
شبكة تابناك الاخبارية: حینما اجتمع القسیسون والرهبان ، وکان لهم عالم یقعد لهم کل سنة مرة یوماً واحداً یستفتونه فَیُفتیهم .
عند ذلک لَفَّ الإمام الباقر ( علیه السلام ) نفسه بفاضل ردائه ، ثم أقبل نحو العالِم وقعد ، ورفع الخبر إلى هشام .
فأمر بعض غلمانه أن یحضر الموضع ، فینظر ما یصنع الإمام ( علیه السلام ) .
فأقبل وأقبل عدد من المسلمین فأحاطوا بالإمام ( علیه السلام ) ، وأقبل عالِم النصارى وقد شَدَّ حاجبیه بخرقه صفراء حتى توسطهم ، فقام إلیه جمع من القسیسین والرهبان یُسَلِّمون علیه .
ثم جاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فیه ، وأحاط به أصحابه والإمام ( علیه السلام ) بینهم ، وکان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصادق ( علیه السلام ) .
فأدار العالِم نظره وقال للإمام ( علیه السلام ) : أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( من هذه الأمة المرحومة ) .
فقال العالِم : من أین أنت ، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟
فقال الإمام ( علیه السلام ) : ( لَستُ من جُهَّالها ) .
فاضطرب اضطراباً شدیداً ، ثم قال للإمام ( علیه السلام ) : أسألک ؟
فقال (علیه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : من أین ادَّعَیتم أن أهل الجنة یأکلون ویشربون ، ولا یُحدِثون ولا یبولون ؟ وما الدلیل على ذلک من شاهدٍِ لا یجهل ؟
فقال الإمام ( علیه السلام ) : ( الجَنِین فی بطن أمه یأکل ولا یحدث ) .
فاضطرب النصرانی اضطراباً شدیداً ، ثم قال : هلا زَعمتَ أنَّک لست من علمائها ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( وَلستُ من جُهَّالها ) .
وأصحاب هشام یسمعون ذلک .
ثم قال : أسألک مسألة أخرى .
فقال ( علیه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال النصرانی : من أین ادَّعیتم أن فاکهة الجنة غضَّة ، طریَّة ، موجودة غیر معدومة عند أهل الجنة ؟ وما الدلیل علیه من شاهد لا یجهل ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( دَلیلُ ما نَدَّعیه أن السِّراج أبداً یکون غضاً ، طریاً ، موجوداً غیر معدوم عند أهل الدنیا ، لا ینقطع أبداً ) .
فاضطرب اضطراباً شدیداً ، ثم قال : هَلاَّ زعمتَ أنَّک لستَ من علماءها ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( ولستُ من جُهَّالها ) .
فقال النصرانی : أسألک مسألة أخرى .
فقال ( علیه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : أخبرنی عن سَاعَة لا من ساعات اللَّیل ولا من ساعات النهار ؟
فقال الإمام ( علیه السلام ) : ( هی الساعة التی من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، یَهدَأ فیها المُبتَلى ، ویرقد فیها السَّاهر ، ویَفیقُ المغمى علیه ، جعلها الله فی الدنیا دلیلاً للراغبین ، وفی الآخرة دلیلاً للعالمین ، لها دلائل واضحة ، وحجة بالغة على الجاحدین المتکبرین الناکرین لها ) .
فصاح النصرانی صیحة عظیمة ، ثم قال : بقیت مسألة واحدة ، والله لأسألنَّکَ مسألة لا تهتدی إلى رَدِّها أبداً .
قال الإمام ( علیه السلام ) : ( سَل ما شِئت ، فإنَّک حانِثٌ فی یمینک ) .
فقال : أخبرنی عن مولودین ، وُلِدا فی یوم واحد ، وماتا فی یوم واحد ، عُمْر أحدهما خمسین سنة ، والآخر عُمرُه مِائة وخمسین سنة .
فقال الإمام ( علیه السلام ) : ( ذلک عُزیر وعُزیرة ، وُلِدا فی یوم واحد ، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرین سنة مَرَّ عُزیر على حماره وهو راکبه على بلد اسمُهَا ( انطاکیة ) ، وهی خاویة على عروشها .
فقال : أنَّى یحیی هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مِائة عام ، ثم بعثه على حماره بعینه ، وطعامه وشرابه لم یتغیر ، وعاد إلى داره ، وأخوه عُزیرة وَوِلْدَه قد شاخوا ، وعُزیر شاب فی سِن خمسة وعشرین سنة ، فلم یزل یذکر أخاه وولده وهم یذکرون ما یذکره ، ویقولون : ما أعلمک بأمر قد مضت علیه السنین والشهور .
وعُزیرة یقول له وهو شیخ کبیر ابن مِائَة وخمسة وعشرین سنة : ما رأیت شاباً ، أعلم بما کان بینی وبین أخی عُزیر أیام شبابی منک ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟
فقال یا عُزیرة : أنا عُزیر أخوک ، قد سخط الله علیّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفانی الله وهدانی ، فأماتنی مِائة سنة ثم بعثنی بعد ذلک لتزدادوا بذلک یقیناً ، أن الله تعالى على کل شیء قدیر ، وهذا حماری ، وطعامی ، وشرابی ، الذی خرجت به من عندکم ، أعاده الله تعالى کما کان ، فعند ذلک أیقنوا ، فأعاشه الله بینهم خمسة وعشرین سنة ، ثم قبضه الله تعالى وأخاه فی یوم واحد ) .
فنهض عالِم النصارى عند ذلک قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم : جِئْتمونی بأعلم منّی ، وأقعدتموه معکم ، حتى هَتَکنی وفضحنی ، وأعلم المسلمین بأنه أحاط بعلومنا ، وأن عنده ما لیس عندنا .
والله لا کلمتکم من کلمة واحدة ، ولا قعدت لکم إن عشت بعد هذه ، فتفرقوا
النهاية