۲۴۷مشاهدات
لم يعد الأمن وحده هو الهاجس الأول الذي يقلق الإسرائيليين ويقض مضاجعهم، ويخيف قادة المشروع الصهيوني وأربابه ويربكهم، وإن كان هو العنوان المطروح دوماً، والحاضر أبداً.
رمز الخبر: ۲۴۴۹۰
تأريخ النشر: 22 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : لم يعد الأمن وحده هو الهاجس الأول الذي يقلق الإسرائيليين ويقض مضاجعهم، ويخيف قادة المشروع الصهيوني وأربابه ويربكهم، وإن كان هو العنوان المطروح دوماً، والحاضر أبداً، والأكثر حضوراً في كل المراحل، والأكثر حاجةً والحاحاً لدى المستوطنين والمسؤولين، فهو الشعار المعلن، والذريعة المرفوعة دائماً لتبرير أي سلوك، وتفسير أي اعتداء، وهو الوسيلة المقبولة للحصول على السلاح والمساعدات، وتأمين المعونات العسكرية والأمنية، وضمان التأييد السياسي والحماية الدولية، وقد كان العامل الأهم في جلب المستوطنين والمهاجرين الجدد إلى فلسطين المحتلة، طلباً للأمان، وسعياً وراء رفاهية العيش واستقرار الحياة.

فقد كان الأمن وسلامة المستوطنين ومستقبل الوجود، يتصدر اهتمامات قادة الكيان الصهيوني على مدي العقود السبعة الماضية كلها، وعليه كانت تدور كل السياسة الإسرائيلية، وترتبط الاستراتيجية العامة للكيان، فلا يستطيع مسؤولٌ أن يتجاوزه، ولا يقوى رئيس حكومةٍ أو وزيرٍ أن يهمله، فقد كان الأمن يتصدر الأولويات عندهم جميعاً ويتفوق على غيرها، وكان الخوف على وجودهم ومستقبل كيانهم يرعبهم ويفزعهم، ويشعرهم بأن وجودهم في خطر، وأن حياتهم غير آمنة، وأن مستقبلهم غير مضمون، وأن العرب المحيطين بهم، والفلسطينيين المتمسكين بأرضهم، ويعيشون على الأرض نفسها معهم، سينقضون عليهم، وسيجبرونهم على تفكيك كيانهم، والرحيل من بلادهم.

ظن قادة الكيان الصهيوني أن القوة وحدها ستؤمن مستوطنيهم، وستحمي كيانهم من السقوط والزوال، وستثبت في الأرض جذورهم، وستعلي أسوارهم، وستحصن جدرانهم، وأنها ستجعل كيانهم منيعاً محصناً، وقوياً يمتنع على السقوط والهزيمة، وأنه سيكون عصياً في مواجهة الخطوب والأحداث، وأنهم بالقوة وحدها سيخضعون أصحاب الحق وسيسكتونهم، وسيجبرونهم على القبول بالأمر الواقع، والاعتراف بشرعية كيانهم، والقبول بما يمنحهم ويعطيهم، أو بما يجلب لهم ويحقق، وأنهم سيرضون بذلك اعتقاداً منهم أنهم أضعف من أن يواجهوا الكيان وجيشه، وأعجز من أن يهزموه ويدحروه، فما لدى الكيان من أسلحةٍ وقدراتٍ وامكانياتٍ أكبر من أن تهزمها مقاومة، أو أن تكسرها إرادة.

لكن الجديد الذي فاجأ أركان الكيان الصهيوني وأرعبهم، وجعلهم يفكرون جدياً أمام مخاطره وأبعاده، وأنه سيكون عليهم أشد خطراً من فقدان الأمن، وغياب سبل ووسائل السلامة، وأنه سيكون العامل الأهم في تفكيك مشروعهم، وانتهاء حلمهم، وهروب مواطنيهم، وعزوف أبناء دينهم، وجفاف معينهم البشري الكبير في الشتات، كان ضعف الشعور القومي لدى الإسرائيليين، وفتور العاطفة الدينية والعقائدية لدى أجيالهم الجديدة، وتلاشي الأمل لديهم في أرض الميعاد، واستعادة الهيكل الثالث المزعوم، وبداية التفكير المادي لدى الكثير منهم في العيش الآمن، والحياة الرغيدة، والبعد عن مناطق التوتر وبؤر الصراع، والحفاظ على الحقوق والامتيازات حيث هم، لكونها أفضل وأحسن وأكثر استقراراً وأثبت حالاً.

بدأ المسؤولون الإسرائيليون يشعرون بخطورة ضعف الأمل لدى الإسرائيليين، وأنه سيكون ذا أثرٍ سلبي كبير على مستقبل كيانهم، وأنه قد يضعف وجودهم، ويعجل في أفول نجمهم، وقد كان الإيمان والأمل أهم عاملٍ في تشكيل كيانهم، وتجميع شتاتهم، وتشجيع أتباعهم، وربطهم "بأرض الأجداد، وممالك الأنبياء"، وهو الذي شكل وبنى لديهم جيلاً من اليهود العقائديين الذين يؤمنون بقدسية الحرب، وبوعد الرب، وبالعودة الآخرة، والهيكل الثالث، والاستعلاء الكبير.

لكن الأجيال اليهودية الجديدة يتنازعها أكثر من عاملٍ يهدد المشروع الصهيوني، ويضعف قوته، ويزعزع أركانه الأساسية الأولى، منها الأمن نفسه الذي كان محط اهتمام الإسرائيليين قديماً، وعنوان حركتهم وهجرتهم الأولى، فقد شعر الإسرائيليون أن أمنهم قد أصبح في بعدهم عن الكيان، وأن سلامتهم في العيش بعيداً عما يسمونه في توراتهم بالأرض الموعودة، وأن مستقبلهم وأولادهم في أوروبا وأمريكا، وفي روسيا وأوكرانيا وغيرها، حيث النفوذ الصهيوني الكبير، والرساميل اليهودية الضخمة، والمصالح التجارية، والمشاريع الاقتصادية، والمستقبل المفتوح، والأمل الكبير في حياةٍ آمنةٍ، لا تتخللها حروب، ولا يكتنف مصيرهم فيها الغموض، ولا يعترض حياتهم مخاطرٌ وكروبٌ.

وتأكيداً على هذا الهاجس، يقول عامي أيالون الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، "إنّ التحدي الحقيقي لإسرائيل اليوم، هو القدرة على خلق جماعة صهيونية مؤمنة، بهدف إنتاج الأمل من جديد بدلاً من الخوف العام"، ولعله ليس الوحيد الذي تنبأ بخطورة فقدان الأمل لدى الأجيال اليهودية الطالعة، التي بات أكثرها يهتم بمصالحه ومستقبله، ويعيش همومه اليومية الذاتية، ويفكر في متعلقاته الشخصية، ويعيش لعشيقته ويفكر في متعته، ويبحث عن المسليات ووسائل الترفيه وسبل الراحة، ويقضي على النت ساعاتٍ طويلةٍ يكسب صادقاتٍ ويتبادل الأفكار الآراء.

فقد انتبه غيره من رواد المشروع الصهيوني إلى خطورة ما يواجهه مشروعهم، فانصب جهد المفكرين والمسؤولين، والاستراتيجيين والمخططين، خلال ندواتٍ كثيرة ومؤتمراتٍ جامعة، داخل فلسطين المحتلة وخارجها، شارك فيها إلى جانب المفكرين طلابٌ وطالباتٌ، ويهودٌ مقيمون وآخرون زائرون، على ضرورة بذل المزيد من الجهود لاستنهاض الأمل من جديد، والعمل على بعثه مرةً أخرى، لكن ليس من بوابة الأمن، والخوف على مستقبل اليهود من مصيرٍ مجهولٍ أو محرقةٍ أخرى، أو طردٍ أشمل، بل من جوانب أخرى، لعل أهمها هو الجانب الديني العقائدي، الذي يبقى ولا يندثر، ويعيش ولا ينتهي، وإن كان يضعف ويتراجع في بعض الأحيان.

ترى هل يتمكن الإسرائيليون من تحصين كيانهم من جديد، واقناع أجيالهم مرةً أخرى أن فلسطين هي الأرض الموعودة، وأنها مملكة بني إسرائيل، وأنها الأرض التي أقطعها الرب لأنبيائهم وملوكهم السابقين، وأنه ينبغي العمل على إبقائها، والحفاظ على وجودها، أم أن الأمل فعلاً قد ضعف، والعقيدة قد تراجعت، والإيمان قد خبا، وأن المصالح قد تقدمت، والهموم الشخصية قد طغت وهيمنت، في الوقت الذي تعاظمت فيه العقيدة لدى الفلسطينيين، وتعمق الأمل في نفوسهم أكثر، وهم أصحاب الحق وملاك الأرض، وأن أجيالهم الجديدة أشد تمسكاً وأعظم إيماناً بحقها من السابقين والراحلين.

دبلوماسية الغاز والطاقة الإسرائيلية

أصبح لدى الكيان الصهيوني حقولٌ اقتصادية من الغاز الطبيعي والنفط، تكفي أسواقه الداخلية، وتزيد عن حاجته، مما يجعل منه مُصَدِّراً للطاقة في المنطقة، بعد أن كان مستورداً لها، ومضطراً للبحث عنها في الأسواق القريبة والبعيدة، وقد كان يعاني من ارتفاع أسعارها، واضطراب أسواقها، ويخشى من تعثر وصولها إليه، خاصةً الغاز المصري، الذي كان يحصل عليه بأسعارٍ تفضيليةٍ خاصةٍ، بموجب اتفاقياتٍ سرية نصت عليها اتفاقية كامب ديفيد للسلام، تجيز له شراء الغاز المصري بأقل من كلفة انتاجه، بغض النظر عن أسعاره العالمية، ولكن تكرار ضرب وتفجير أنابيب الغاز في سيناء، أدى إلى اضطرابٍ كبيرٍ في شؤونه الاقتصادية، وانعكس على حاجة مواطنيه من الغاز الطبيعي.

اليوم يشعر الكيان الصهيوني أنه بات حراً طليقاً من قيود الطاقة المصرية وغيرها، ولن يكون مرتهناً لها، وخاضعاً لتقلباتها، ومتأثراً بأحداثها، كما لن يشكو من المظاهرات الشعبية المصرية، ولا من الشكاوى والمحاكم التي ترفع ضد صفقات الغاز معه، في محاولةٍ لإبطالها، ووقف ضخ الغاز إليها، وهو ما عانى منه كثيراً، نتيجةَ حاجته الدائمة والملحة، ومصادره المصرية الحصرية، التي استقرت لعقودٍ ولكنها اضطربت كثيراً في السنوات الأخيرة، منذ ما قبل سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، أما المصادر الأخرى فهي بعيدة ومكلفة، ويلزم لتوفيرها صفقاتٌ دائمة ومتجددة، واستعداداتٌ حاضرة ومبكرة.

بات لدى الإسرائيليين حقولٌ بحرية غنية بالغاز، ذات مخزونٍ عالي، يكفي لسد حاجاتها ويفيض، مما يمكنهم من بيعه إلى دولٍ تحتاجه، ويجعلهم في موقعٍ يمكنهم من المساومة والابتزاز، وفرض الشروط والسياسات، فقد أبدت الحكومة الإسرائيلية استعدادها لتزويد مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بما يحتاجونه من غازٍ طبيعي، وسمحت للوزارات المختصة بمفاوضة من يبدي رغبةً في شراء الغاز منها، في الوقت الذي تقوم فيه وزارة الخارجية برسم السياسات الخارجية للدولة العبرية، محاولةً استخدام الطاقة التي توفرت لها أخيراً، في تنفيذ برامجها وخططها في علاقاتها الخارجية مع الدول، وخاصةً العربية منها، التي تفتقر إلى الطاقة، وتبحث عن أسواقٍ قريبةٍ، وأسعارٍ مغرية، وهو ما ترغب الحكومة الإسرائيلية في عرضه وحسن تسويقه. 

فقد أفاد المراسل الصهيوني "كاليف بن دفيد" أنّ الحكومة الإسرائيلية تعمل حاليّاً على اللجوء لترويج مخزونها من الغاز الطبيعي، لإصلاح علاقتها مع الدول المجاورة والصديقة القديمة والمعادية، من بينها قطاع غزة، لافتاً إلى أنّ الحرب الأخيرة ضد غزة أطاحت بسمعة "إسرائيل" على المستوى الدولي، وهي الآن تعمل على إعادة تحسين الصورة عبر استخدام الغاز الطبيعي، وإمكانية ترويجه للدول المجاورة والصديقة بأسعار منافسة.

وتوقع "بن دفيد" أن يشهد نهاية العام الجاري توقيع اتفاقياتٍ ملزمة بمليارات الدولارات تكون أطرافها رام الله وعمَان والقاهرة، بالإضافة إلى أنقرة التي أجرت محادثات مبدئيّة حول الغاز الطبيعي، معتبراً أنّ أمام "إسرائيل" فرصة اقتصاديّة ودبلوماسية فريدة تعتمد على سياسة الوقود والطاقة، باعتبارها تلعب بقوة في قواعد اللعبة السياسيّة القائمة على المصالح المشتركة، بما فيهم الأتراك الذين ليسوا على وفاقٍ مع "إسرائيل".

وأضاف أنّ لدى "إسرائيل" حقلين ضخمين للغاز الطبيعي يجثمان في قاع البحر المتوسط، يمكن لهما أن يصنعا فرصاً رائعة لديها، من خلال بناء شبكة علاقاتٍ جديدةٍ، أو إعادة بنائها مع دولٍ مستمرةٍ بعدائها لإسرائيل منذ إعلان قيامها قبل 66 سنة، علماً أن البحث عن حقولٍ أخرى ما زال جارياً، والتوقعات كبيرة، وقد تكون النتائج مبهرة، الأمر الذي سيزيد من فرص إسرائيل لتحسين اقتصادها، وتطوير علاقاتها مع دول الجوار.

الدول العربية تملك الآلاف من حقول النفط والغاز، ولديها مخزونٌ يكفي لعقودٍ أخرى من الزمن، ويكاد يكفي انتاجها الكون كله، وما قد انتجته على مدى العقود العشرة الماضية، يكاد يكون أضعاف المخزون الاستراتيجي الكوني من النفط، لكن الحكومات العربية لم تحسن الاستفادة من هذه الثروة، فلا هي نهضت بأحوال مواطنيها، ولا هي أغنتهم عن الحاجة والعوز، ولا هي عمرت بلادها، وارتقت بشؤون أوطانها، كما أنها لم تستفد من الأسعار المهولة للنفط والغاز في بناء قوتها العسكرية، وامتلاك القدرات الدفاعية والهجومية، ولا في تأسيس جيوشٍ قادرةٍ على حماية حدودها وأمنها.

كما أنها فشلت في توظيف قدراتها المهولة في الطاقة، في بناء شبكةِ علاقاتٍ استراتيجية، تخدم مصالحها الوطنية والقومية، ولم تستطع أن تجعل من النفط والغاز سلاحاً تضغط بهما على صناع القرار الدولي، ليتوقفوا عن دعم الكيان الصهيوني ومناصرته، ولمنعه من الاعتداء ومواصلة الاحتلال واغتصاب الأرض والحقوق، بل إن منها من يزود الكيان الصهيوني بالنفط والغاز، الذي يلزم لتشغيل الطائرات الحربية، والدبابات القتالية، وغيرها من الأسلحة التي باتت تعمل بوقود العرب.

الإسرائيليون وجدوا في حقلي النفط اليتيمين فرصةً لأن يحسنوا اقتصاد كيانهم، وينهضوا بشؤون مستوطنيهم، ويطوروا معيشتهم، ويستغنوا بهما عن ذل الحاجة، وبؤس السؤال، فضلاً عن استغلال مخزونها في بناء أوسع شبكة علاقاتٍ مع دول الجوار، والتأثير عليها للخضوع لها، أو القبول بشروطها، وإنهاء حالة العداء معها، ولتتمكن من تحسين صورتها، وترميم علاقاتها مع المجتمع الدولي، التي أصابها العطب والتشوه، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم ومقدساتهم.

يحق للكيان الصهيوني في ظل الاستخذاء العربي، أن يفاخر بحقول الغاز التي اكتشفها، علماً أنها ليست لهم، ولا يحق لهم استغلالها، ولا الاستفادة منها، إنما هي حقٌ للشعب الفلسطيني، فهو صاحب الأرض، ومالك الحقول، والمتصرف في مياهه الإقليمية، وصاحب الحق الحصري في الثروات الجوفية، من ماء ومعادنٍ ونفطٍ وغاز، لكن الاحتلال الصهيوني الذي اغتصب الأرض وشرد الشعب، لا يُسألُ عما يسرق ولا ما ينهب، فقد استباح كل الحقوق، ونهب كل الخيرات، وما زال يمضي في السلب والسرقة والقضم والاستيلاء.

د. مصطفى يوسف اللداوي
المصدر : وانا + وكالات
رایکم