
شبكة تابناك الاخبارية: عندما يتكلّم رئيس الموساد الإسرائيليّ (الاستخبارات الخارجيّة) عن أيّ حدثٍ يتعلّق بإسرائيل، فإنّ الجمهور الإسرائيليّ، على جميع روافده وشرائحه يأخذ أقواله على محملٍ من الجد، فالموساد بالنسبة للإسرائيليين من ألفهم حتى يائهم هو أسطورة، وقائدة، كائنًا مَنْ كان هو بطل قوميّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ.
ومئير داغان، الذي يتفاخر بأنّه كان يفصل رأس الفلسطينيّ عن جسده ويرفض أسر المُعتقلين، داغان، رئيس الموساد السابق، الذي قال إنّه تلقّى هدايا ثمينة من زعماء عرب، بما فيها سيوف مُرصّعة بالذهب، وهو يتمايل كالطاووس في مكتبه، داغان قرر أنْ يتولّى مهمّة توجيه الانتقادات اللاذعة لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، فهو لا يُمكن اتهامه بأنّه هجومه يصحب في طيّاته دوافع سياسيّة، فالرجل، عمل تحت إمرة نتنياهو أكثر من سنتين، قبل أنْ يُنهي مهّام منصبه.
في الأسبوع الماضي أدلى بحديث صحافيّ لـ(يديعوت أحرونوت) هاجم فيه بشدّةٍ غير مسبوقة زيارة نتنياهو للولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وقال فيما قال إنّه، أيْ نتنياهو، ألحق بإسرائيل أضرارًا إستراتيجيّة كبيرة.
ولكن، على ما يبدو، يعرف داغان ما لا يعرفه الكثيرون، وهذا ما يُفسّر قبوله الإدلاء بمقابلة مطولةٍ أمس الجمعة للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ بهدف تقييم خطاب نتنياهو في الكونغرس وتداعياتها وتبعاتها على العلاقات الإستراتيجيّة مع الحليفة، أمريكا. داغان، كعادته، أطلق العنان للسانه السليط، ولم يُخف توجسّه وقلقه الشديدين من مصير إسرائيل، إذا بقيت تحت قيادة نتنياهو، الذي برأي رئيس الموساد السابق يقودها إلى دولة ثنائية القوميّة، لا بلْ أكثر من ذلك، إلى دولة عزل عنصريّ، وهما الأمران اللذان يرفضهما داغان، لأنّه، بحسب أقواله، يُريد أنْ يعيش هو وأحفاده في دولةٍ يهوديّة وديمقراطيّة، على حدّ وصفه.
وفي المقابلة الجمعة قال داغان، الذي يُقلل جدًا من الإدلاء بأحاديث صحافيّة: أعتقد أنّ نتنياهو سبب أضرارًا جسيمة لإسرائيل، مُشدّدًا على أنّه خلال فترة تولّيه منصب رئاسة الوزراء ارتُكبت أخطاء كبيرة وجسيمة وفادحة.
أمّا فيما يتعلّق بخطاب رئيس الوزراء نتنياهو في الكونغرس الأمريكيّ، فقال رئيس الموساد السابق: نتنياهو لم يحصل على أسيّ شيء ولم يجن أيّ شيء، فهو لم يتمكّن من تحقيق هدفه المُعلن بتغيير مواقف أولئك الأمريكيين، الذين يقومون بإدارة المفاوضات مع إيران حول البرنامج النوويّ للأخيرة، بل بلْ أكثر من ذلك، أضاف: لقد سبب نتنياهو أضرارًا كبيرةً، وشعرت أنّ خطابه كان مُوجهًا للآذان الإسرائيليّة، من أنْ يكون موجهًا للأمريكيين.
ولفت إلى أنّه لو قام نتنياهو بعد يوم واحد من الانتخابات بزيارة لرؤساء الصين، روسيا، ألمانيا، فرنسا وبريطانيا، وبعد ذلك إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس أوباما، لكان وصل وهو نظيف، على حدّ وصفه. وقال داغان أيضًا للتلفزيون إنّه وخلال الاستماع لخطاب نتنياهو دحض كلّ ما ورد فيه، تقريبًا كلّ كلمة، وذلك يشمل فيما يشمل، على حدّ قوله، الفترة الزمنيّة لوصول إيران إلى القنبلة الذريّة، وأيضًا بالنسبة للقدرات الصاروخيّة التي تمتلكها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، هذا إذا وصلت إلى القدرات التي تحدّث عنها نتنياهو. وبرأي داغان، فإنّ أقوال نتنياهو بأنّ إسرائيل تملك القوّة للدفاع عن نفسها، فهي تعبير صريح عن تهديد من قبله للتوجّه للخيار العسكريّ، حسبما ذكر.
وحل العلاقات الشخصيّة المُترديّة بين الرئيس أوباما ونتنياهو قال رئيس الموساد السابق إنّه بما أنّ الزعماء هم من بني البشر، فبطبيعة الحال، فإنّ البعد الإنسانيّ هو عامل مُهّم جدًا. القدرة على التحدّث بحميمية بينهما، وثقة كبيرة ومتبادلة بينهما هما عاملان حساسّان جدًا للعلاقات بين الدولتين، وشدّدّ على أنّ العلاقات الشخصيّة بين رئيس الوزراء الإسرائيليّ وبين الرئيس الأمريكيّ تؤثر كثيرًا على اتخاذ القرارات.
علاوة على ذلك، عبّر داغان عن خشيته العميقة من استمرار تسلّح إيران: لإسرائيل تقريبًا لا يُمكن أنْ تعيش مع قنبلةٍ نوويّةٍ إيرانيّة، وما زالت الطريق مفتوحة لوقف هذا التقدّم، وهناك العديد من الطرق لفعل ذلك، قال داغان دون أنْ يُفصح أكثر. أمّا فيما يتعلّق بإمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ انفراديةٍ لإيران بهدف تدمير برنامجها النوويّ، فقال داغان أعتقد أننّا وصلنا إلى حدّ الجنون.
ولفت التلفزيون إلى أنّه في فترة داغان رئيسًا للموساد، تمّ بحسب مصادر أجنبيّة اغتيال العديد من علماء الذرّة في طهران، وبالتالي سُئل هل تصفية العملاء أدّت إلى تأخير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، قال دون أنْ يتطرّق إلى الاغتيالات بعينها، قال: عندما تتّم تصفية عملاء ذرّة فهذا يخلق الشعور لدى هذه المجموعة، بأنّ قدرته أنْ يكون جاهزًا ومتورطًا في مثل هذه البرامج، ستكون أكثر محدودة.
وكشف النقاب داغان لأوّل مرّة عن أنّه في السنتين الأخيرتين لعمله في الموساد، وخلال مُشاركته في الاجتماعات مع نتنياهو ومع وزير الأمن آنذاك، إيهود باراك، توصّل إلى نتيجة بأنّ الاثنين قد قررا اتخاذ القرار بالهجوم العسكريّ ضدّ إيران، كانا أكثر من قريبين لذلك، واعتقدت في تلك اللحظات أننّا وصلنا إلى حدّ الجنون، ذلك أنّه في تلك الفترة، أعلن جميع قادة الأجهزة الأمنيّة في إسرائيل عن مُعارضتهم لقيام إسرائيل بتنفيذ الهجوم ضدّ إيران، ولكن مع ذلك، شعرت بقلقٍ شديدٍ أننّا أمام توجيه ضربة عسكريّة، قال داغان للتلفزيون الإسرائيليّ.
وتطرّق داغان إلى القضية الفلسطينيّة وقال: ماذا جنينا من الحرب الأخيرة على غزّة؟ لا شيء. لم نتمكّن من قهر حماس، وكلّ ما توصلّنا إليه بعد خمسين يوم من الحرب هو تهدئة، تقوم حماس بخرقها متى شاءت. وبالتالي، شدّدّ داغان، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، اعتبار عملية (الجرف الصامد) إنجازًا.
المصدر: امجاد العرب