۱۵۰۷مشاهدات
رمز الخبر: ۷۸
تأريخ النشر: 24 July 2010
شبکة تابناک الأخبارية: لا يمكن بأي حال تجاوز ما يجري من اختلاف في أوساط الساحة السلفية التقليدية التي عُرف عنها تماسكها وإلتزامها بالفتوى الموحدة، لكن ما حدث قد يكون إيذاناً بدخولها إلى مرحلة جديدة قوامها قبول مبدأ الاختلاف في الرأي برغم من وجود ممانعة، ولعل آخرها الاختلاف في حكم إمامة الصلاة لمستحل المعازف «.....» وجاء الرد أن الفاسق هو الذي يعمل عملاً فسقياً واضحاً مجمعاً على أنه عمل محرم، مثل الذي يشرب الخمر والذي يزني أو يسرق، فالقول الراجح حسب الرأي الآخر؛ ومن من أقوال أهل العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين «أن الصلاة خلفه جائزة».. والإمامة في الصلاة يُقاس عليها في ذلك الزمن أيضاً الحكم على الولاة.

الجدير بالذكر أن الخلاف حول جواز إمامة الفاجر أو الفاسق كان مصدره ذلك الخلاف السياسي الطويل الذي نشأ بين الفرق الإسلامية حول تكفير أو تفسيق أو إيمان صاحب الكبائر؛ والتي منها قتل النفس وأكل مال اليتيم والسرقة والزنا... إلخ؛ وكان أساس ذلك الاختلاف شرعية إمامة بعض الولاة الذي يرتكبون الكبائر، وقد اختلفت الفرق في شرعية إمامتهم، فكانت على سبيل المثال الخوارج تكفرهم بينما كان حكم المعتزلة فسقاً يجعلهم في منزلة بين الإيمان والكفر، وكان القصد من ذلك استباحة الخروج عليهم، مما أحدث فتن كبرى وقلائل لم تتوقف إلا في فترات قصيرة كان منها حكم الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وجاء الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- لاحقاً ليحسم ذلك الخلاف بجواز حكم إمامة الفاجر أو مرتكب الكبائر، وذلك في اجتهاد لوقف الحروب الدموية والفتن والقلاقل، واستندت الفتوى على أن ابن عمر كان يصلي خلف الوالي الحجاج، وابن مسعودٍ وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: «ما زِلنا معك منذ اليوم في زيادة».

تضاءل عصر الاختلاف في الرأي، واستبد الرأي الواحد و بدأ عصر الرسائل و مراحل غياب العقل، وكانت النتيجة الجمود ثم دخول عصور الظلام التي توقف فيها الاجتهاد وبالتالي الفقه الإسلامي، ودخل الغرب خلال فترة البيات التاريخي للعرب والمسلمين في أطوار التقدم والحداثة والمدنية، وكان أثر ذلك واضحاً في مناهجهم الإدارية والسياسية والاقتصادية، وكان من ثمار ذلك التطور أن نتج عنه مواقف حازمة تجاه شروط تولي المسؤولية عندما اعتبرت القوانين الوضعية أن الفاسق والسارق والقاتل والمدمن للمسكرات والمخدرات لا تسمح توليهم لمواقع المسؤولية في الغرب، وقد أجبر كثير من المسؤولين في الخروج من مواقعهم بسبب ارتكابهم لأعمال في منزلة الكبائر، فقد استقال ريتشارد نيكسون عندما ثبت أنه وافق على التجسس على الحزب الآخر، وتعرض بيل كلينتون للمحاكمة بسبب اشتباه تورطه في قضية فساد مالي أو ما يُعرف بوايت ووتر، ويتعرض الرئيس ساركوزي لاتهامات باستغلال المال العام في تمويل برامجه الانتخابية، ويدخل في ذلك عدد لا حصر له من الأمثلة على ذلك، ومنهم القضاة والنواب والمديرون، ويشمل أيضاً المهنيين الذين يخلّون بشرف المهنة حين يعتدون على خصوصيات الآخرين.

كانت تلك الاختلافات بين الفرق في القرون الأولى تبحث عن صلاح الأمة وأن يتم تقييد الإمام بالالتزام بنهج الصلاح، قد ظهر ذلك في عصر عمر بن عبدالعزيز، لكن الخطأ كان في إخراج الناس من الدين بسبب ارتكابهم للمعاصي مما استدعى خروج تيار مضاد لذلك، ويؤكد أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي، لكن ذلك لا يمنع من فتح الحوار وإثراء الفقه الاجتماعي والسياسي بأهمية تولي المسؤولية للصالح أي من لا يرتكب الفجور ويسرق ويقتل ويتعاطى المسكرات والمخدرات، وبالتالي تصحيح الأخطاء القديمة التي وإن كان مرادها الإصلاح إلا أن إقحام قضية الإيمان أفسد ذلك المشروع الإصلاحي في المهد.
*كاتب بجريدة الجزيرة
رایکم