۷۵۳مشاهدات

عندما تقلب ايران السحر علي الساحر

ماجد حاتمي
رمز الخبر: ۲۸۸۹
تأريخ النشر: 01 February 2011
شبکة تابناک الأخبارية: كان واضحا منذ البداية ان مفاوضات ايران ومجموعة 5+1 لم تكن لتخرج بغير النتائج التي خرجت بها , فالحسابات والتقديرات الخاطئة والاحكام والافكار المسبقة التي تتحكم بمجموعة 5+1 وقبل هذا وذاك وجود ارادة سياسية طاغية تحول دوما دون الوصول الي اتفاق مشرف لقضية البرنامج النووي الايراني السلمي.
   
ان الحكم علي مفاوضات اسطنبول وما سبقها من مفاوضات لم يأت من باب الرجم بالغيب , بل هو حكم يستند الي تجربة مريرة خاضتها وتخوضها ايران مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة ومنذ اكثر من ثلاثة عقود وعلي اكثر من صعيد وخاصة علي صعيد برنامجها النووي السلمي.

ان طهران لم تفاجأ في اسطنبول عندما اعادت مجموعة 5+1 علي مسامعها اسطوانتها التي شرخت من كثرة الدوران عندما طلبت من ايران ان تخطو خطوة كي تكسب ثقة المجموعة , والخطوة هي ان تقوم طهران بتسليم كل ما في مخزونها من يورانيوم مخصب بنسبة 3% الي الجانب الغربي.

الطلب الغربي هذا وان جاء مغايرا لما اتفق عليه في فيينا حول حجم الكمية التي يجب مبادلتها والطريقة التي يجب ان تكون عليها عملية التبادل , الا ان الهدف منه هو تحقيق غايات لم تعد لتنطلي علي احد وخاصة المفاوض الايراني.

المفاوض الغربي الذي اوصل مفاوضات اسطنبول الي طريق مسدود لاصراره علي قضية افراغ المخزون الايراني من اليورانيوم المخصب اثار العديد من علامات الاستفهام , وهي علامات كانت تحوم منذ وقت طويل حول الموقف الغربي وجديته في التوصل الي تسوية للقضية النووية الايرانية , فالغرب رفض وبعنجهية سافرة اعلان طهران الثلاثي بين ايران وتركيا والبرازيل والذي نظم وبشكل دقيق عملية تبادل اليورانيوم الايراني المخصب بنسبة 3% , بحجة ان الاتفاق جاء متأخرا . هنا تطرح بعض الاسئلة نفسها وبقوة , وهي ان كان اعلان طهران جاء متأخرا , فماذا عن الوقت الذي طرحت فيه مجموعة 5+1 طلبها , هل جاء في حينه ؟ واذا كان لابد من اثارة هذا الموضوع في اجتماع اسطنبول فلماذا لم يطرح في اطار اعلان طهران او في اطار ما اتفق عليه في فيينا ؟ ولماذا لم يقدم هذا الطلب في اطار ما اتفق عليه في جنيف والذي بات يعرف بالحوارمن اجل التعاون؟.

ان المفاوض الغربي يعرف قبل غيره ان ايران لن تقبل ان يفرض عليها شيء بالقوة , لذا هنا فقط يمكن تلمس الاستراتيجية التي يعتمدها المفاوض الغربي مع ايران وبكل وضوح , وهي استراتيجية التفاوض من اجل التفاوض , هنا قد يسأل سائل , لماذا تعتمد الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب هذه الاستراتيجية مع ايران ؟ للاجابة علي هذا السؤال نمر مرورا سريعا علي بعض من الاهداف والغايات التي تسعي الولايات لتحقيقها من وراء هذه الاستراتيجية :

1- ابقاء هذا الملف مفتوحا في اروقة مجلس الامن الدولي واستخدامه سيفا مشرعا ضد ايران.
2- تخويف بلدان المنطقة من ايران وخلق هوة بين هذه البلدان وايران.
3- ايجاد اسواق واعدة لبيع السلاح الامريكي والغربي لدول المنطقة وافراغ خزائنها في محاولة لاسعاف الاقتصاد الامريكي المنهار .
4- تسويق اسرائيل ككيان مسالم وحث الحكومات العربية للاقتراب منها اكثر.
5- محاولة عزل ايران للحد من تاثيرات التجربة الايرانية الناجحة علي اكثر من صعيد علي المحيط العربي.
6- ايجاد المبررات للتواجد الامريكي في المنطقة ودفع الحكومات العربية لمنح القوات الامريكية قواعد عسكرية فوق اراضيها.

هنا قد يسأل سائل , لماذا لا تقدم طهران علي تلبية الطلب الغربي كي تسد كل المنافذ امام الولايات المتحدة لتحقيق اهدفها؟ هذا سؤال مشروع , الا انه لن يطرحه من له المام بتجربة ايران مع الولايات المتحدة والغرب , فهذه التجربة المرة اثبتت انه كلما تراجعت ايران خطوة الي الوراء كلما تمادي الغرب بطلب المزيد , كما حصل ذلك عندما اوقفت طهران تخصيب اليورانيوم لمدة عامين ووقعت علي البرتوكول الاضافي بشكل طوعي , فماذا كانت النتيجة ؟ النتيجة قام الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة بأحالة الملف النووي الايراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الي مجلس الامن .

اما فيما يخص الطلب الغربي من ايران لاتخاذ خطوات لبناء الثقة , الايكفي اكثر من 22 تقريرا اصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن سلمية البرنامج النووي الايراني ونفيها وجود اي انحراف في هذا البرنامج , لبناء هذه الثقة . الايكفي رد ايران وبالتفصيل وبالوثائق علي نحو الفي سؤال طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لازالة الشكوك الغربية . الا تكفي الاف الزيارات التي قام بها الخبراء الدوليون للمنشات النووية الايرانية لتأكيد سلمية البرنامج النووي الايراني.

كل هذه الاجراءات الايرانية لم تقابل وللاسف بأي خطوة حتي ولو صغيرة من الطرف الاخر الذي قام علي العكس من ذلك برفع الملف النووي الايراني من الوكالة الدولية الي مجلس الامن الدولي الذي اصدر وبضغط امريكي فاضح عددا من القرارات الظالمة ضد ايران لحرمانها من حقوقها التي تكفلها جميع الاتفاقيات الدولية بوصفها من الدول المؤسسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية والموقعة علي اتفاقية حظر الانتشار النووي والداعية الي تطهير العالم من السلاح النووي وعقدن من اجل ذلك المؤتمرات الدولية ومازالت تؤكد علي ان السلاح النووي لا يندرج في عقيدتها العسكرية.

في موازاة كل الاجراءات التي تتخذها ايران للدفاع عن حقوقها ولتأكيد سلمية برنامجها النووي  لن تفوت في الوقت نفسه اي فرصة يمكن من خلالها ان تكشف زيف ونفاق الموقف الغربي من برنامجها النووي وعدم جدية مجموعة 5+1 في التوصل الي حل مشرف للموضوع النووي الايراني.

فقد نجحت طهران في اماطة اللثام عن جانب كبير من الوجه القبيح والمنافق للغرب حتي قبل ان تبدا مفاوضات اسطنبول وذلك من خلال ترتيبها زيارة لممثلي الدول الاعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية, لمنشاتها النووية وبالفعل قام ممثلو مئة وثلاثين بلدا عضوا في الوكالة بزيارة المنشات النووية الايرانية .

هذه الخطوة الايرانية لم تقدم عليها ايه دولة نووية في العالم من قبل , فزيارة الدبلوماسيين الاجانب لموقعين نوويين هامين في ايران في نطنز واراك , كشف بما لايقبل الشك ان ليس لايران من شيء تخفيه عن المجتمع الدولي وانها ليست خائفة علي شيء يمكن ان يكتشف فكل ماشاهدته الوفود الاجنبية شاهده الخبراء الدوليون من قبل واكدته التقارير المتعاقبة للوكالة الدولية ايضا.

ان الامر الذي يجعل البرنامج النووي الايراني في دائرة الضوء دائما وفي اروقة مجلس الامن الدولي , هو دوافع سياسية صرفة لا تمس من قريب او بعيد القضايا الفنية او وجود شيء سري في هذا البرنامج . هذه الدوافع تأتي كردود فعل للمواقف المبدئية للجمهورية الاسلامية الايرانية من قضايا الامة الاسلامية وعلي راسها القضية الفلسطينية والتصدي للصهيونية والهيمنة الاستكبارية علي مقدرات الشعوب والعمل علي كسر الاحتكار الغربي للتقنية العلمية.

الاجراء الايراني الاستثنائي وغير المسبوق المتمثل بدعوة المجتمع الدولي لزيارة المنشات النووية الايرانية كان نوعا من الاستشراف لما سيحصل في اسطنبول .فقد قوبلت هذه الدعوة كالعادة بالتشكيك والرفض من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي , الا ان ايران ومن اجل اسقاط كل ذريعة من يد الغرب والكشف عن حقيقة نواياه , دعت الي ان يرافق خبراء دوليون في مجال الطاقة النووية الوفود التي تنوي زيارة المنشات النووية , في خطوة لم تقدم عليها اية دولة في العالم لحد الان.

المنسقة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون بررت رفضها تلبية دعوة ايران لزيارة منشاتها النووية بالقول ان خبراء الوكالة الدولية هم من ينبغي ان يقوموا بعمليات التفتيش وليس الوفود الدبلوماسية. هذا الرفض وتبريره كشف قبل كل شيء عن النوايا الحقيقية لرئيسة الدبلوماسية الاوروبية من البرنامج النووي الايراني السلمي . فتبريرها رفض الدعوة كان اقبح من الرفض نفسه, فما معني قولها ان الخبراء هم الذين يقومون بالتفتيش وليس الدبلوماسيون؟ وهل منعت ايران الخبراء يوما من تفتيش منشاتها النووية؟ وما الضير في ان يقوم الدبلوماسيون بزيارة المواقع النووية بمعية الخبراء ؟ الايكشف هذا الموقف عن خبث النوايا الغربية تجاه ايران ؟ ولكن الذي كانت تخاف منه اشتون ان يقع قد وقع فعلا وانقلب السحر علي الساحر , فهي كانت تتخوف لو زارت ايران ان يري العالم اجمع ان كل ما قيل عن البرنامج النووي الايراني هو من فعل السياسة الامريكية والغربية الموبوءة بالصهيونية ولا حقيقة لها علي ارض الواقع , وهو الذي حصل.
رایکم