۳۱۲مشاهدات
على الأقل فأحفادهم كانوا يعذبون سجناءهم من المسلمين المشتبهين لاستنطاقهم، إلا أن الأجداد كانوا يستهدفون اقتلاع الهنود الحمر وإبادتهم، وتحقق لهم ما يريدون.
رمز الخبر: ۲۴۲۸۴
تأريخ النشر: 16 December 2014
شبكة تابناك الاخبارية: كتب الأستاذ فهمي هويدي في مقال له: تقرير أساليب التعذيب الذي أعده مجلس الشيوخ الأمريكي عن ممارسات المخابرات المركزية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر لا يفاجئنا إلا من حيث كم المعلومات المهول الذي تضمنه.

فقارئ الصحف لا ينسى القصص المروعة التي خرجت من سجن أبوغريب في العراق قبل عشر سنوات، وصورت الجنود الأمريكيين باعتبارهم وحوشا تفننت في افتراس السجناء العراقيين والتنكيل بهم.

وقارئ التاريخ لا ينسى ما فعله الأمريكيون الأوائل لإبادة الهنود الحمر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حتى يبدو ما فعله الأمريكيون بسجنائهم بعد 11 سبتمبر على فظاعته، وكأنه نوع من الدعابة والهزل إذا قورن بما تعرض له الهنود الحمر.

على الأقل فأحفادهم كانوا يعذبون سجناءهم من المسلمين المشتبهين لاستنطاقهم، إلا أن الأجداد كانوا يستهدفون اقتلاع الهنود الحمر وإبادتهم، وتحقق لهم ما يريدون.

صحيح أن تقرير الشيوخ الأمريكي الذي صدر في نحو ستة آلاف صفحة لم يسمح بتداوله، إلا أن الصورة التي ظهرت ملخصه في حوالى 500 صفحة حفلت بالمعلومات والتفاصيل المثيرة.

منها ما تعلق بالدول العربية والأوروبية التي كانت المخابرات الأمريكية تمارس فيها تعذيب المعتقلين، ولفت انتباهنا منها إلى أن المخابرات المركزية كان لها سجن تابع لها في العراق (وهذا متوقع) وآخر في المغرب (وهذه مفاجأة)، من تلك المعلومات أيضا أن جهاز المخابرات قدم معلومات كاذبة عن أعداد المعتقلين.

أما ما خص أساليب استنطاقهم التي تجاوزت كل الحدود واتسمت بدرجة عالية من القسوة والانحطاط فقد عرفتنا بما نعرفه في بعض الأقطار العربية التي نافست الأمريكيين وتفوقت عليهم في ذلك المضمار.

القدر الذي وصلنا من معلومات عن التقرير وسلط الضوء على جوهره يحتمل أكثر من قراءة.
 

فقد تهلل له بعض مؤسساتنا الأمنية التي تستطيع أن تدعى أن التعذيب قد يكون وسيلة ضرورية للدفاع عن الأمن والدفاع عن المصالح العليا للبلاد.

وتستدل به على أن ما تتهم به من انتهاكات يدخل في تلك الضرورات، بدليل أنه حاصل في الدول الديمقراطية التي تنتقدنا أحيانا في حين أنها متورطة فيما تتهمنا به. وقد فضح تقرير الشيوخ أمرها وكشف النفاق الذي تمارسه.

ثمة قراءة أخرى تعتبر التقرير كاشفا عن الوجه الحقيقى للإمبريالية الأمريكية، التي لا تقف مثالبها عند حدود رأسماليتها المتوحشة، في حين تبين أن لها وجها قبيحا آخر تمثل فيما تمارسه مؤسساتها الأمنية من انتهاكات تعد جرائم بحق الإنسانية.

ليس ذلك فحسب، وإنما كشف التقرير عن زيف الديمقراطية الأمريكية وخداعها للعالم، بعدما تبين أن ما نراه في وسائل الإعلام وعلى الشاشات في السينما والتليفزيون ليس سوى قشرة جذابة تخفي واقعا مزريا تنتهك فيه كرامات البشر بغير حدود.

القراءة الثالثة تتهم الأمريكيين بالاستعلاء والأنانية واحتقار الآخرين. لأن كل الممارسات التي تحدث التقرير عنها كانت من نصيب غير الأمريكيين من المشتبهين المسلمين.

وهو ما يعني أن ما يتشدق به الأمريكيون وهم يتحدثون عن حقوق الإنسان مقصور في رأيهم على الأمريكيين دون غيرهم.

 أما من عداهم فهم مستباحون وكرامتهم وأعراضهم مهدورة، والدليل حاضر في التفاصيل التي أوردها التقرير.

القراءة الرابعة لا تختلف مع الكثير مما سبق. ولا تلجأ إلى التعميم في الاتهام، فهي توافق على بشاعة الدور الذي قامت به المخابرات المركزية.

وتؤيد الادعاء بأن أطرافا شريرة في الإدارة الأمريكية أيدت ما جرى وتسترت عليه (قالوا إن نائب الرئيس السابق ديك تشيني كان على علم بالأمر).

لكنها تقر أيضا بأن التقرير صدم المجتمع الأمريكي ودفع مجلس الشيوخ إلى فضح الانتهاكات التي تورطت فيها المخابرات المركزية، واتهمتها بالكذب والتدليس.

في الوقت ذاته فإنها تذكر للرئيس أوباما بأنه ما أن تسلم السلطة في عام 2009 حتى أصدر أمرا بوقف البرنامج الوحشى الذي أطلق يد المخابرات في التعامل مع المشتبهين، وإن لم يغير القوانين التي اعتمدتها وزارة العدل لتسويغ ما جرى.

الأهم من كل ما سبق أن مجلس الشيوخ المنتخب مارس حقه في المراقبة والمساءلة، وظلت لجانه المعنية تدقق في أداء المخابرات المركزية طوال ست سنوات، وفحصت لأجل ذلك ستة ملايين و800 ألف وثيقة حتى خلصت إلى تقريرها الذي صار بين يدى كل المعنيين بالأمر، وأتيح للرأي العام أن يطلع على بعض ما فيه.

 وهو ما يبرز دور وأهمية الرقابة الشعبية، إلى جانب أنه يبرز إحدى فضائل التجربة الأمريكية التي تتمثل في شجاعة الاعتراف بالخطأ (ليتهم يحاسبون المسؤولين عنه) مع الاستعداد للمراجعة والسعى إلى تصويب الانحراف لضمان تجويد الأداء ومواصلة التقدم إلى الأمام.

لك أن تختار القراءة التي تحب، ولكن لا تنس أن تقارن ذلك التقرير بما صدر في بلادنا من تقارير حول تقصى حقائق الحقبة الأخيرة من الثورة.

وإذا أردت أن تلعن الأمريكيين فأنت حر، لكنك لا تستطيع أن تخفي احترامك لشجاعة مؤسساتهم المنتخبة وجرأتها في مراقبة المؤسسات السيادية والأمنية المقدسة في بلادنا.

ونصيحتي ألا نبالغ في التنديد والشماتة ناسين أن بيتنا من زجاج أصلا.

النهاية

رایکم