أعلن هادي التنازل عن السلطة لصالح مجلس قيادة رئاسي، سبق ذلك تنحيته لعلي محسن الأحمر من منصب نائب الرئيس، خلال ما يُسمى "مؤتمر الرياض"، برعاية مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد في الرياض، وبعد أقل من أسبوع من إعلان وقف إطلاق النار في اليمن لمدة شهرين.
بالطبع لم تأتِ خطوة هادي بمبادرة شخصية منه، ولم يكن قراراه بتشكيل مجلس رئاسي ونقل صلاحياته إليه وليدة لحظتها، بل جرى التداول في هذا الخيار في ربيع وصيف العام السابق 2021، على مستوى دول تحالف العدوان الخليجية، بعد استنزافها وكسر شوكتها في اليمن، وخشية صهيونية حقيقية على وجه الخصوص على مكانة ومستقبل العائلة الحاكمة في السعودية، لا سيما ولي العهد محمد بن سلمان، وعلى مستقبل مكانتها في مشروع طريق الحرير الهندي – الاماراتي – الكيان الصهيوني المؤقت، واحتمال ضياع فرصة مد وترسيخ جذورها في المنطقة، وشبكها بالبنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في المنطقة.
وما سرّع في اتخاذ هذا الخيار، الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على دول المنطقة، واستهداف قوات صنعاء للبنية التحتية للصناعة النفطية السعودية بصواريخ مجنّحة، وتداعيات ذلك على مستقبل امدادات النفط العالمية، وانشغال الولايات المتحدة بالصراع مع القوى الكبرى الناشئة على الريادة العالمية.
□ المبحث الأول
تجربة المجالس الرئاسية في اليمن تاريخيًا
○ أولًا، اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية)
المجلس الأول (سبتمبر/أيلول 1962 – نوفمبر/تشرين الثاني 1967)
تشكل أول المجالس الرئاسية في تاريخ اليمن بعد الثورة الجمهورية التي أطاحت بالإمامة في شمال اليمن، وكان الهدف المعلن من هذه الهيئة الثورية أن تحل محل السلطة الدينية والسياسية والاجتماعية، وتوفر التمثيل الجماعي لمختلف القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في الثورة.
تكوّن المجلس بالكامل من مسؤولين عسكريين، وكان ثمانية من أعضائه العشرة من الشمال. ترأس المجلس الضابط في الجيش عبد الله السلال، أول رئيس غير منتخب للجمهورية العربية اليمنية الجديدة. لم يعقد المجلس الرئاسي اجتماعات منتظمة، ولم ينص على واجبات محددة للأعضاء، ولم يكن له دور فعّال في صنع القرار. لم تكن هناك معايير واضحة لعضوية المجلس الرئاسي، ولم توجد هيئات حقيقية تشارك في صنع القرار، كان السلال يتمتع بالسلطة المطلقة، مع تأثير مصري واضح عليه.
المجلس الثاني (نوفمبر/تشرين الثاني 1967 – يونيو/حزيران 1974)
أطيح بالسلال، من قبل بعض السجناء السياسيين اليمنيين، الذين تم اعتقالهم وسجنهم في القاهرة، وكان السبب هو غضب السلطات المصرية من هؤلاء بعد احباطها من سلسلة الفشل والاستنزاف الذي تعرضت له في اليمن. بعد الإطاحة بالسلال، شُكل مجلس رئاسي جديد سُمي بالمجلس الجمهوري وتكوّن من ثلاثة أعضاء: الرئيس الجديد عبد الرحمن الإرياني، وأحمد نعمان، ومحمد عثمان. وعلى عكس المجلس السابق كان أعضاؤه من شخصيات مدنية بداية. بعد استقالة نعمان في نوفمبر/تشرين الثاني 1968، عُيّن العميد حسن العمري مكانه، كما انضم اللواء حمود الجايفي الى المجلس.
في ديسمبر/كانون الأول 1970، اعتُمد أول دستور في شمال اليمن، ونص على أن تُحكم البلاد من قبل مجلس رئاسي مكوّن من ثلاثة إلى خمسة أعضاء. صيغت قواعد للعضوية تستند على إجراء انتخابات لمجلس الشورى، الذي يختار بدوره أعضاء المجلس الجمهوري. في أبريل/نيسان 1971، شُكل أول مجلس جمهوري بموجب الدستور.
المجلس الثالث (يونيو/حزيران 1974 – أكتوبر/تشرين الأول 1977)
عُلق العمل بالدستور وشُكّل مجلس القيادة العامة للقوات المسلحة من تسعة أعضاء من خلفيات عسكرية، وشخصية مدنية – محسن العيني- وبرئاسة المقدم إبراهيم الحمدي لحكم البلاد. لاحقا أبعد الحمدي منافسيه من المجلس. في أبريل/نيسان 1975، شُكل مجلس جديد مكوّن من أربعة أشخاص، المقدم أحمد الغشمي واللواء عبد الله عبد العالم، وعبد العزيز عبد الغني - مدني، برئاسة الحمدي حتى اغتياله في أكتوبر/تشرين الأول 1977.
المجلس الرابع (أكتوبر/تشرين الأول 1977 – يونيو/حزيران 1978)
في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977، خلف المقدم أحمد الغشمي الحمدي رئاسة المجلس. في يناير/كانون الثاني 1978، أُلغي المجلس السابق بإعلان دستوري، وأصبح الغشمي متفردًا بحكم شمال اليمن، حتى اغتياله في يونيو/حزيران 1978.
المجلس الخامس (1978)
شُكل آخر مجلس رئاسي في شمال اليمن، وترأس المجلس القاضي عبد الكريم العرشي، وضم رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، وقائد الجيش علي الشيبة، وعلي عبد الله صالح قائد محور تعز العسكري. استمر المجلس أكثر من شهر بقليل قبل أن يصل صالح إلى سدة الرئاسة في 17 يوليو/تموز 1978 عقب انتخابه من مجلس الشعب التأسيسي، ويحكم اليمن كرئيس لـ 33 عامًا.
○ ثانيًا، اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية)
المجلس الرئاسي الوحيد (1969 – 1979)
لم يشكل في جمهورية جنوب اليمن، خلال عمرها القصير نسبيًا، سوى مجلس رئاسي وحيد، كان الهدف منه إدارة الخلافات بين أحزاب الجبهة القومية الحاكمة، بين الماركسيين والماويين بشكل أساسي. كان التوازن المناطقي، هو الاعتبار الاهم في تعيين أعضاء المجلس، على عكس الوضع في الشمال، حيث كان النفوذ في الجيش هو العامل الأبرز في تحديد أعضاء المجالس الرئاسية، كما تمتع أعضاء المجلس في الجنوب بسلطات متساوية، ولكسر الحلقة المفرغة لتساوي السلطات بين الأعضاء.
ضم المجلس خمسة أعضاء هم: عبد الفتاح إسماعيل (من تعز شمال اليمن)، ومحمد علي هيثم (من أبين)، ومحمد صالح العولقي (من شبوة)، وعلي عنتر (من الضالع)، ورئيس المجلس سالم ربيع علي – سالمين - (من أبين). خلال العامين الأولين من عمر المجلس، استبدل محمد علي هيثم، بعلي ناصر محمد (من أبين)، وتنحية العولقي.
عمل المتنافسين على خلق النفوذ من خلال الجيش، وتشكيل المليشيات المحلية، لا سيما بين سالمين وعبد الفتاح إسماعيل. في النهاية قُتل الرئيس سالمين عام 1978، وأصبح عبد الفتاح إسماعيل رئيسًا ثم حلّ محله علي ناصر محمد، الذي أُطيح به بعد حرب أهلية قصيرة، ولكن دموية عام 1986.
○ ثالثًا، عصر الوحدة
مجلس الوحدة (1990 – 1994)
اتفق شمال اليمن وجنوب اليمن على الوحدة في 22 مايو/أيار 1990، كان الدافع الأساسي بالنسبة للجنوب من الناحية السياسية، هو غياب الراعي بانهيار الاتحاد السوفياتي، ومن الناحية الاقتصادية، الوضع السيئ للجنوب، لا سيما بعد الحرب الاهلية التي جرت في 1986.
نصّت اتفاقية الوحدة على تشكيل مجلس رئاسي يتكون من خمسة أعضاء يُنتخبون خلال جلسة مشتركة لبرلماني الشمال والجنوب على أن ينتخب المجلس رئيسًا ونائبًا للرئيس في جلسته الأولى. اعتمدت العضوية في المجلس الجديد على التوازن بين الشمال والجنوب. كان ثلاثة من أعضاء المجلس من شمال اليمن وهم الرئيس علي عبد الله صالح، وعبد العزيز عبد الغني، وعبد الكريم العرشي، واثنان من جنوب اليمن هما الرئيس علي سالم البيض وسالم صالح محمد، وعيّن رئيس الوزراء من الجنوب أيضا.
انتُخب صالح رئيسًا للمجلس والبيض نائبًاً له، ثم أُقر دستور دائم في استفتاء جرى في 22 مايو/أيار 1991 أعقبته انتخابات برلمانية في 27 أبريل/نيسان 1993، إذ حصل الحزب الاشتراكي الجنوبي على المرتبة الثالثة من مقاعد البرلمان المنتخب، يسبقه حزبين شماليين، هما المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح والتجمع اليمني للإصلاح المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
غيرت الانتخابات البرلمانية عام 1993، ميزان القوى بين الشمال والجنوب، وخشي الحزب الاشتراكي الجنوبي من أن يؤدي التعاون المتزايد بين الرئيس صالح وحزب الإصلاح، إلى إضعاف موقفه السياسي، وتراجع نفوذه حتى في جنوب اليمن. أدى الشك المتبادل والشعور بالضعف أمام القوى السياسية الشمالية، الى تصاعد التوترات بين الطرفين، الى اندلاع مواجهات عسكرية بين الاقليمين، أعلن على إثرها علي سالم البيض عن انفصال جنوب اليمن، فاندلعت الحرب الاهلية في صيف 1994، وكانت نتيجتها انتصار قوات علي عبد الله صالح المتحالفة مع الإسلاميين شمالًا وجنوبًا، إضافة الى الفصيل الجنوبي الذي ينتمي إليه عبد ربه منصور هادي، وهكذا انتهت تجربة المجالس الرئاسية في اليمن في القرن العشرين.
○ ملاحظة:
لم يكن تاريخ المجالس الرئاسية اليمنية مشرقًا، وفي مقارنة سريعة يمكننا تحديد عدد من الخصائص التي ميزتها:
□ المبحث الثاني
المجلس الرئاسي الجديد 2022
○ أولًا، الدلالات
يمثل المجلس الرئاسي بشكل رئيسي النفوذ الثلاثي: الأمريكي - السعودي - الاماراتي، ويضم أربع قيادات مما يسمى الشرعية، وأربع قيادات للمليشيات التابعة للإمارات، على الشكل التالي:
• السعودية
• رشاد العليمي – حزب المؤتمر (يمثل النفوذ الأمريكي في المقام الأول).
• سلطان علي العرادة – حزب المؤتمر/ حزب الإصلاح.
• عبد الله العليمي باوزير – حزب الإصلاح.
• عثمان حسين مجلي – حزب المؤتمر، جبهة صعدة.
• الامارات
• عيدروس قاسم الزبيدي – المجلس الانتقالي الجنوبي.
• طارق محمد صالح – المكتب السياسي للمقاومة الوطنية/ مليشيا حراس الجمهورية.
• عبد الرحمن أبو زرعة – مليشيا العمالقة (المجموعات السلفية).
• فرج سالمين البحسني – مليشيا النخبة الحضرمية / قائد المنطقة العسكرية الثانية (محافظ حضرموت).
○ توزع القوى
للمرة الأولى تتمكن دول التحالف من جمع الجبهات المسلحة تحت قيادة سياسية عسكرية موحدة. تشي دلالات توزع القوى، أن السعودية لم يكن أمامها سوى حزب الإصلاح كقوة عسكرية سياسية وازنة، لتكون أداتها في المجلس الرئاسي المستحدث، بينما تنوعت القوى التي تعتمد عليها الامارات لتنفيذ مصالحها في اليمن. ويمكن إجمال أهم خصائص المجلس الجديد بالتالي:
○ الأهداف
يمكننا إضافة المزيد من السلبيات على النقاط التي أوردناها، ولكن نكتفي بهذا القدر لتبيان أن المجلس الجديد يحمل مفاعيل تفجره وفشل تجربته في داخله، كما أن أطرافه ليست حرفيًا سوى دمية بيد القوى الإقليمية والدولية، ولا يملكون القدرة - وإن أرادوا - على بناء دولة المؤسسات في اليمن، ولا قيادة نهضة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية في مناطق سيطرتهم.
○ ثانيًا، الاحتمالات
يعد تحليل نوايا القادة السياسيين أعقد أنواع التحليل، إلا أنه يمكننا الاستدلال عليها من خلال السياسات الجارية، والإجراءات المتخذة، وطبيعة الحركة على الأرض أو في الميدان، كما أن طبيعة الأشخاص وسيرتهم الذاتية، يقدم لمحة عن نوعية المهام التي يراد منهم تنفيذها. نعرض في التالي بعض الاحتمالات، وأسبابها، وأهدافها والنتائج المحتملة لها.
• الاحتمال الأول: خيار الحل السلمي
المقصود بخيار الحل السلمي هو خروج دول تحالف العدوان الخليجي بالتحديد، من دائرة التدخل المباشر، ومن دائرة الضوء، وتحييد بنيتها التحتية من الاستهداف الصاروخي لقوات صنعاء. من ناحية أخرى يأتي تشكيل المجلس السياسي الجديد لوقف الحرب من خلال تقسيم اليمن لدولتين منفصلتين تمامًا من حيث نظام الحكم، والنظام الاقتصادي، ونظام القيم، وبالتالي الأهداف السياسية.
• الأسباب
• النتائج
• الأهداف
○ الاحتمال الثاني: مناورة سياسية / مجلس حربي
المقصود بهذا الاحتمال، هو شن هجوم عسكري موحد للأطراف الممثلة في المجلس الرئاسي، محدود المدة زمنيًا، بهدف تحديد مساحات السيطرة الجغرافية في محاور مأرب وتعز والبيضاء والضالع والجوف، أو تركيز الهجوم لإخراج قوات صنعاء من محافظة مأرب بالكامل، بدون مشاركة مباشرة من السعودية والامارات في هذه المعركة، لا سيما من خلال سلاح الجو للبلدين، لتجنب استهدافهما من قبل قوات صنعاء صاروخيًا.
• الاسباب
• النتيجة
• الهدف
• المخاطر
○ الاحتمال الثالث: مجلس حربي
المقصود بالمجلس الحربي، هو احتمالية ان تتوحد جبهات القوى العسكرية والسياسية المناوئة لحكومة صنعاء، بدعم جوي وبري وبحري للقوات المسلحة الإماراتية والسعودية، بتكرار عملية السهم الذهبي 2015، بشن هجوم على الجيش واللجان الشعبية، في كافة جبهات القتال، أو تركيزها في جبهة معينة، مترافقًا مع حصار اقتصادي في محاولة تدفع النسق السياسي الى تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.
• الأسباب
• النتائج المتوخاة
• الهدف
• المخاطر
المصدر:مركز دراسات غرب اسيا