أما المواطن العراقی صاحب تلک الأموال، فکان، فی زمن کتابة هذه الوثیقة، قد بدأ یذوق طعم الجوع والفقر وغلاء الأسعار وشحة المواد الأساسیة فی الأسواق. کما صار بعض العراقیین یبحث فی القمامة لیأکل أو لیُطعم أبناءه الجیاع.
رمز الخبر: ۱۲۱۹
تأريخ: ۰۹ October ۲۰۱۰ - ۲۱:۴۱

شبکة تابناک الأخبارية: هذه واحدة من وثائق عدیدة من مکتب الدکتاتور العراقي السابق «صدام حسین» مکتوبة بخط رئیس المخابرات شخصیا، قد یکون «سعدون شاکر» قبل إعفائه من رئاسة الجهاز، فی أعقاب المحاولة الفاشلة التی قام بها حزب الدعوة لاغتیال «صدام حسین» فی الدجیل، وقد تکون بخط «برزان التکریتی» الذی حل محله، وهی مرفوعة إلى «صدام» ومکتوبة على ورقة غیر اعتیادیة، تم اختیارها عریضة جدا لتستوعب، أفقیا، جمیع البیانات الکثیرة الواردة فیها.
وبذلک یمکن قراءة السطر الأول - مثلا - کما یلی:
1- رقم الحوالة 26506 - حسابات / 97 - 8/9/1982 - المبلغ بالعملة الأجنبیة 23.644.446- دولار- المعادل بالعملة العراقیة 7.000.000 - البنک التجاری الکویتی- الکویت- رقم الحساب 0211000501 - لم یذکر الاسم للمستفید - سلم المبلغ نقدا بالدینار العراقي.
وهکذا نستطیع أن نمضی فی قراءة باقی البیانات الخاصة بتحویلات قسم واحد من أقسام شعبة الاعتمادات والتأدیات الخارجیة فی المخابرات، لشهرین فقط، هما (أیلول / سبتمبر وتشرین الأول / أکتوبر) من عام 1982.
ویستطیع القاریء المغرم بالجمع والطرح أن یتأکد من صحة المجموع الذی حصلت علیه بعد أن جمعت تلک المبالغ المسحوبة من خزینة البنک المرکزی، وهو 234،575.463 مئتان وأربعة وثلاثون ملیونا، وخمسمئة وخمسة وسبعون ألفا، وأربعمئة وثلاثة وستون دولارا فقط لا غیر.
الملاحظة الأولى: إن هذه الوثیقة صادرة من القسم رقم 5. وهذا یعنی أن فی شعبة الاعتمادات والتأدیات الخارجیة فی مخابرات النظام السابق خمسة أقسام مهمتها تحویل الأموال إلى الخارج لتمویل عملیاتها أو لشراء الذمم.
الملاحظة الثانیة: کثیرٌ من تلک المبالغ حُملـت بأکیاس، وأخرجت من العراق، تهریبا ولیس تحویلا عن طریق البنک المرکزی، لأنها سلمت نقدا وبالدینار العراقی.
الملاحظة الثالثة: إن إغفال الأسماء، وذکر أرقام حساباتهم فی البنوک، یثیر الریبة. فإن کانت المخابرات قد قامت فعلا بتسلیم تلک المبالغ الضخمة نقدا لأصحابها، فلماذا سَجلت أرقامَ حساباتهم البنکیة التی لم تودع المبالغ فیها؟.
الملاحظة الرابعة: ماذا استفاد «صدام حسین» من قائمةٍ من هذا النوع، لیس فیها أسماء ولا تفاصیل لکی یتأکد من سلامة العملیة ونزاهتها، ولماذا رُفعت إلیه أصلا؟
الملاحظة الخامسة: یتضح من رفع وثیقة من هذا النوع إلى «صدام» شخصیا أنه کان ممسکا بالصغیرة والکبیرة معا، وقد یکون لم یقرأها ولم یراجعْها أصلا، ولکنه کان یرید فقط إشعار الجمیع من خاصته بأنه یعرف کل شیء، ویدقق کل شیء بنفسه، ولیُشعرَهم بأنه یعرف سرقاتهم، ویتسامح فیها، لکنه قد یخرجها من خزانته ویستخدمها ضدهم، إذا دعت الضرورة، للبطش بأحدهم، ساعة َیرید. وبذلک یجعلهم أکثر تفانیا فی خدمته، خوفا من العوقب.
الملاحظة السادسة: لا فائدة من التساؤل عن شرعیة هذه البعثرة المحزنة لأموال الشعب العراقی. لکن لابد من التساؤل عن جدوى تلک التحویلات.
وفی کل الأحوال، فإن هذه الوثیقة تکشف حقیقة الطریقة العشوائیة الارتجالیة التی کانت تدار بها الدولة العراقیة، وتفضح مقدار الفساد الذی أنهک الخزینة العراقیة، وأفقر المواطن، وأغنى کبار أعوان الرئیس، وآلافا من المرتزقة الخونة التافهین.
هذا غیض من فیض. نقطة فی بحر. ولو جلس المدققون المالیون المحایدون أعواما وأعواما یبحثون عن الملایین والملیارات التی أهدرها صدام وولداه وإخوته وکبار أعوانه، بذلک السلوک الارتجالی العشوائی العبثی، لما استطاعوا أن یحصوها، على کثرتها وضخامة أرقامها.
أما المواطن العراقی صاحب تلک الأموال، فکان، فی زمن کتابة هذه الوثیقة، قد بدأ یذوق طعم الجوع والفقر وغلاء الأسعار وشحة المواد الأساسیة فی الأسواق. کما صار بعض العراقیین یبحث فی القمامة لیأکل أو لیُطعم أبناءه الجیاع.