شبکة تابناک الأخبارية: لابد أن تسير مسافة 150 كيلومتر مبتعداً عن مدينة همدان الايرانية حتى تصل الى تلك القرية الصغيرة الوادعة التي تسمى "يارمجه باغ" باللغة التركية والتي تعني "نصف البستان" وربما تكون هذه هي الجنة الصغيرة التي يعيش اهلها بكل طمأنينة وحبور فهذا هو المكان الذي تقطن فيه السيدة" تامان كل" في منزلها الطيني.
الكل هناك يعرفونها ، ويكفي ان تسأل عن المرأة التي تعيش مثل الرجال حتى تجيبك آلاف الاصابع وهي تشير الى منزل تلك المرأة العجوز "فتامان كل" تعيش في بيت صغير أول ماتدلف اليه تغمرك رائحة الطين المخلوط بالتبن.
وتبعد هذه المنطقة 15 كيلومتر عن الشارع الرئيسي للبلدة بينما المنازل المبنية باللبان تقع بالقرب من المناطق الجبلية، ولما تطرق على تلك الباب الخشبية سترى امامك رجل بسترة وبنطال باليين ويضع قلنسوة من اللباد على رأسه، يرحب بنا باللغة التركية ويدعونا الى ضيافته ، فهذا المنزل يعود الى الى والد العجوز المكان الذي لعبت فيه الفتاة دور الولد بالنسبة الى الاسرة وارتدت طوال عمرها ملابس الرجال وتخلت عن كل حقوقها الانثوية حتى لايطئطئ الاب راسه لانه لم يحقق امنيته في الحصول على الولد الذكر وتبقى "تامان كل" وحتى آخر لحظة من حياته تحقق له امنيته الابدية.
ثياب رجالية كبيرة الحجم
" ابوها كان العمدة بل وصاحب القرية وكان ثرياً للغاية لكنه عندما توفي حدثت امورأ أدت الى افلاس الاسرة فلم يتبقى لها سوى هذا المنزل وهي الآن تعيش فيه مع حفيد وكنة احدى شقيقاتها نقل لنا هذا الكلام "مشهدي محمد" وهو جار لتامان كل فهو يعرفها منذ الطفولة ويقول عنها انها قليلة الكلام وسرعان مايصيبها الضجر من الثرثرة وكثرة السؤال ولهذا قال مشهدي محمد " طلب اليها والدها ان تكون مثل الرجال فقد كانت واحدة من بين سبع شقيقات وصبي واحد لم يتجاوز الربيع الاول من عمره حتى رحل عن عالم الدنيا والشقيقات الاخريات بلغن حد الزواج ورحلن مع ازواجهن الاسرة والفتاة الوحيدة التي بقيت لامها وابيها هي "تامان كل" ولما بلغت الخامسة عشرة من العمر امرها ابوها ان ترتدي ملابس الرجال.
ولكي تُرضي الفتاة رغبة والدها ارتدت البنطال العريض والكنزة الواسعة حتى لايظهر شعرها وكانت تخفيه تحت قلنسوتها اللبادية وعندما نصل الى هذا الجزء من الكلام تجر الفتاة حسرة من صدرها وتقول بلغة تركية غليضة " توفي والدي على أثر والدتي وكان يقول لي بشكل مستمر اتركي الباب مفتوحاً لاتجعلي الاهالي والضيوف يقطعون صلتهم بنا "
خطوبة الفتاة التي اصبحت رجلاً
في تلك الشهور الاولى كاد الخطاب ان يقلعوا عتبة الدار بسبب اصرارهم والحاحهم لطلب الزواج من "تامان كل" لكنهم كانوا على الدوام يسمعون جواباً واحداً هو : كلا " وبعد شهر او شهرين من تلك القضية ندم "والد تامان كل" على فعلته فطلب الى ابنته ان تذهب الى مدينة مشهد المقدسة وبعد عودتها من هناك ترتدي ثياب الفتيات حتى لايتسبب ذلك بتحطيم مستقبلها لكن هذه المرة "تامان كل" هي نفسها التي لم تعد ترضى بان تستعيد حياتها الانثوية وتريد ان تجرب الى الابد حياة الفتيان وتستمر في رعايتها لوالديها " قالت ذلك زوجة حفيد شقيقة تامان كل فهي ومنذ خمسة اعوام وهي تعيش برفقتها وهي سعيدة لانها تجد مكاناً لها بالقرب من "تامان كل" في الوقت الذي يذهب فيه زوجها الى المدينة من اجل العمل.
"تامان كل" والكنة تقومان كل صباح بحراثة الارض وتزرعان في ارضهما الخضار وتقومان بتوظيب الحظيرة وتقديم العلف للماشية وبعد الانتهاء من عمل الصباح تلجآن الى المدفأة التراثية المعروفة بـ الـ"الكرسي" " فجميع الاهالي يحبون "تامان كل" وعلى الرغم من انها ترتدي ثياب الرجال الا انها بسيطة ولاتسبب الأذى لأحد.
وعندما أكون مع العجوز بمفردنا أسألها عن ماضيها لكنها خجولة ولاتنطق بكلمة وكنت اقول لها تزوجي واخرجي من حالة العزلة التي انتي فيها لكنها تجيبني دائماً : لقد مضى زمني وتسألني: لمَ اطلب الزواج ؟ فهي تنزعج من هذه المزحات"
الكنة ليست لها ذكريات كثيرة مع العجوز لكن زوجها "أحمد آقا" لديه مايتذكره
الحاجة خانوم ام الحاج آقا؟
"تامان كل" كانت بعمر 38- 37 عندما توفي والدها وقبله كانت قد فقدت والدتها، وفي احد الايام تسقط امها على الارض بشدة وتنكسر لذلك يديها وقدميها ومنذ ذلك الوقت تصبح عاجزة عن المشي يعني مايقارب الخمسة اعوام كانت تامان كل تقوم بخدمة والدتها حتى وافاها الاجل.
وبعد والدتها كان كل املها بوالدها الذي تركها بعد مدة قصيرة ورحل الى العالم الآخر " والد تامان طلب اليها قبل وفاته ان لاترتدي ثياب الفتيان لكن الفتاة رفضت وبشكل سمج الاستجابة لرايه وقالت: انها لاتفعل ذلك وانها سترعى المنزل بعد غيابهم ولن تسمح ان تغلق بابهم امام الضيوف .
كان احمد صغيراً عندما قرر والده أن يرسله ليعيش بالجوار من "تامان كل" بعد ان اصبحت وحيدة وهو يقول" منذ الطفولة وأنا اعيش بجوار "تامان كل" وقضيت معها من عمري اكثر مما قضيته مع اسرتي، وفي احدى المرات التي مرضت فيه تامان كل مرضاً شديداً أخذتها الى المشفى في مدينة همدان فكانت الممرضات يعتقدن بان "تامان كل" هي رجل ولم يسمحوا لها بالحصول على سرير في قسم النساء وقد انزعجت لذلك لان الممرضات كن يضحكن ولايصدقن مااقوله ، وبعدما شرحت تفاصيل قصة حياة "تامان كل" لاحد الاطباء صدق كلامي ووافق على السماح لها بالحصول على سرير في قسم النساء.
ولم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة للمرأة العجوز بل شهد "احمد آقا" مواقف كثيرة عندما تذهب الى المصرف ويطالبونها بالجنسية يرون انها في الجنسية مؤنثة وظاهرها يشبه الرجال فكانوا يصابون بالذهول " ولعدة مرات اتوا اصدقائي الى منزلنا وفي كل مرة يرون فيها خالتي ينادونها" حاج آقا" حتى في احدى المرات قلت لهم انها خالتي ذهلوا ولم يصدقوا ذلك لانهم كانوا ينظرون اليها بعين الرجل.
هيئة نسائية وثياب رجولية
حتى نهاية فترة الطفولة كان والد "تامان كل" هو الذي يشتري لها ثياب الصبيان لكنها بعدما بلغت مبلغ النساء كانت هي التي تشتري لنفسها الثياب قال أحمد آقا " لم تلمس قط أي نوع من الثياب النسائية وفي تلك الفترة التي لم يكن هناك حمامات في المنازل كانت النسوة يذهبن الى الحمام العمومي فلم يسمحوا الى "تامان كل" لدخول الحمام لانهن كانوا يعتبرونها رجلاً.
وفي البدايات - يعني قبل وفاة والدها كانت "تامان كل" تظفر شعرها وكانت تسقطه من تحت القلنسوة على كتفها، لكن والدها لم يسمح لها بان تفعل ذلك وأمرها بأن تقص شعرها والآن يمكن مشاهدة الشعر الابيض للمرأة العجوز وبوضوح من اطراف القلنسوة المصنوعة من الصوف وهي لاتملك سوى طقمين من الثياب البالية ، وقبل هذا الوقت كانت اوضاعها المالية ميسرة لكن حدثت امورا بعد وفاة والدها أدت الى افلاسها وهي الآن تشغل نفسها برعاية الخرفان الخمسة التي لديها.
وكانت في تلك الفترة من حياة والدها ذات وجاهة "لقد كان والدي عمدة البلد وكان اولاد البلدة يعملون لدى والدي، وكان والدي صارماً الى درجة انه لم يكن يجرء احدهم ان يمسني بكلمة سوء "
ولهذا السبب وبعد مضي عدد من السنين على وفاة والدها مازال رجال القرية يحترمونها ويقدرونها واذا شاهدوا انها تحمل على ظهرها متاعاً ثقيلاً يسارعون الى نجدتها لكن" تامان كل" لاتظهر هذه الايام كثيراً في القرية بسبب كبر سنها والآلام التي في ظهرها ، اما اذا سنحت لها الفرصة للخروج الى القرية فانها ستلتقي في المجالس الرجولية وتناقش معهم اوضاع البلدة ومسائل اخرى.
ومن النادر ان تشترك "تامان" بالمجالس النسوية وحتى اذا حصلت مناسبات عامة كمجالس العزاء والفرح فانها تشترك مع الرجال في مجالسهم وعلى الرغم من ان العيش كرجل كان صعباً وصاحب ذلك مشاكل بالنسبة الى "تامان كل" لكنها غير نادمة على ذلك لانها ترى بان تقمصها لشخصية الرجل لايزعجها برغم من ان ذلك حرمها من الزواج.