۲۵۸مشاهدات
طبعا لم تكن الوجوه متجهمة خلال اللقاء الحواري الاول بين حزب الله وتيار المستقبل، فهي ليست المرة الاولى التي تلتقي فيها شخصيات من الجانبين، فهم جنبا الى جنب في مجلس الوزراء، ويجلسون على مقاعد متقابلة في مجلس النواب.
رمز الخبر: ۲۴۵۵۷
تأريخ النشر: 25 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : يتبادلون اطراف الحديث في الاماكن العامة والخاصة، وهذا الامر لم يتوقف حتى في زمن التوترات الكبرى. ولذلك فان تبرير منع تصوير الجلسة الافتتاحية ومنع وسائل الاعلام من تغطيتها، بالقول ان ذلك يعطي طابعا جديا للحوار بعيدا عن «البهرجة الاعلامية الاستعراضية»، غير مقنع بتاتا، فالبناء على هذه النظرية يتناقض مع «الف باء» الحوارات والمفاوضات السياسية حول العالم سواء كانت بين الخصوم او الاعداء او الحلفاء، حيث للصورة وقع مختلف ومغاير عما سواها، اما «تلطيف الاجواء» بتسريب قائمة «الخبز والملح» بين الجانبين والحديث عن «الفراكة» «والزعفران» «والسمك»، فهو لا يعوض اهمية وقع صورة ابتسامة الحاضرين على الرأي العام وكان بالامكان توظيفها في تخفيف الاحتقان المذهبي باعتباره البند الاهم الذي يتصدر جدول اعمال الحوار بين الجانبين. اذا لماذا غابت الصورة؟

اوساط سياسية متابعة لهذا الملف، تشير الى أن راعي الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري وقف عند «خاطر» تيار المستقبل في هذه النقطة «الشكلية» رغم اهميتها، فبالنسبة الى حزب الله لا شيء يدعوه الى «الخجل» في خروج صور اللقاء الى العلن، ومنذ اليوم الاول لطرح المبادرة الحوارية ابلغ المعنيين انه مستعد للذهاب الى الحوار دون اي شروط مسبقة، ففي المضمون خياراته الاستراتيجية واضحة، ومواقفه من الملفات السياسية والامنية غير قابلة للتأويل، والاهم من كل ذلك لا يعاني من اي ازمة مع «شارعه» الذي ينظر بعين الرضى الى هذا الحوار باعتبار ان «التيار الازرق» هو من تراجع عن سياسة «القطيعة» وهو من تخلى عن «شروطه التعجيزية» للتواصل مع الحزب، ورمى خلفه كل الشعارات المتعلقة بقتال حزب الله في سوريا، وغيرها من «السقوف العالية» التي ثبت عدم واقعيتها. ومن هنا فان قيادة الحزب التي تجاوزت مسألة المضمون، لم تكن في وارد رفض علنية الجلسة الحوارية الاولى ، فالصورة هنا اكثر من مفيدة وتدعم موقف حزب الله الذي أجبر «خصومه» على الاقرار التدريجي بعدم القدرة على تجاوزه واضطروا اخيرا للجلوس معه في غرفة واحدة، وهذا بحد ذاته انجاز يسجل في خانة الحزب الذي نجح قبل مدة في اسقاط استراتيجية «العزل» من خلال «الشراكة الحكومية»، واليوم يدخل الى الحوار وفق جدول اعمال لا يمس اي من ثوابته. ويبقى السؤال اين أزمة المستقبل مع «الصورة»؟

برأي تلك الاوساط، فان الازمة الحقيقية تكمن في حاجة «التيار الازرق» الى مزيد من الوقت لاقناع جمهوره بانه اتخذ خيارا صحيحا في بدء الحوار مع حزب الله، فحتى الان لم تنجح قيادة المستقبل في تقديم اي حجة منطقية تفسر التراجع عن كل الشعارات السابقة التي كانت تمنع الجلوس على «طاولة» واحدة مع الحزب، وحتى الان لم يفهم الجمهور وكذلك بعض القيادات الرئيسية والفاعلة على ماذا يدور الحوار اذا كانت جل النقاط الخلافية خارج سياق التفاوض، ولم يفهم هؤلاء ايضا اين ذهب «شعار» عدم التطبيع مع حزب الله لعدم اعطائه غطاء لتدخله في سوريا؟ ولذلك يحتاج تيار المستقبل الى تسويق استراتيجيته الجديدة عبر جرعات مخففة كي لا يكون وقع هذا التحول كارثيا على قواعده الشعبية. وقد تكون تجربة وزير الداخلية نهاد المشنوق مع «الصورة» الاكثر الهاما للوفد المستقبلي في تجنب وسائل الاعلام، فحتى يومنا هذا ما يزال الوزير يعاني من تبعات «الصورة» التي جمعته على طاولة مجلس الامن الفرعي في وزارة الداخلية، مع رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، ولم تنته هذه «القصة» فصولا بعد، وما يزال يعاني من «صداع» تبعاتها حتى الان. ولذلك فأن تاجيل خروج الابتسامات والحوارات الودية بين الجانبين الى العلن يعتبر امرا شديد الاهمية في الوقت الراهن بانتظار ان يتم تطويع الرأي العام «الازرق» مع الواقع الجديد، فسقوط «زيف» الشعارات بالصوت والصورة له وقع اشد ايلاما اذا ما حصل دفعة واحدة، اذا فلا مانع من التقسيط.

طبعا هذا التريث «المستقبلي» في عدم الاندفاع نحو «التطبيع الكامل» مرده ايضا تضيف الاوساط، الى انتظار تبلور الاستراتيجية السعودية غير الواضحة تماما في كيفية استمرار عزل الساحة اللبنانية عن مواجهتها المفتوحة مع ايران، فعلى وقع الخلاف المستمر على سوريا، وعدم وضوح «الصورة» في العراق، ودخول «سلاح» النفط على خط الازمة، تحاول المملكة بلورة استراتيجيتها لمواجة الاخطار القادمة من اليمن، في ظل عجز متمادي في التدخل الفعال هناك بعد ان سيطر الحوثيون على باب المندب، بوابة الساحل الغربي السعودي للقارة الآسيوية، لكن الاكيد ان السعودية لن تستطيع ان تبقى مكتوفة اليدين، ومن الواضح انها تراهن على تشكيل تحالف قبائلي تدعمه بالمال والسلاح، والنتيجة ستكون دخول اليمن في اتون الصراع الإقليمي مع إيران.

وعلى خط مواز تعمل السعودية على اعادة أحياء مشروع «الهلال السني» من خلال تعزيز علاقات التكامل مع مصر والاردن، وهذا ما يفسر طلب العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز من الملك عبدالله الثاني زيارته في الرياض مباشرة بعدما إلتقى الأخير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عمان وعقد معه جلسة مباحثات مغلقة، وفي هذا الاطار ترغب المملكة في عقد علاقة تحالف أمنية سياسية بين دول الخليج والأردن ومصر لمواجهة النفوذ الإيراني، او ما اصطلح على تسميته «الهلال الشيعي».

وفي هذا السياق تقول المصادر ان السعودية تخوض سباقا مع الوقت لمنع الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، وثمة شعور كبير بالقلق من الادارة الاميركية الراهنة، فانفتاح الرئيس الاميركي باراك اوباما على كوبا، اثار «ريبة» السعوديين وزاد من منسوب «الهلع»، فهذا التحول في السياسة حيال كوبا لم يكن برأيهم بفعل اقتناعه بـ«اخفاق» سياسة العزلة والعقوبات على مدى نصف قرن، والخشية ان يتكرر المشهد مع ايران، ولا تستبعد المملكة ان ترى بعد بضعة اشهر خطابا متزامنا لاوباما مع الرئيس الايراني حسن روحاني يعلنان فيه تطبيع العلاقات بين البلدين. فبالنسبة الى السعوديين فان التزامن بين مفاوضات جنيف والاعلان عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع خصم قديم مثل كوبا، يوحي الى ايران بمدى استعداد اوباما لاتخاذ قرارات حاسمة في حال التوصل الى اتفاق على البرنامج النووي الايراني. واختار اوباما كوبا لانها الحالة الاقرب الى الحالة الايرانية، فهو يواجه معارضة قوية من الكونغرس الجمهوري لاقامة علاقات طبيعية مع كوبا، كذلك هو الحال مع ايران. ومن خلال السيناريو الكوبي بعث برسالة واضحة تفيد انه مستعد لخوض مواجهة مع الكونغرس دفاعا عن تطبيع العلاقات مع طهران.

هذه التطورات تفيد، تقول الاوساط، بأننا ذاهبون الى وضع اقليمي شديد التعقيد، فالسعودية في حالة ارباك شديد، وصراعها المفتوح مع ايران يلقي بظلاله على الحوار بين حزب الله والمستقبل، ولا احد يملك اجوبة واضحة عما يمكن ان تؤول اليه الامور على الساحة اللبنانية اذا ما ازدادت الامور تعقيدا في الاقليم. طبعا هذه المخاوف واحتمالات المراوحة او حتى الفشل تدفع الرئيس بري الى مراعاة «الهواجس» المستقبلية، ومن جهة اخرى هو يحتفظ «بالصورة» «كسلاح استراتيجي» قد يضطر لاستخدامه يوما للتعويض عن ضآلة النتائج المحققة على «الطاولة الحوارية».
المصدر : الديار
رایکم
آخرالاخبار