شبكة تابناك الاخبارية: في آب الماضي، طار رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان، الى موسكو، وفي جعبته "صفقة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها "لكم النفط والامتيازات، ولنا سوريا كحكم"، كانت تلك خطة الرجل بعد ان عرضها على الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي وافقه على الفور، طالما يتعلق الامر ببضعة مليارات تدفع لشراء "الموقف الروسي" الذي يُعسر ولادة "حل سعودي" تنتظره المملكة بفارغ الصبر لتنقذ نفسها من السقوط المدوي في حال انتصر محور "ايران - سوريا"، غير ان رياح بوتين "الباردة" لفحت وجه القادم من الصحراء، وحرفت سفنه بعيداً، فموسكو اتهمت الرياض وجهاً لوجه بأنها تدعم الارهاب في الشيشان والقوقاز، وعموم الشرق الاوسط وافغانستان.
جعبة الاسرار التي انفتحت سيرتها، عن اللقاء العاصف الذي استمر زهاء اربع ساعات في شقة فاخرة للرئيس بوتين في احدى ضواحي موسكو، بيّنت الخوف الروسي من "الرعونة السعودية"، وما يمكن ان تقوم به في حال رفضت مطالبها كـ"الطفل المدلل" فيحرق المنطقة انتقاماً لنرجسيته.
الاعلان عن مسؤولية هجمة فولغوغراد الانتحارية، اعادت مجددا سيرة لقاء بوتين وبندر. فالاخير ساعتها تبجح بان "المملكة تساهم مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بمكافحة الارهاب"، وانها "تخشى على نفسها من الارهاب ذاته"، غير ان بوتين ردّ بما لا يرضي عقلية "العقال"، حين اتهم صراحة المملكة السعودية برعاية الارهاب مباشرة، بقوله "نحن نعلم بأنكم دعمتم المجموعات الارهابية الشيشانية على مدى عقد من الزمن، وهذا الدعم الذي عبرتم عنه بصراحة قبل قليل لا يتفق أبدا وما تفضلتم به حول الأهداف المشتركة لجهة محاربة الارهاب العالمي".
هنا تداخل بندر مقاطعاً بوتين، بأن المملكة بمقابل هذا الكلام تعرض على روسيا حماية دورة الالعاب الاولمبية في سوتشي التي من المقرر أن تنطلق في السابع من شباط المقبل. ولا تبعد محطة فولغوغراد عن سوتشي سوى 600 كم!
وأسهب بندر باستعراض "منجزات" المملكة في محاربة الارهاب، ومنها الاطاحة بـ"الاخوان المسلمين" في مصر، بوصفهم حكماً "ارهابياً"، وما يمكن ان يلحق بالمملكة من ضرر، ليشدد لبوتين "على سبيل المثال لا الحصر، أنا استطيع أن أعطيكم ضمانة بحماية دورة الألعاب الشتوية في مدينة «سوتشي» على البحر الأسود في العام المقبل. المجموعات الشيشانية التي تهدد أمن الدورة نتحكم فيها ولم تتحرك في اتجاه الأراضي السورية الا بالتنسيق معنا. هذه المجموعات لا تخيفنا. نحن نستخدمها في مواجهة النظام السوري ولن يكون لها أي دور أو تأثير في مستقبل سوريا السياسي".
اعتراف بمثابة الإدانة. امس الاثنين اعلنت جماعة مغمورة وتائهة في "ملكوت التطرف" عن مسؤوليتها بتفجير محطة قطارات فولغوغراد (جنوب روسيا)، وهددت بشن المزيد من الهجمات خلال دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي. فالدورة هذه حتى انتهائها ستكون خاصرة روسيا الرخوة التي ستستغلها الرياض للضغط.
ووفقاً لوكالة نوفوستي الروسية، ان فصيلاً عراقياً ربما يكون خلف الهجمة. وبينت ان شريط فيديو نشر على موقع يوتيوب، ظهر فيه متشددان يتحدثان الروسية، يعرفان بـ"سليمان" و"عبد الرحمن"، ادعيا انها يتبعان جماعة انصار السُنة، وهي جماعة مسلحة تعتنق المذهب السلفي الوهابي تأسست في العراق. وينشط "الانصار" في كركوك على وجه الخصوص.
تشير اقدم المعلومات عن الجماعة، انها تأسست بوحي من جماعة انصار الاسلام الكردية، قبيل الغزو الاميركي للعراق العام 2003، واعتبرت بعدها ثاني او ثالث اكبر فصيل مسلح في العراق، انضمت بعدها الى المجلس السياسي للمقاومة العراقية، (اسس في الرابع من ايلول 2007)، وضم "الجيش الإسلامي في العراق، الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)، حركة المقاومة الإسلامية (حماس - العراق)".
تنظيم انصار السُنة اعلن الانسحاب من المجلس في (السابع من حزيران 2013)، في بيان جاء فيه كتبرير للانسحاب، انه "لاسباب موضوعية لا مجال للخوض فيها، وان الاخوة والولاء باق لكل مسلم مجاهد ناصر لدين الله في المجلس وفي سواه".
لكن ذاك الانسحاب، لم يكن الا مقدمة لاقتتال شرس خاضه التنظيم مع "الفرع العراقي من القاعدة" او ما يعرف بـ"الدولة الاسلامية في العراق والشام"، بينما غمز البعض ان المجلس السياسي حُل بعد ان باتت مجرد تسميات لا وجود لها على الارض.
وأعلنت وزارة الدفاع في 14 أيلول 2013، ان اشتباكات عنيفة جرت بين تنظيم "انصار السُنة" و"الفرع العراقي من القاعد" في بلدتي أم الخناجر والرشاد، استمرت لعدة أيام، ادت الى مقتل 12 مسلحا، ثمانية من أنصار السنة وأربعة من تنظيم القاعدة، فضلا عن إصابة 10 مقاتلين آخرين من الطرفين.
سبب تلك المواجهة، ما تراكم من خلافات، فجر الرصاص فيها، اغتيال قائد صحوة مدينة الرشاد حازم الجوالي، الأمر الذي اعتبرته جماعة أنصار السنة خطأ كبيرا إذ أدت العملية إلى تأليب العشائر ضد تنظيم القاعدة وأنصار السنة. فتبادل الطرفان الاتهامات، ونشب القتال "المتأخر" بينهما.
العميد سرحد قادر مدير شرطة الاقضية والنواحي في كركوك، كشف في 28 تشرين الثاني الماضي، عن ان "معظم أعضاء جماعة أنصار السنة هم من الضباط البعثيين السابقين ولديهم خلافات عميقة مع تنظيم القاعدة بسبب المال والصراع على السلطة في المنطقة".
ووفقاً لمعلومات شرطة كركوك، فان 21 مواجهة مسلحة وقعت بين تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" و"أنصار السنة" في قضاء الحويجة في الأشهر الخمسة الماضية، قُتل فيها أكثر من ثلاثين شخصاً معظمهم من مقاتلي القاعدة، وتشير معلومات الى ان القاعدة والانصار يتقاتلان على تركة من اموال صدام حسين قيمتها (35) مليون دولار تم إخفاؤها واستخدامها بعد عام 2003 في تمويل التفجيرات وأعمال العنف.
ولم تقف الحرب على اقتتال، فعناصر القاعدة سربوا معلومات كثيرة للاجهزة الامنية العراقية في كركوك عن مخططات لهجمات ينوي تنظيم انصار السُنة شنها، ما يجعلهما عدوين لدودين في ارض ضيقة.
وتقول وكالة الانباء الروسية، نوفوسوتي، ان الشخصين اللذين يعرفان بـ"عمر وعبد الرحمن" ويقولان انهما مرتبطان بتنظيم انصار السُنة في العراق، ظهرا مع عدد اخر من الرجال الملثمين على مدى 49 دقيقة، يحضرون الاحزمة الناسفة والمتفجرات للهجمة. وان الفيديو رفع على موقع اليوتيوب يوم السبت الماضي، وظهر للعلن على شبكة الانترنت يوم الاحد الماضي. وفي الشريط كان هناك متشدد ملثم "هدد بشن المزيد من الهجمات، بما في ذلك استهداف بعض الألعاب الأولمبية".
وتشير نوفوسوتي، الى أن الزعيم الشيشاني لإمارة القوقاز، دوكو عمروف، امر في تموز الماضي (قبيل زيارة بندر بن سلطان الى موسكو) بشن هجمات على دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي. وفي الأسبوع الماضي، ادعى الزعيم الشيشاني المدعوم من الكرملين، رمضان قديروف، أن لديه أدلة بأن عمروف قد توفي مؤخرا.
حديث بندر بن سلطان، رجل المخابرات السعودي المرعب، مع الرئيس الروسي بوتين، ربما يعزز من القناعة ان الرياض تقف وراء هجوم فولغوغراد، كتحذير مبطن لروسيا وعقاباً على سياستها المؤيدة للحكومة السورية، فيما أن ادعاء الانتحاريين صلتهم بجماعة عراقية متشددة تمولها السعودية، فيه اكثر من رسالة، مفادها ان المملكة باستطاعتها ان تحرك جماعات ليس في القوقاز وحدها لضرب المصالح الروسية، بل حتى تلك الفاترة والمعزولة في بقعة منسية من الشرق الاوسط.
النهاية