۲۶۶۴مشاهدات
رمز الخبر: ۱۰۲۸۷
تأريخ النشر: 08 November 2012
شبکة تابناک الأخبارية - جميل ظاهري: يوم "المباهلة" من الأيام المباركة الكثيرة والمواقف السامية والمشرفة التي تؤكد المنزلة الرفيعة والعالية لاهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام  لدى الباري تعالى ومكانتهم المقدسة بين الخلق تلك التي أكدتها الكثير من آيات الكتاب المجيد ، والذي تجسد في يوم الرابع والعشرين من السنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة حيث الاعلان الرباني الأول على خلافة ووصاية وولاية الامام على بن أبي طالب (ع) بعد النبي الأكرم (ص) دون فصل ومن بعده سائر ابنائه الأئمة الهداة عليهم السلام واحداً بعد آخر وذلك قبل اعلانها في يوم "غدير خم"، حيث قال تعالى: "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ـ سورة آل عمران الآية61.

وحدث ذلك اليوم بعد أن كتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الى أساقفة نجران يدعوهم للاسلام ، وجاء في كتابه المبارك :" أمّا بعد ، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتُم فقد أذنتم بحرب ، والسلام ".

فلمّا قرأ الأسقف الكبير لآهالي نجران  الكتاب ذعر ذعراً شديداً ، فبعث الى رجل من أهل نجران يقال له "شَرحبيل بن وداعة"  كان ذا لب ورأى بنجران ـ فدفع إليه كتاب رسول الله ( ص) فقرأه ، فقال له الأسقف : ما رأيك ؟

فقال "شرحبيل" : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرّية إسماعيل من النبوَّة ، فما يؤمنك أن يكون هذا الرجل ، وليس لي في النبوَّة رأي ، لو كان أمر من أُمور الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك (مكاتيب الرسول 2 / 494(.

فبعث الأسقف الكبير الى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلَّمهم ، فأجابوا مثل ما أجاب "شرحبيل" ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا بوفد من كبار علمائهم فيأتوهم بخبر رسول الله ( ص).

وروى جمع كثير من كبار علماء المسلمين سنة وشيعة: انه قدم على رسول الله (ص) وفد من نجران فيهم بضعة عشر رجلاً من أشرافهم وثلاثة نفر من كبار قومهم وولاة أمرهم , وهم "العاقب" وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا من رأيه وأمره واسمه "عبد المسيح"، و"السيد" وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه "الأيهم" و"أبو حارثة بن علقمة الأسقف" وهو حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وله فيهم شرف ومنزلة وكان ملوك الروم قد بنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه واجتهاده في دينهم.

فلما توجهُوا نحو المدينة المنورة لمقابلة النبي محمد (ص) جلس "أبو حارثة" على بغلة والى جنبه أخ له يقال له "كرز"، و"بشر بن علقمة" يساره إذ عثرت بغلة "أبي حارثة" فقال "كرز": تعس إلا بعد- قاصدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست, قال له: ولم يا أخ؟ فقال: والله انه النبي الذي كنا ننتظره، قال كرز:فما يمنعك ان تتبعه؟

فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبو إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كرز... فلما قدم على النبي اسلم.

قال: فقدموا على رسول الله (ص) وقت العصر وفي لباسهم الديباج وثياب الحبرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب... ثم أتوا النبي (ص) فسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام ولم يكلّمهم فانطلقوا يتتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم، فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا: إنّ نبيّكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه وسلّمنا عليه فلم يرد سلامنا ولم يكلّمنا، فما الرأي؟ فقالا لعلي بن أبي طالب عليه السلام: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون إليه، ففعلوا ذلك فسلّموا فردّ عليهم سلامهم ثم قال: والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى وانّ ابليس لمعهم.

ثم سألوه ودارسوه يومهم وقال الأسقف: ما تقول في المسيح (ع) يا محمد(ص)؟ قال هو عبد الله ورسوله.

قالوا: هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فنزلت: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" ـ آل عمران الآية 59.

فلمّا طالت المناظرة والحّوا في عصيانهم وخصومتهم، أنزل الله تعالى الآية 61 من سورة آل عمران آنفة الذكر.

فدعاهم النبي الأكرم (ص) إلى اجتماع حاشد ، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين ، ليبتهل الجميع إلى الله تعالى ، في دعاء قاطع ، أن ينزل لعنته على الكاذبين .

فقبل وفد نجران ذلك ، وقال "أبو حارثة" لأصحابه: انظروا محمداًَ في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء.

ويقول ابن منظور في معنى المباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة الله على الظالم منّا (لسان العرب 11 / 72) .

وصفة المباهلة : أن تشبك أصابعك في أصابع من تباهله وتقول : اللهم رب السماوات السبع ، والأرضين السبع ، ورب العرش العظيم ، إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسباناً من السماء وعذاباً أليماً (مجمع البحرين 1 / 258) .

فذهب رسول الله (ص)صباحاً الى بيت الامام على (ع) فأخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام  وخرج من المدينة وبين يديه على عليه السلام وفاطمة عليها السلام تتبعه.

فلمّا رأى ذلك رؤساء نجران قال "أبو حارثة": من هؤلاء الذين معه؟ قالوا: هذا إبن عمّه زوج ابنته يتقدمه، وهذان ابنا ابنته وهذه ابنته أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه وتقدم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه ، فأخذ "السيد" و"العاقب" أولادهم وجاؤوا للمباهلة.

قال "أبو حارثة": جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكع (كع الرجل عن الأمر: أي جبن عنه وأحجم) ولم يتقدم على المباهلة، فقال له "السيد": الى أين تذهب؟ قال: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة.

ثم جاء "أبو حارثة" الى النبي (ص) فقال: يا أبا القاسم انّا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ننهض له ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا .

قال (ص) :" فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا ، يَكُن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم، فأبوا ، فقال (ص) :" فإنِّي أناجزكم" ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك ، فصالحنا على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ، ولا تردّنا عن ديننا ، على أن نؤدّي إليك في كل عام ألفي حلّة ، ألف في صفر وألف في رجب قيمة كل حلّة أربعون درهماً ، وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فارساً ان كان حربٌ فكتب لهم بذلك كتاباً فانصرفوا راجعين إلى بلادهم.

فصالحهم الرسول (ص) وقال :"والذي نَفسِي بِيَده ، إنّ الهلاك قد تَدَلَّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير ، ولاضطَرَم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأْصَلَ الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلُّهم حتّى يهلكوا"(إقبال الأعمال 2 / 350) .

فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث "السيد" و"العاقب" إلاّ يسيراً حتى رجعا إلى النبي (ص) فأسلما. وروى صاحب "الكشاف" وجمع من العامة في صحاحهم عن عائشة انّ رسول الله (ص) خرج وعليه مرط كساء مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم على ثم قال:"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"ـ سورة الأحزاب الآية 33.

وقال الزمخشري: ما كان دعاؤه الى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه ... وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدّمون على الانفس مفدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (الكشاف: ج1: ص369).

واستدل كبار علماء المسلمين بكلمة :" وأنفسنا " ، تبعاً لأئمّتنا (ع) على عصمة وأفضلية الامام على أمير المؤمنين (ع) ، ولعل أوّل من استدل بهذه الآية المباركة هو نفس الامام على أمير المؤمنين (ع) ، عندما احتج في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قال ، وصدّقوه في ما قال.

وسأل المأمون العباسي الامام الرضا (ع) : هل لك من دليل من القرآن الكريم على أفضلية على ؟ فذكر له الامام (ع) آية المباهلة ، واستدل بكلمة :" وأنفسنا" ، لأنّ النبي (ص) عندما أُمر أن يُخرج معه نساءه ، فأخرج فاطمة (ع) فقط ، وأبناءه الحسن والحسين (ع) ، وأمر بأن يخرج معه نفسه ، ولم يخرج إلاّ على ( ع) ، فكان على (ع) نفس رسول الله (ص) ، إلاّ أنّ كون على (ع) نفس رسول الله (ص) بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وهو أن يكون على (ع) مساوياً لرسول الله (ص) في جميع الخصائص والمزايا إلاّ النبوّة لخروجها بالاجماع .

ومن خصوصيات رسول الله (ص) : العصمة ، فآية المباهلة تدل على عصمة على (ع) أيضاً . وأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أيضاً ، وأنّه أفضل جميع الخلائق وأشرفهم فكذلك على (ع) ، وإذا ثبت أنّه (ع) أفضل البشر ، وجب أن يليه بالأمر من بعده .

واما المقصود من "ندع أبناءنا وأبناءكم" فقد أجمع المفسرون على أنّ المراد "بأبنائنا" الحسن والحسين عليهما السلام كما ذكره أبوبكر الرازيّ وكذلك ابن أبي علان وهو أحد أئمّة المعتزلة: هذا يدلّ على أنّهما سلام الله عليهما كانا مكلّفين في تلك الحال، لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين، وقال إنّ صغر السنّ ونقصانها عن حدّ بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل.. ودلالة على مكانتهم من الله سبحانه وتعالى واختصاصهم به. ومما يؤيّده من الأخبار قوله النبي (ص): ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا.

واما حول "نساءنا ونساءكم" فقد اتفق الجميع أنّ المراد به من "نساءنا" هي فاطمة عليها أفضل السلام ، لأنّه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء، وهذا يدلّ على تفضيل الزهراء سلام الله عليها على جميع النساء، ويعضده ماجاء في الخبر أنّ النبي (ص) قال: فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها، وقال: إنّ الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها.

وقد صحّ عن حذيفة أنّه قال: سمعت النبي (ص) يقول: أتاني ملك فبشّرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ونساء أمّتي. وعن الشعبيّ عن مسروق، عن عائشة قالت: أسرّ النبي (ص) الى فاطمة شيئاً فضحكت، فسألتها قالت: قال لي: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمّة أو نساء المؤمنين، فضحكت لذلك.

وقوله (ص) لبريدة: لا تبغض عليّاً فإنّه منّي وأنا منه، وإنّ الناس خلقوا من شجر شتّى وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. وقوله صلى الله عليه وآله بأحد وقد ظهر من نكايته في المشركين ووقايته إيّاه بنفسه حتّى قال جبرئيل: يا محمد إنّ هذه لهي المؤاساة، فقال: يا جبرئيل إنّه لمنّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما (تفسير مجمع البيان / المجلد الأول / للشيخ الطبرسي قدس سره، وبحار الأنوار / المجلد 21 / للعلامة المجلسي قدس سره).

وفي هذا اليوم ايضاً تصدق الامام على بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه للسائل أثناء الركوع فنزلت الآية:"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" سورة المائدة الآية 55.
رایکم