۱۰۰۰مشاهدات
"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" وقد قطعت هذه الشجرة في خلافة عمر بن الخطاب !!. ولما وصل لقريش أخبار بيعة الرضوان خافت قريش خوفاً شديداً فقالوا نريد الصلح !.
رمز الخبر: ۷۰۲۴
تأريخ النشر: 24 January 2012
شبکة تابناک الأخبارية - جميل ظاهري:  الصّلح في اللّغة اسم بمعنى المصالحة والتّصالح ، خلاف المخاصمة والتّخاصم ، حيث يختصّ بإزالة النّفار بين النّاس .كما انه معاقدة يرتفع بها النّزاع بين الخصوم ، ويتوصّل بها إلى الموافقة بين المختلفين. فهو عقد وضع لرفع المنازعة بعد وقوعها أو قبل ذلك بالتّراضي.

وشرع الدين الاسلامي الحنيف والذي بعث رحمة للعالمين وانقاذهم من الضلالة والشرك والجاهلية والتعصب القبلي الأعمى الذي لا يجلب للناس سوى الدمار والخزي والعار، شرع الصلح وحث عليه مادام لا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً لانه يقضي على المنازعات التي من شأنها ان تشيع الحقد والكراهية في قلوب الناس  مما تؤدي الى عواقب غير محمودة وهو ما ينهى عنه الاسلام بشدة.

وقد اكدت الاديان السماوية بل حتى الاعراف الخلقية على وجوب التزام الاشخاص بالمواثيق والشروط والوعود التي يطلقونها على أنفسهم راغبين مختارين واعتبروها من أدق المقاييس التي توزن بها شخصية الرجال. فما لانسانية انسان معني يعطي الشرط من نفسه ، الا وانه ليعلم ما استوبله في شخصيته وفي سمعته وفي ذمامه اذا هو حنث في شرطه أو رجع عن وعده أو نقض ميثاقه الذي واثق على الوفاء به.

وخير دليل على ما نقول هو ما عهد به الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر النخعي في هذا الموضوع، قال: "وان عقدت بينك وبين عدوك عقدة، او البسته منك ذمةً فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالامانة، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت. فانه ليس من فرائض اللّه شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود. وقد لزم ذلك المشرکون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرنّ بذمتك ولا تخيسنَّ بعهدك ولا تختِلَنَّ عدوَّك، فانه لا يجترئ على اللّه الا جاهل شقي. وقد جعل اللّه عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسکنون الى منعته ويستفيضون الى جواره...".

ويروي لنا كبار رواة التأريخ الاسلامي وغيرهم وقوع صلحين مهمين جداً جاءا لرفعة الاسلام والحد من اراقة دماء المسلمين والابقاء على الدين الاسلامي المحمدي الأصيل حتى يومنا هذا وهما صلح الحديبية بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والكفار ، وصلح الحسن بين الامام الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام وبين معاوية بن أبي سفيان حيث يشدد الرواة الى أن كلا الصلحين قد نقضهما بنو أمية الأول على يد أبي سفيان (صخر بن حرب بن امية بن عبدالشمس بن عبد مناف) والثاني على يد ولده معاوية بن أبي سفيان مما أدى الى اغتصاب الحق وسفك الدماء البريئة [أبن أبي الحديد (ج 4 ص 16و6و7) وأبن الأثير (ج 5 ص159و160) وتفسير الطبري (22/239-250) وتفسير ابن كثير (7/344-360) وصحيح البخاري (2734) وسنن أبي داود (2765) ومسند الامام أحمد (18449) وفتح الباري (5/334-350) والبداية والنهاية (4/317-325) وسيرة ابن هشام (2/389-397) وعيون الأثر (2/181-190) والكثير غيرها].

النقض الأول فهو :- اعلن رسول الله (ص) في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة نيته السير إلى مكة لأداء العمرة، وأذّن في أصحابه بالرحيل إليها لأدائها وسار (ص) بألف وأربع مئة من المهاجرين والأنصار، ليس معهم من السلاح لأنهم يرغبون في السلام ولا يريدون قتال مع المشركين.. فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت الحرام.

فاجتمع المسلمون من حول نبي الرحمة وبايعوه تحت الشجرة "بيعة الرضوان" التي خلدها القرآن الكريم بقوله تعالى:"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" وقد قطعت هذه الشجرة في خلافة عمر بن الخطاب !!. ولما وصل لقريش أخبار بيعة الرضوان خافت قريش خوفاً شديداً فقالوا نريد الصلح !.

فأسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح " صلح الحديبية " الأربع التي مهدت الى دخول بعض القبائل الى الاسلام آنذاك.

فالتزم الرسول (ص) واتباعه وانصاره بالمعاهدة والميثاق الذي وقعوه مع الكفار حتى نقضته ونكثته قريش بزعامة أبو سفيان وذلك بعد سنتين أي في السنة الثامنة للهجرة فقد أغارت قبيلة بنو بكر على خزاعة ليلاً بمساعدة أبو سفيان وقريش حيث مدوا بني بكر بالسلاح والقوم واعانوهم بأنفسهم، وقتلوا جماعة من خزاعة التي كانت قد دخلت الاسلام، فكان ذلك نقضاً لصلح الحديبية.

فبلغ الخبر الى الرسول الأكرم (ص) فجهز العدة واعلن النفير العام بين المسلمين وقرر الهجوم على مكّة محافظاً على مبدأ المباغتة كي يتمكن من السيطرة على مكّة بلا حرب وبلا اراقة دماء.فدخلها(ص) فاتحاً منتصراً رغم أفشاء الأمر من قبل أبو بكر وطاف بالبيت العتيق، وجعل كلما مَرَّ بصنم من الاصنام التي كانت فيها يشير إليه بقضيب في يده ويقول:"جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" ثم ان الرسول (ص) أمر علي بن ابي طالب (ع) فصعد على كتفه وأسقط  صنم "هبل" وهو كببير الاصنام وكان موضوعاً فوق الكعبة وحطّمه ، وبأمر رسول الله (ص) دفن عند باب شيبة (احد ابواب دخول المسجد الحرام) لكي يداس بالاقدام. فصار الدخول من المسجد من باب بني شيبة سُنّة لأجل ذلك.

اما النقض الثاني فكان حينما توجه الامام الحسن بن علي أمير المؤمنين (ع) لمحاربة معاوية على التأويل في خروجه على امام وخليفة زمانه واغتصاب الخلافة المحرمة على الطلقاء  وفي مقدمتهم معاوية وبنو أمية ، كما حارب النبي الأعظم (ص) الكفار على التنزيل.

 لكن ظروف الكوفة كانت بالغة الصعوبة والحساسية حيث تعيش اختلافاً كبيراً عن بقية الأمصار ذات الشعوب المتجانسة نسبياً في الجوانب الدينية والمذهبية والقومية، فانفردت الكوفة بخليط اجتماعي غير متجانس، وتركيب شعبي شديد التعقيد ، أفرز مزاجاً خاصاً وأعطاها طابعها المتميز في التحرك والنكوص وفي التقدم والتراجع . فإذا أريد فهم مجتمع الكوفة يتحتم علينا مراعاة مسألة التركيب الاجتماعية الغريبة لها والتي تعكس تصرفات معينة طوال تاريخها.

فتركيبة الكوفة الاجتماعية كانت متمثلة في الحزب الأموي، والخوارج ، والمذبذبين الشكاكين، وشرطة زياد المسمّون بـ"الحمراء"، حيث يقدر الطبري عددهم بعشرات آلاف المسلحين ممن يسيل لعابهم أمام بريق الدينار والدرهم ، وأصحاب المصالح ! وكانت هذه التركيبة بحاجة إلى عقلية قادرة على التعامل معها بوعي وحنكة فائقين ولم يكن غير الامام الحسن (ع) قادر على إدارة كفة هذا الموج المتلاطم من الوضع الاجتماعي . ولكن هل هناك طاعة من قبل الأمة على الحرب والسلم؟!

فيما يذكر المؤرخون أن جيش الامام الحسن (ع) بقي ينازل عدواً يعده خمسة وأربعين ضعفاً بالضبط ! فأين الكفاية لقمع فتنة الشام بالقوة ؟! ناهيك عن محاولات الخيانة والاغتيال المتعددة التي تعرض لها الامام الحسن عليه السلام حتى من أقرب اصحابه وانصاره. كما إن سلطة الروم في ذلك الوقت كانت تتحين الفرص للإنقضاض على دولة الاسلام.

فالظروف الحرجة التي وضع فيها الامام (ع) هي التي لم تعطه خياراً آخر غير التنازل الاضطراري عن الخلافة .. بالشكل الذي يعود به بعض النفع على الدين وأهله . ومن دون هذا الأسلوب سوف تؤول الأمور الى سيطرة معاوية قهراً بعد أبحر من الدماء ، وبلا فائدة تعود على الدين وأهله . وبهذا الأسلوب تحققت بشرى الرسول الأعظم (ص) :"إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به فئتين من المسلمين" .

وكما يقول الفيلسوف الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره):"تصاب المجتمعات بعدة أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي أبان إمامة الحسن عليه السلام هو مرض (الشك في القيادة). وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكّون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية ؟ وقد عبر أمير المؤمنين (ع) عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه :"ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاًَ ونهاراً ، وسراً وعلاناً ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ماغزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان ".

فالشك في قيادة الامام الحسن (ع) وعدم وجود الأنصار المخلصين له بما يكفي .. عند ذلك رأى الامام (ع) بثاقب رأيه وتسديد السماء له أن الوقوف بوجه جيش الشام لم يكن من صالح الاسلام ولا من صالحه أو صالح أهل بيته وشيعته ، وإن الخوض في معارك خاسرة واضحة المعالم مسبقاً ضرب من عدم حنكة القيادة وعدم التدبير ولئن انتصر معاوية في حربه هذه رسمياً لاستطاع أن يزيل الإسلام من أساسه ويقضي على الدين وعلى جميع المؤمنين الحقيقيين من شيعة الامام علي (ع) تماماً، واستأصلهم من الوجود ، ولم يبق من الاسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه.

ورغم كل ذلك فان موضوع صلح الامام الحسن (ع) هو تبيين عبقرية الامام (ع) وحنكته السياسية ، وحفاظه على الاسلام الصحيح وحقناً لدماء المسلمين خاصة وانه حمل العدو الغادر الذي كان يفيقه عدة وعدداً صلحاً كله لصالح الاسلام المحمدي الأصيل ، ورأى من المصلحة الاسلامية والانسانية العامة أن يصالح معاوية ، ولم يكن يشك في عدم أهلية معاوية ، وبذلك أظهر نفاق بنو أمية للذين ينخدعون بهم .

ولم يلتزم معاوية ولا من خلفه في حكومة بني أمية ، حتى بشرط واحد من تلك الشروط مع أنه وافق عليها في البدء وقال كلمته المشهورة بعدما صعد المنبر بعد حوالي ستة أيام من توقيعه على الصلح ومما قال "وإن الحسن بن علي قد أملى على شروطاً، وها هي تحت قدمي لا أفي بواحد منها" ! وهذا يدل على بطلان خلافته ، لأنه نقض العهود والشروط ! وكان آخر سيئاته أن نصب ابنه يزيداً الذي لا يشك أحد في أنه غير أهل لخلافة المسلمين المؤمنين الصالحين. بعد أن رفض تسليم الحكم للامام الحسين (ع) وواصل سب أمير المؤمنين (ع) ، ولم يسلم أحد من أهل بيت الامام علي (ع)  ولا من انصارهم وشيعتهم من بطش معاوية وحكام بنو أمية الذين جاءوا من بعده .

ولكن بقيت عملية صلح الامام الحسن (ع) ورغم محاولات التحريف التي انتهجها بنو أمية ومن سار على نهجهم  حتى يومنا هذا ، هي البذرة المستمدة من صميم مصلحة الاسلام المحمدي الاصيل ومصلحة أهل البيت عليهم السلام، ومن الوحي ايضاً. وليعد الامام الحسن بن علي عليهما السلام بعد أقل من قرن، الغالب المنتصر على الخصوم المغلوبين، المهزومين طوال التاريخ. بعد أن خطى (ع) هذه الخطوات الموفقة، والسياسة الصاعدة  التي لا تبلغها السياسات، في صمت وتواضع واتئاد، وتحت ظل اصلاح الامة وابعادها من الانحراف وحقناً للدماء. والذي جسد كل ما للعظمة من معنى ليبقى الاسلام  ونهج أهل البيت عليهم السلام مناراً وصرحاً صادحاً لكل الاحرار في العالم من مسلمين وغيرهم.
رایکم