شبكة تابناك الاخبارية: بمناسبة ذكرى حادثة استشهاد وصي رسول الله (ص) وامير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع) في 21 رمضان عام 40 هـ بعد جرحه في مسجد الكوفة بسيف الخارجي عبد الرحمن بن ملجم نستعرض جوانب من سيرة الامام الشريفة وحياته المعطاء لاستلهام الدروس والعبر.
الولادة المباركة:
ولد الامام علي بن أبي طالب (ع) في جوف الكعبة من أبوين هاشميين صالحين هما: أبو طالب عمّ النبي(ص) ومؤمن قريش. وفاطمة بنت أسد بن هاشم.
نشأ الامام علي(ع) في كنف والديه، وبعد سنوات من ولادته المباركة تعرضت قريش لأزمة اقتصادية خانقة كانت وطأتها شديدة على أبي طالب إذ كان رجلاً ذا عيال كثيرة، فاقترح النبي(ص) أن يأخذ علي (ع) ليخفّف العبء عن أبي طالب (ع)، وكان عمره ست سنوات.
فنشأ في دار الوحي ولم يفارق النبي (ص) في حال حياته إلى وفاته، وهو القائل: "ولقد كنت أتّبعه إتّباع الفصيل أثر أمه. يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً. ويأمرني بالاقتداء به". وقد عاش مع النبي (ص) بدايات الدعوة ".. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري".
كما سبق إلى الإيمان والهجرة "ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما".
وفي الواقع أن علياً (ع) ولد مسلماً على الفطرة ولم يسجد لصنم قط (ع) باعتراف الجميع ان الله كرم وجهه عن السجود وعبادة الاصنام.
الامام علي (ع) والدعوة للاسلام:
كان الامام علي (ع) أول من آمن برسالة الاسلام وعاش مع الدعوة في مرحلتها السرية إلى أن نزل قوله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين" فجمع النبي (ص) أقرباءه ودعاهم إلى كلمة التوحيد فلم يستجب له سوى علي (ع) وكان أصغرهم سناً. فقال له النبي (ص): "أنت أميني ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي" وقد اشتهر هذا القول بحديث الدار كما ورد في آمهات المصادر من كتب الحديث.
علي في المدينة:
هاجر علي (ع) الى المدينة المنورة ملتحقاً برسول الله (ص) بعدما نفّذ وصيته وردَّ أماناته الى أهلها. فدخل معه المدينة وعمل الى جانبه في بناء المجتمع الإسلامي وتركيز دعائم الدولة الإسلامية.
زواج علي (ع):
وفي السنة الثانية للهجرة تزوج علي (ع) من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت النبي الأكرم محمد (ص)، وكان ثمرة هذا الزواج ريحانتي رسول الله (ص) وسيدي شبابي اهل الجنة السبطين الحسن والحسين والسيدة زينب الكبرى.
فشكلت هذه الأسرة النموذجية المثل الأعلى للحياة الاسلامية في إيمانها وجهادها وتواضعها وأخلاقها الكريمة.
علي (ع) في حروب النبي (ص):
شارك علي (ع) الى جانب النبي (ص) في مجمل الحروب والغزوات التي خاضها باستثناء غزوة تبوك حيث تخلف عنها بأمر من النبي (ص). وفي تلك الغزوة قال له رسول الله (ص): "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي".
وقد كان له في كل تلك المعارك السهم الأوفى والنصيب الأكبر من الجهاد والتضحية ففي معركة بدر التي قتل فيها سبعون مشركاً قتل علي (ع) بسيفه ستة وثلاثين منهم.
وفي معركة أُحُد حينما فرَّ المسلمون وجرح النبي محمد (ص)، صمد مع ثلّة قليلة من المؤمنين يذودون عن رسول اللّه (ص) حتى منعوا المشركين من الوصول إليه.
وأما في معركة الأحزاب فقد كان حسم المعركة لصالح المسلمين على يديه المباركتين حينما قتل عمرو بن ود العامري، بضربة قال عنها النبي (ص): "ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين".
وفي معركة خيبر، وبعد أن فشل جيش المسلمين مرتين في اقتحام حصن خيبر اليهودي المنيع قال رسول الله (ص): "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله، كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه" فأعطى الراية لعلي (ع)، وفتح الحصن وكان نصراً عزيزاً بعد ما قتل (ع) مرحب".
وفي معركة حنين انهزم المسلمون من حول النبي (ص) وصمد علي (ع) وبعض بني هاشم يدافعون عن رسول الاسلام بكل شجاعة وعزيمة حتى أنزل الله نصره عليهم.
علي بعد النبي (ص):
حينما فاضت روح النبي (ص) إلى بارئها. انصرف علي (ع) لتجهيزه ودفنه بينما كان بعض وجوه المسلمين يتنازعون الأمر بينهم في سقيفة بني ساعدة حتى استقر رأيهم على تنصيب أبي بكر خليفة بعد رسول الله (ص). ولم يبايع علي (ع) في البداية حتى رأى راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (ص) فخشي (ع) إن لم يبايع أن يرى في الإسلام ثلماً أو هدماً فتكون المصيبة به أعظم. ولذلك لم يعتزل الحياة السياسية العامة فنجد في علي (ع) المدبّر والمعالج والقاضي لجميع المشاكل الطارئة طيلة عهود أبي بكر وعمر وعثمان مما لفت أنظار الأمة انذاك إلى موقعية علي (ع) في إرجاع معالم الدين وتصحيح الإنحراف وتقويم الإعوجاج مما دفع الناس في جميع البلاد الإسلامية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان إلى الانطلاق الى بيت علي (ع) مبايعين ، حيث كانت البيعة الاوسع والاعظم في تاريخ المسلمين بمشاركة معظم الصحابة والناس خلافا للمرات السابقة.
حكومة الامام علي (ع):
امتازت حكومة علي (ع) برجوعها الى الينابيع الأصيلة للاسلام كما أمر بها الله تعالى. ومما امتازت به:
أولاً: المساواة في العطاء.
وثانياً: رد المظالم التي تسبّب بها الولاة السابقون.
وثالثاً: تشديد الرقابة على بيت مال المسلمين.
ورابعاً: عزل الولاة المنحرفين واستبدالهم بنماذج خيّرة وكفوءة.
وخامساً: مراقبة الولاة وتزويدهم بالمناهج والخطط من أجل إقامة حكومة العدل والإسلام على الأرض.
وهذا الأمر أزعج المترفين من أغنياء المسلمين انذاك. الذين أحسّوا بالخطر يهدّد مصالحهم فأعلنوا العصيان والتمرّد.
الفتن والحروب التي تعرض لها الامام علي (ع) في خلافته:
إستمرّت حكومة علي (ع) خمس سنوات عمل خلالها مجاهداً من أجل التصحيح والتقويم والعودة إلى الأصالة وإقامة حكم الله على الأرض. وخاض خلالها حرب الجمل في البصرة مع الناكثين الذين أزعجهم مبدأ المساواة في العطاء بين المسلمين بالإضافة إلى رفض علي (ع) الانجرار وراء مطامعهم وإعطائهم ولاية الكوفة والبصرة، فنكثوا بيعته (ع) وطالبوه بدم عثمان وجمعوا له (30) ألف على رأسهم عائشة وطلحة والزبير.
ولم تنفع الكتب التي أرسلها (ع) لإخماد الفتنة فاضطر إلى محاربتهم والقضاء على الفتنة من أساسها.
ثم كانت حرب صفين مع معاوية الذي كان من أشد الولاة فساداً ودهاءاً.
وكاد الإمام ينتصر عليه انتصاراً ساحقاً لولا الخديعة التي اصطنعها معاوية بدعوى الاحتكام إلى كتاب الله.
هذه الحيلة انطلت على قسم من جيش الامام علي (ع) وهم المعروفون بالخوارج الذين خرجوا عليه فأجبروه على قبول التحكيم ثم رفضوه ورفعوا شعار "لا حكم إلاّ لله". فحاججهم ووعظهم إلا انهم رفضوا فاضطر الى حربهم في النهروان بعد أن لم ينفع النصح معهم، وقضى عليهم، مبيّناً فساد شعارهم بأنه "كلمة حق يُراد بها باطل.." وكان عددهم (4000) خارجي.
إستشهاد الامام علي (ع):
لم يكتب لهذه التجربة الفريدة في الحكم أن تستمر وتعطي ثمارها حيث استشهد الإمام علي (ع) في مسجد الكوفة عاصمة الخلافة على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم أثناء الصلاة.
وبذلك اختتم علي (ع) عبادته الكبرى التي افتتحها في جوف الكعبة وأنهاها في محراب مسجد الكوفة. ليقدّم للأمة المُثُل العُليا في التواضع والشجاعة والزهد والطهارة والاخلاص والحلم والعدل.
نموذج من علم الامام علي بن ابي طالب (ع):
لقي عمر ابن الخطاب حذيفة ابن اليمان فقال له عمر: كيف اصبحت يا ابن اليمان؟
فقال: كيف تريدنى أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق و أحب الفتنة و أشهد بما لا أره و أحفظ غير المخلوق و أصلى على غير وضوء و لي فى الأرض ما ليس لله فى السماء!!
فغضب عمر لقوله و انصرف من فوره و قد أعجله أمر و عزم على أذى حذيفة لقوله هذا، فبينا هو فى ذلك إذ مر بعلى ابن أبى طالب سلام الله عليه فسأله على: ما اغضبك يا عمر؟
فقال: لقيت حذيفة ابن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحق!
فقال علي (ع): صدق، فإنه يكره الموت و هو الحق.
فقال: يقول: و أحب الفتنة! قال عليه السلام: صدق، فإنه يحب المال و الولد، و قد قال تعالى: ( إنما أموالكم و أولادكم فتنة)
فقال: يا علي! يقول: و أشهد بما لم أره! فقال عليه السلام: صدق، يشهد لله بالوحدانية و يشهد بالوت و البعث و القيامة و الجنة و النار و الصراط و هو لم ير ذلك كله
فقال: يا علي! وقد قال انني أحفظ غير المخلوق! قال عليه السلام:صدق، إنه يحفظ كتاب الله تعالى- القرآن- و هو غير مخلوق
قال: و يقول: أصلي على غير وضوء! فقال عليه السلام: صدق، يصلي على ابن عمى رسول الله صلى الله عليه و آله على غير وضوء
فقال: يا أبا الحسن! قد قال أكبر من ذلك! فقال عليه السلام: و ما هو؟
قال: قال: إن لي فى الأرض ما ليس لله فى السماء! قال عليه السلام: صدق، له زوجة و تعالى الله عن الزوجة و الولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب، لولا على ابن أبى طالب!
كلمات قصار وحكم للامام علي (ع):
- إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
- من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
- من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
- يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فأحذر.
- إذا كنت في إدبار، والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى.
- اللسان سبع إن خُلي عنه عقر.
- عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.
- من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.
- عظّم الخالق عندك، يصغر المخلوق في عينك.
- يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلاّ فتح الله عليهم ما هو أضر منه.
- من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومن من أساء به الظن.
- من أحدّ سنان الغضب لله قوي على قتل أشداء الباطل.
- بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
- اتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رقّ.
- إنّ لله في كل نعمة حقاً، فمن أداه زاده منها، ومن قصر عنه خاطر بزوال نعمته.
- أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.
- مرارة الدنيا حلاوة الآخرة.
- يا ابن آدم كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك.
- إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة.
- ما زنى غيور قط.
- اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم.
- أشد الذنوب ما استهان به صاحبه.
- العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى.
المصدر:نهج البلاغة