماس” له لمنحه أفلامها الحصريّة العسكريّة فقال: "حماس تعلم قوّة الصحافي الّذي تتواصل معه وثقل قناة الجزيرة. وقد شكّلت عمليّات كتائب القسّام خلال حرب غزّة 2014 تطوّراً نوعيّاً، سعى الصحافيون، وأنا منهم، لتغطيتها. وفي الوقت الذي تميّزت الجزيرة بتغطية المجازر الإسرائيليّة خلال حروب غزّة، فإنّها وجدت نفسها مضطرة لمتابعة التطوّر الاستراتيجيّ للمقاومة الفلسطينية”.
وتحاول الجزيرة إجراء توازن في تغطياتها الإعلاميّة وعدم إظهار انحيازها مع "حماس”، عبر بثّ مقابلات مع مسؤولين إسرائيليّين، ويقوم مذيعوها بمهاجمتهم، مثل رئيس جهاز الشاباك السابق آفي ديختر، والمتحدّث باسم الحكومة الإسرائيليّة أوفير جندلمان، والنّاطق باسم الجيش الإسرائيليّ آفيحاي أدرعي، الّذين اعتبروها قناة ناطقة باسم "حماس”.
وقال المسحال لـ”المونيتور” أنه "حظي بتغطية حصريّة لبعض عمليّات المقاومة الفلسطينيّة خلال فترات مختلفة، وهذا رصيد لمسيرتي الإعلاميّة، وأنا أسعى دوماً لأن أبقى مهنيّاً، وليس أداة بيدّ أيّ طرف سياسيّ. ولذلك، أغطّي الصورة بجميع تفاصيلها، وأنقل ما أشاهده بأمانة صحفيّة”.
أضاف: "إنتاج الأفلام الوثائقية عن المقاومة الفلسطينيّة يتطلّب السريّة الكاملة. ولذلك، فلا أخوض مع طاقمي الصحافي، المرافق تحدّياً مهنيّاً صحافيّاً فقط، بل أمنيّاً أيضاً، والفصائل الفلسطينيّة باتت واعية بالتحديات الأمنيّة الّتي تواجهنا كصحافيّين ، وحين تسمح لنا حماس بتصوير نفق أو مكان عسكريّ، فهي تتّخذ التدابير الأمنيّة، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الأمر خال من مخاطر جمّة، وهو ما تعرّضنا له خلال حرب غزّة 2014”.
وأبلغ مسؤول في "حماس”، رفض كشف هويّته، "المونيتور” أنّ "حماس تتعامل مع الميدان الإعلاميّ على أنّه جبهة قتاليّة في مواجهة إسرائيل، الّتي تمتلك إمبراطوريّة إعلاميّة حول العالم، والحركة تسعى لتوظيف القنوات الإعلاميّة الفلسطينيّة والعربيّة ذات الحضور الجماهيريّ الكبير، لبثّ مفاهيم الحريّة والعدالة ومواجهة الاحتلال الإسرائيليّ وكسر احتكار الرواية الإسرائيليّة في وسائل الإعلام العالميّة، وأثبتت الجزيرة أنّها قادرة على مجابهة الآلة الإعلاميّة الإسرائيلية، من دون وجود علاقة رسميّة للحركة بالقناة”.
إنّ قيادة "حماس "بزعامة رئيس مكتبها السياسيّ خالد مشعل تقيم في قطر، حيث تبثّ "الجزيرة” من هناك، ويمتلك قادة الحركة علاقات وثيقة مع مسؤولي القناة، فالمسافة بين إقامة قيادة "حماس” ومكاتب إدارة القناة لا تتعدّى كيلومترات داخل الدوحة، في ضوء تحالف "حماس” وقطر، وجرت العادة أن يمنح مسؤولو "حماس” قناة الجزيرة مقابلات حصريّة، كان آخرها اللقاء مع مشعل في 23 يونيو/حزيران من عام 2014.
وأخيراً، يبدو أنّ منح "حماس” لقناة "الجزيرة” اهتماماً خاصّاً بإعطائها أفلاماً حصريّة وأخباراً فيها سبق صحافيّ، ينبع من قناعة الحركة أنّ الجزيرة قناة متابعة من ملايين العرب والعالم، وتدخل كلّ بيت عربيّ تقريباً، والطريق الأسرع لـ”حماس” لإيصال ما تريد من رسائل سياسيّة وعسكريّة يمرّ عبر "الجزيرة”، فيما ربّما تعلم الجزيرة أنّ حصولها على الأخبار الحصريّة بـ”حماس” يمنحها متابعة شعبيّة أكثر بين المشاهدين العرب ونقطة تنافس أقوى بين سواها من القنوات العربيّة.