۴۰۱مشاهدات

عيوننا تتربص قدوم يوحنا لبنان وسيد أملها

جميل ظاهري*
رمز الخبر: ۲۹۴۰۷
تأريخ النشر: 12 September 2015
شبکة تابناک الاخبارية: كلما أراد الفرح أن يعتلينا يسبقه الحزن، وكلما تشرق الشمس على أرض الأرز تسبقها العتمة لسكوت وصمت النظام السياسي العالمي وفي مقدمته العربي الى حد الخرس والعميان متجاهلاً حق الشعوب في الحياة والمشاركة ويعطل مشاعر الأمة المتحمسة والمتلهفة لإطلالة سيده المغيب منذ 37 عاماً خوفاً من صرخته بضرورة مشاركة المواطن في مستقبل الوطن وهو القائل: "لا حياة للوطن بدون الإحساس بالمواطنة والمشاركة".

37 عاماً وباكورة الحوار الاسلامي - المسيحي ومنادي اللحمة الوطنية والتماسك الديني والقومي في الشرق الأوسط وتعايش شعوبها السلمي مغيب بفعل طغاة جناة قتلة ومحتلين خوفاً من اتساع نطاق صرخته بالتصدي لمخططاتهم المشؤومة ظناً منهم أن حرماننا منه سيعطل التفكير بأقواله والسير على نهجه والعمل بتوصياته في الدفاع عن حقوق الأمة ودعم المحرومين والمستضعفين والذود في حب الوطن والدفاع عنه وجعل لبنان الصغير جغرافياً أنموذجاً كبيراً تحتذي به شعوب العالم، فأخافهم قوله "الشعور بمعنى الأرض والوطن موجود، يحتاج إلى تنمية وإبراز، وهذا يحصل عن طريق العدالة الاجتماعية وإشعار المواطن بأنه يتمتع بوطنه عزيز في أرضه... إن المواطن اللبناني لا يطلب من المسؤولين إبداع المعجزات... لكنه يرفض التمييز بين المناطق والفئات والمواطنين، فإذا تأمن له ذلك،... فقد صنعنا مواطناً يستأهل أن يكون بلده لبنان، وطن الجمال والجلال، بلد السيف والعلم".

تغيبه عنا جعل من لبنان مساحة لاقامة الاحتكار، احتكارات الامتيازات واحتكار وسائل القوة والقمع، واحتكار التنمية، وكان لبنان طاولة لتقاسم الغنائم.. ومساحة لمناورات اسلحة العدو بالذخيرة الحية على ارواحنا واشجارنا ومنازلنا.. وكانت قرانا كلما ازدهر فيها الربيع يضيق صدر العدو، فيفتح شهوة البارود على كرومنا.. وكانت حقولنا مزروعة بالالغام الاسرائيلية، نراها بعيوننا ولا تصل اليها ايادينا، وكان شتلة التبغ عنوان بريدنا السري.. كان لبنان التاريخ، لبنان صور وصيدون وجبيل وبعلبك وام العواصم بيروت، لبنان الرسالة والمتحف وكتاب الحضارات السبع ونقاط علام المقامات، مهد الكاتدرائية الاولى وقصر بلقيس وميناء الحرف، كان هذا اللبنان مغيبا ومهملا.

من النبطية وردة الصباح المعطرة بالشمس، ونجمة السماء الملتمعة بلغة الذهب، ايقونة العاملين، بيدر افراحنا وساحة احزاننا، وعبير مواسم الممانعة بمواجهة الاحتكار.. من كل مواقع الحرمان والامل بدأنا .. جاء يوحنا لبنان واطلق صرخته في برية الوطن : "انتبهوا قبل ان تبحثوا عن وطنكم في مقابر التاريخ" - حسب كلمة للرئيس نبيه بري.

جسد وجود الإمام موسی الصدر فی لبنان أکبر وأعظم رصید للوحدة الداخلیة بین الطوائف والقوی والأحزاب ومختلف التیارات الفکریة والمدنیة.و وجوده کان هبة من السماء.. محور العقول، وملتقی القلوب، والمرتجی في الملمّات؛ صاحب مشروع لإنقاذ لبنان من محنه ومآسیه، وصاحب إرادة طموحة للتغییر عبر إطلاق الحوار الإسلامي - المسيحي، فكان مع رفاقه: المطران جورج خضر، الأب يواكيم مبارك، الشيخ صبحي الصالح، وحسن صعب وغيرهم أول من وقّعوا بياناً في 8 تموز 1965م، في إطار المحاضرات التي نظمتها "الندوة اللبنانية" عن المسيحية والإسلام في لبنان، تم التأكيد خلالها على تلاقي الديانتين في إيمانهما بالله الواحد سبحانه وتعالى، وبقيامهم معاً على تعزيز قيم روحية ومبادئ خُلُقية مشتركة تصون كرامة الإنسان، وتعلن حقه في الحياة الفضلى، وتنهض بالأرض وما عليها في محبة وسلام ووئام.‏

ولما يمتلكه من معرفة وافیة بطبیعة المجتمع اللبناني الذي تختلط فیه المشارب الدینیة والایدیولوجیة والثقافیة وتتقاطع عنده موجبات العلاقة مع المحیط العربي ورغبات الانفتاح علی الخصائص والتجارب الغربیة، وکان بارعاً فی إیجاد الحلول لها، ولم تکن الخلافات ضئیلة ولکنّه کان ضنیناً أن لا تطغی علی المشترکات التی تجمع اللبنانیین، وأن لا تجعل فریقاً ساحقاً وآخر مسحوقاً فتتسرّب عدوی الکراهیة والانتقام؛ فدعا الى تعزيز التكامل بين الرسالات السماوية لبناء إنسان يفكر بطريقة صحيحة ويعمل بأداء سليم، ويؤسس لفكر جامع في لبنان بين جميع رسالاته وأديانه من مسلمين ومسيحيين.

كان الإمام موسى الصدر يرى وقبل أكثر من أربعة عقود أنه بامكان لبنان أن یبقی علی طوائفه ولکنه لا يمكن أن یبقی علی نظامه الطائفي، وبالإمكان أن تتساکن مکوّناته علی توازن صحیح ولکن لا یسعه أن یتشبث کل فریق فیه بنصیب یفیض عن حجمه وحضوره.. لبنان یسعه أن تلجأ نخبته الاقتصادیة إلی المبادرات الفردیة الربحیة ولکن لا یسعه أن یرزح مواطنوه تحت طین القهر الاجتماعي وهو ما يعانيه حالياً دافعاً الجيل الصاعد النزول الى الشوارع رافعين دعوات تغيير عديدة سيستغلها المنافق والعدو والمحتل لزعزعة أمنه وإستقراره.. إنّه من الجلي أن لبنان لن یستقیم إلا حین تأتلف طوائفه علی بناء تعددیة تشارکیة تقوم علی قوانین صحیحة ودستور یوفر حمایة لکل مواطن بالوجود والکرامة.

فقال محذراً السياسيين قبل الشارع اللبناني "إن المأساة المعاشة يومياً والتي تقضي على مستقبل لبنان وتقلب كل طموح إلى التقهقر بل تقضي على مجرد وجود لبنان وتؤكد فشل التجربة الحضارية في مرحلة بناء الوطن.. وأخطر من هذا فإن النظام الطائفي الممارس بهذا الشكل قد ابتلع العلاج أيضاً... والحل في حركة وطنية متآلفة دافئة تتخطى الحواجز المصطنعة بين أبناء هذا الوطن، حركة تكون قوية، أبوية، موثوقة، مضحية، موضوعية، حركة تعتمد على جذور عميقة من الإيمان بالله، وبالوطن وبالإنسان... والعلاج في تكوين دولة الحق وتحمل مسؤولياتها الكاملة، حتى يشعر المواطن بأن الانتماء إلى الوطن هو البديل الكافي عن الانتماءات الأخرى لحمايته، ولصيانة حريته وقوته وكرامته".

أيقظ صباح اللبنانيين بالبسملة وعلمهم أن الوطن يحفظ وفي قلبه الجنوب وزرع قاماتهم في الارض من أجل قطاف التحرير.. ومـن بعلبك في اذار عام 1974 ومن صور في ايار من نفس العام، كانت انطلاقة "حركة المحرومين"، وكان القسم العظيم، ومن على تلال الطيبة وبنت جبيل ومن بوابة خلده وساحة عاشوراء النبطية كانت انطلاقة المقاومة.. وهو يصدح أمام الحشود المجتمعة بالقول: "اذا التقيتم العدو الاسرائيلي قاتلوه بأظافركم وبسلاحكم مهما كان وضيعاً".. ومن هنا وقفت العين مقابل المخرز، وكان الحجر المسوم والزيت المغلي في مقابل أعتى آلات الحرب.

أتاح لجمهور الناس أن يعبروا عن احتياجاتهم بعيداً عن لعبة التوازن والتفاوت الطائفي والمناطقي، وحدد الإمام موسى الصدر الأخطار التي تهدد وجود لبنان بخطرين أساسيين: الأول الخطر الداخلي وهو الأساسي بالنسبة إليه، وهو خطر الميوعة، خطر الذوبان، خطر الفساد، والثاني هو الخطر الخارجي المتمثل بـ«إسرائيل» واعتبر حركته، ومن يؤيده ويناصره، قوة مواطنية تقف في مواجهة هذه الأخطار.

أربكت قراراته توصياته الأعداء خلط أوراق ما كانوا يعدون له فقرروا تغييبه ورفيقيه سماحة الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين متعينيين بأعتى طواغيت العرب وأكثرهم عمالة وجاهلية وحقداً على يوحنا لبنان وأفكاره وصدوحه وبزوغه، يرى فيه الرقيب العتيد لابد من الخلاص منه مهما كلف الثمن فدعاه ثم خان الدعوة وهي شيمة عرب الجاهلية القابعة في أفكار وسياسة حكام الردة الخليجيين ونظرائهم فراعنة العصر حفاظاً على أمن الغدة السرطانية وربيبة الاستعمار المدلل «اسرائيل».

سرعان ما أتضح خطأ أفكارهم وفشل سياساتهم رغم اتساع نطاق المنبطحين العرب وزيادة عدد الراقصين على عزف بيع فلسطين من النهر الى البحر وأضحى كل شئ بالمكشوف دون إستحياء أو خجل ليصفه الشاعر العراقي مظفر النواب بأوصاف ركيكة تعبر عن حقيقتهم وواقعهم.. فيما كانت ثلة من الشباب اللبناني المؤمن تعد العدة لإركاع العدو وتمريغ أنفه بوحل الجنوب المحتل سائرة على نهج وميثاق مدرسة الإمام موسى الصدر الحسينية، فدحروا العدو المحتل من بيروت العز وهزموها وحلفائها يجرون ورائهم ذيول الخيبة والفشل ويلملمون جرحاهم ويسحبون جثث قتلاهم غير واعين أن الهزيمة ستلاحقهم بعد ذلك في عام 2000 ومن ثم 2006 وحتى يومنا هذا رغم إستعانتهم بمنافقي الأمة ومبتدعي الزيف والتحريف وعاظ سلاطين الطغاة متجاهلين قوله سبحانه وتعالى { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} – سورة البقرة - الآية (249).

بتاريخ 28 تموز 1976م شرح الإمام الصدر أهدافه من وراء تأسيس حركة أمل في مقالة له (لماذا نقاتل؟) قال فيها: "نقاتل في سبيل الله... نقاتل في سبيل الإنسان: الوطن هو إنسان الجماعة، نقاتل لحمايته من الاعتداء، الوطن، وهو الجنوب، الحق الذي يتعرض لتجاوزات إسرائيل وهي الباطل بعينه. نقاتل من أجل الوطن ودفاعاً عنه وعن إنسانه... ومن أجل وحدة لبنان، من أجل منع قيام إسرائيل أخرى، أو إسرائيليات تدعم إسرائيل الأم.

نقاتل لكي نمنع تصنيف الإنسان وتحقيره وتشويهه تحت كابوس الفكر الإسرائيلي... ولأجل الحفاظ على الشعلة الإنسانية الحقة والعادلة ولأجل المقاومة الفلسطينية ضد الشر المطلق إسرائيل".. فحمل تلامذته أفكاره وقرروا تحقيق أمنياته ومجاهدة "اسرائيل شر مطلق" على أرض الواقع فإذا بالجيش الذي لا يقهر نمر من ورق رسمه حكام العمالة والدعارة بعبع لشعوبهم طيلة أكثر من ستة عقود لتزيل طائفة قليلة من أبناء الضاحية الجنوبية هذا الخوف من الأمة وتمسح عنها عار الهظيمة والفشل بكل ما كانت تملك من جيوش مجيشه في حروبها مع عصبة كافرة فاجرة، وتلقنها درساً لن تنساه طيلة ما هي باقية وليس لبقائها سوى عقدين ونيف على أكثر تقدير.. أليس الصبح بقريب.

* كاتب ومحلل سياسي / الوعي نيوز
رایکم