۴۹۶مشاهدات
رمز الخبر: ۶۰۹۲۳
تأريخ النشر: 27 November 2021

المملكة محاصرة: فالتهديدات للمملكة السعودية آخذة في الازدياد، وقد ظهرت على جميع الجبهات البرية، البحرية، الجوية، وكذلك في الفضاء الإلكتروني. وبشكل عام، هناك مصدر واحد لهذه التهديدات: إيران ووكلاؤها في المنطقة. وهنا يطرح السؤال: كيف يمكن للدولة الخليجية الرائدة أن تواجه التحديات العديدة التي كانت موجودة أمامها؟ وهل تستطيع إسرائيل والتي يتوجب عليها مساعدتها أن تفعل ذلك؟

 

في السنوات الأخيرة، اشتدت التهديدات التي تواجه المملكة العربية السعودية وشهدت تغيرات كبيرة، وظهر بشكل واضح أنه هناك ارتفاع ملحوظ في التهديدات الحركية (النطاق والدقة)، والتهديدات الإلكترونية للقواعد الاستراتيجية. فعلى وجه الخصوص تواجه الرياض تهديدًا لاستمرارية العمل في منشآتها النفطية وحرية الملاحة، هذه التهديدات اللائحة في الأفق تنذر بالسوء للاقتصاد السعودي وتضر بمكانة المملكة، وفي حالة تكثيفها أكثر يمكن تقويض الأمن، بل في خضم سيناريوهات متطرفة قد يتزعزع الاستقرار الوطني، واستقرار البيت الملكي نفسه. هذا التوجه له أربعة مصادر رئيسة: خصوم المملكة العربية السعودية الذين يفوزون في سباق التسلح، وقادرون على مهاجمتها بشكل أسهل بكثير من الماضي؛ إيران التي أظهرت جرأة متزايدة في أفعالها في المنطقة، كاشفة عن ضعف الردع الخليجي الأميركي؛ كان هناك تردد لدى حلفاء الرياض التقليديين (الولايات المتحدة، باكستان، والدول العربية) لضمان أمنها؛ حيث أن سياسة الرياض الحازمة قد أثارت انتقادات متزايدة. كل ما سبق يعزز التهديد المحتمل على الساحة الداخلية (داخل الحدود وعبرها).

جغرافية التهديدات: "السعودية محاصرة"

جغرافيًا، تمتلك المملكة العربية السعودية عددًا كبيرًا من الجبهات وحدودًا طويلة سهلة الاختراق، وعلى هذا النحو، يجب على قوات الأمن في المملكة التصدي في وقت واحد لعدد كبير من مناطق التهديد، من بين حدود المملكة البالغة 4,415 كم، وبالإضافة إلى الـ 2.640 كم على الساحل، أجزاء قليلة تلك التي تسمح بالإحساس القوي بالأمن. علمًا أن الخليج الفارسي هو ممر استراتيجي لشحن الصادرات النفطية للملكة في طريقها إلى آسيا، وموطن لخزانات النفط والغاز، فالخليج نفسه حساس على الأقل أكثر من أي نقطة أخرى على الحدود البرية، حتى على الحدود العربية السعودية مع أصدقاء دول الخليج، هناك قلق دائم من السيناريوهات التي تجلب نظاما شيعيًا، تابع لإيران إلى السلطة دون سابق إنذار.

  1. التهديد الإيراني: إيران تشكل التهديد الأساسي للمملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات، وقد خاض البلدان صراعات في مجالات متعددة: تحارب السعودية الحوثيين في اليمن، وهم بدورهم يتلقون مساعدات إيرانية كبيرة؛ تعرض منشآت النفط السعودية مع ناقلات النفط للهجوم عدة مرات من قبل إيران ووكلائها؛ هجمات إلكترونية متكررة تم تنفيذها ضد المملكة؛ كما أن هناك مخاوف عديدة من نشاط إيراني تخريبي بين السكان الشيعة المحليين. إضافةً إلى ذلك، الوجود الإيراني في العراق يزيد من إحساس القيادة السعودية أنه وللمرة الأولى أصبحت المملكة في النتيجة "محاصرة" من جميع الجهات عبر إيران. كذلك فإن البرنامج النووي الإيراني، وانعكاساته على الحرية الإيرانية في العمل داخل المنطقة هو مصدر قلق. أثبتت إيران -بالفعل- استعدادها للتحرك ضد الأطماع السعودية والخليجية في المنطقة: الهجمات على ناقلات النفط، تعطيل النشاط البحري، والهجوم على إنتاج النفط السعودي في أيلول 2019 في بقيق، ومرة أخرى في آذار 2021 في راس تنورة. وبسبب خوفهم وإدراكهم لضعفهم ودونيتهم أمام إيران، لم يلم السعوديون إيران بشكل مباشر، لكنهم أدركوا حاجتهم لتعزيز أمنهم بنفسهم، مع فهم أن لديهم القليل من الطرق للرد على هكذا هجوم.

 

  1. التهديد من اليمن: خلال ست سنوات من الحرب، نجح الحوثيون في تنفيذ عدد هائل من عمليات اختراق الحدود في الأراضي السعودية، آخذين أسارى، ومحرجين الجيش السعودي المجهز بأفضل الأسلحة الغربية. في الوقت نفسه، نجحت المملكة العربية السعودية في الحفاظ على الحدود الطويلة، ومنع العمليات البرية واسعة النطاق داخل أراضيها. التهديد الأساس من الحدود اليمنية هو تهديد جوي، منعكس على إطلاق نيران عالية المدى طوال سنين، تجاه المدن والقرى على الخط الحدودي، ونحو مواقع في المنطقة تتضمن المطارات ومنشآت النفط، ورموز الدولة. من وقت لآخر، تتعرض الأهداف العسكرية والاقتصادية والمدنية، لإطلاق نار في عمق المملكة العربية السعودية. وفي القطاع البحري قرب اليمن، أثبت الحوثيون قدرتهم على ضرب منشآت نفطية في منطقة البحر الأحمر، وحتى مهاجمة البواخر قرب مينائي جدة وينبع.

 

  1. التهديد من العراق: تشكل العراق تهديدًا مضاعفا للمملكة العربية السعودية. بداية، يوجد في العراق العديد من الميليشيات الموالية لإيران التي يمكن أن تنقلب ضد السعودية عند تلقيها للأمر. ثانيا، يمكن للعناصر السنية المتطرفة من داعش التسلل عبر الحدود البرية الطويلة، وتنفيذ هجمات ضد المواقع السعودية، والحدود الأردنية أيضًا تشكل تحديا مشابها فيما يتعلق بتسلل العناصر المعادية وتمرير الأسلحة إلى المملكة.

 

  1. الساحة الداخلية: عوامل خطر إضافية تتواجد في المملكة بين السكان المرتبكين، وحتى في العائلة الملكية نفسها. أدت التغيرات السريعة التي شهدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تسريع التوترات الداخلية، مما يزيد مخاطر التخريب والنفوذ الأجنبي داخل المملكة.

 

  1. إسرائيل: لإسرائيل مرتبة دنية في تصور السعودية للتهديد، ويظهر أن الأخيرة لا تراها تهديدًا مرجعيًا ذا علاقة وثيقة بالحشد العسكري.

 

 

 

المنافسة على التفوق العسكري وحدود القدرات العسكرية السعودية:

التهديد الجوهري الذي تواجهه السعودية حاليًا، هو صاروخ دقيق طويل المدى، وهجوم طائرات بدون طيار، الأمر الذي قد يؤدي إلى دمار منشآت النفط والبنى التحتية الأساسية (مرافق تحلية المياه وتوليد الكهرباء). التهديد المحتمل متعلق بأربعة أسباب: هجوم متلاحق مثبت الدقة على عدة جبهات داخلية سعودية، خصوصا ضد المنشآت الاستراتيجية الثابتة المعروفة؛ ثغرات في التنبيهات عند الهجمات المباغتة؛ الدهاء والاختراق الاستخباراتي للعمليات.

لدى إيران الترسانة الأكبر في الشرق الأوسط من صواريخ كروز، صواريخ أرض-أرض، وطائرات بدون طيار التي تغطي كل الداخل السعودي، بما في ذلك من منشآت استراتيجية على ساحل البحر الأحمر. إن تطور الدقة والمدى رفع من القوة الفتاكة، وأيضًا قدرة إيران على الولوج في عدة ساحات (إيران، العراق، اليمن)، شكلا صعوبات بالغة على قدرات الدفاع الجوي السعودي. عمليا، في السنوات الأخيرة تعرضت السعودية إلى هجوم من ثلاث جبهات (وإن كانت غير متزامنة)، حيث ظهرت قدرات الدقة الإيرانية في الضربات على منشآت أرامكو في بقيق، ومن أجل الوصول إلى هذه الدقة في المستوى، احتاجت إيران إلى قائمة أهداف ومعلومات استخباراتية عالية الجودة (سابقة وحالية). ومن ثم يبدو أن المملكة العربية بما فيها من أراض سعودية، مفتوحة للاستخبارات الإيرانية وتجميع المعلومات.

على الرغم من ضخامة الأموال المستثمرة في أنظمة الدفاع السعودي، بالأخص الاستحواذ على معظم التكنولوجيا الغربية المتقدمة (بطاريات PAC-3، وأنظمة THAAD)، فقد واجهت الرياض صعوبة في التعامل مع هذا الوابل الكثيف، وستجد بالتأكيد صعوبة في إحباط هجومات واسعة الانتشار من مجموعات متلاحقة في جبهات عدة. هذا يدفع للسؤال عن قدرة المملكة على تأمين التنبيه الكافي ضد أي هجوم مفاجئ، خصوصا إذا لم يتم نقل المعلومات الاستخباراتية الحساسة من قبل الولايات المتحدة في الوقت الحالي.

ضعف عسكري آخر، يتمثل بمحدودية قدرات السعودية البحرية، مع أن الممرات الملاحية عبر مضيقي هرمز وباب المندب، شريان الحياة الأساسي للمملكة، وفي هذا المجال أيضا هي أدنى من إيران. تعمد إيران من جهتها إلى استخدام تكتيكات غير متكافئة، مثل "سرب" من عشرات السفن الصغيرة والسريعة التي تهاجم فجأة، الصواريخ المضادة للسفن، والتعدين (استخراج المعادن وتنقيتها) الهائل في منطقة الخليج. إضافةً إلى ذلك، يقوم الحوثيون في منطقة البحر الأحمر باستخدام شامل للألغام البحرية، وهجمات متكاملة من قبل المركبات غير المأهولة (طائرات دون طيار ومركبات سطحية غير مأهولة). التعاون بين إيران والحوثيين في البعد البحري يتجلى أيضا من خلال وجود سفن التجسس الإيرانية في جنوب البحر الأحمر (سابقا سافيز حتى تم ضربها والآن بهشاد).

في المقابل، فإن البحرية السعودية صغيرة نسبيا وقديمة، وقد صممت لمقاومة القوات البحرية المماثلة لا سيما في الخليج، في الوقت نفسه، هي تطور قدراتها في جبهتها البحرية الشرقية كجزء من صفقة SNEP2 (برنامج التوسع البحري السعودي؛ خطة لتحديث البحرية في المملكة تقدر قيمتها بما يفوق العشرين مليار دولار). لا يناسب هذا الحشد العسكري تطور التهديدات الناشئة عن السفن السريعة. علاوة على ذلك، فإن القدرات البحرية السعودية أقل بكثير، وبالنسبة إلى توسيع التهديد من الحوثيين وإيران في الساحة البحرية، فإن السعودية تملك اليد الأضعف.

على الأرض، القيود التي تضيق على الجيش السعودي تتضمن عددًا قليلا نسبيا من الأفراد، سوء إدارة داخلية للموارد، نقصا في البنية التحتية التكنولوجية، وثغرات عميقة في مؤهلات القيادة. تظهر الصعوبات التي تواجهها القوات البرية في عشرات الحوادث على الحدود مع اليمن، وفي الخسائر الفادحة طوال السنين الماضية. هذه القيود تتعارض بشكل واضح مع الكمية الهائلة من الموارد التي تستثمرها المملكة في دفاعها.

إن اعتماد المملكة على المنتجات النفطية وأرباحها، لتغطية معظم نفقاتها، يؤثر أيضًا على قدرتها في إدارة ميزانية دفاعية لسنوات متعددة، وعلى تلبية أهدافها الدفاعية والعسكرية. على سبيل المثال، خلال السنوات الأربعة ما قبل بدء التدخل السعودي في اليمن (2015)، نما الإنفاق الأمني للمملكة بنسبة 63%. ومع ذلك، في عام 2020، وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في اليمن، كان هناك انخفاض بنسبة 37% من الإنفاق الإجمالي في الأمن، ويبدو أنه بسبب التراجع في أسعار النفط والموارد التي فرضتها جائحة COVID-19. وهكذا، بلغت النفقات الأمنية للمملكة 57.5 مليار في عام 2020، أقل بنسبة 10% مما كانت عليه في عام 2019. ومع ذلك، ظلت المملكة أكبر مستورد للأسلحة في العالم، فحوالي 11% من جميع الأسلحة المنتجة في العالم كانت تخصص للسوق السعودية (80% من تلك الأسلحة جاءت من الولايات المتحدة، 10% من المملكة المتحدة، وما تبقى من الحلفاء).

البعد الإلكتروني:

ليس من المستغرب أن يتم الإعلان عن القليل من المعلومات الرسمية، حول التهديدات الإلكترونية للمملكة. في الوقت نفسه، يظهر أن السعودية هي واحدة من دول العالم الأكثر استهدافا للهجمات الإلكترونية، حيث تتعرض البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات السعودية، لهجمات منظمة من عناصر معادية، يعتقد أن إيران هي مصدر غالبية الهجمات، التي تركز على الكهرباء، المياه، الطاقة، تحلية المياه ورموز الحكومة.

من الواضح أن المملكة العربية السعودية تستثمر جهدا كبيرا، وأموالا طائلة في تطوير أدوات ومبادئ، للتعامل مع التهديد المتزايد في البعد الالكتروني، على الرغم من أنه يبدو نقطة ضعف للسعودية. العائلة الحاكمة تفهم المخاطر والفرص الكامنة في هذا البعد وهي تعمل على تطوير الاستراتيجية الإلكترونية. ومع ذلك، فإن العوامل الداخلية تتحدى هذا الجهد، أولاً وقبل أي شيء، الانقسام الكامن في الحكومة السعودية؛ تنقسم القوى المؤثرة على مراكز قوى متعددة التي تعود إلى مختلف الوزارات والهيئات، وهذا الوضع يصعّب صياغة وتنفيذ سياسة إلكترونية موحدة، بإمكانها تلبية احتياجات المملكة الأمنية المتنوعة.

من العوائق ذات الصلة، الضعف التكنولوجي في المجتمع السعودي. تعكس هذه المشكلة غير المتعلقة فقط بالشأن الإلكتروني، ضعف المملكة التي لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية البشرية والتكنولوجية لإمكانيات متطورة. صناعة تكنولوجيا المعلومات تشكل فقط 0.4 من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، وتعتمد المملكة بشكل أساس على المساعدات الخارجية للاحتياجات المدنية المتعلقة بالبعد اإالكتروني.

تعزيز القدرة الاستراتيجية المستقلة؟

فهم السعودية للثغرات العسكرية الكبيرة، وعمق التهديدات التي يجب أن تتعامل معها، إلى جانب ضعف الدعم الأميركي وقصر الوقت للانفجار النووي العسكري الإيراني، يمكن أن يسرع من تفكير القيادة السعودية في تطوير القدرات النووية العسكرية المستقلة، كشكل جديد من الردع في الترسانة ضد النشاط الإيراني.

إن اهتمام المملكة العربية السعودية بالمجال النووي ليس جديدا، ولا قلق من أنه في ظل ظروف وشروط معينة، يمكن للرياض اتباع مسار نووي عسكري. وقد أشار كبار القادة في المملكة إلى هذه القضية في أكثر من مناسبة، وذكروا أن المملكة ستمتلك قدرة نووية إن فعلت إيران ذلك، وأن المملكة ستسعى للسيطرة على جميع مكونات دورة الوقود النووي.

بالإضافة إلى ذلك، في حين أن البنية التحتية العلمية والتكنولوجية في المجال النووي في السعودية محدودة، وتخضع لضغوط دولية جديدة، إلا أن المملكة لديها تاريخ في إخفاء الأنشطة المختلفة في المجالات العسكرية الاستراتيجية، لا سيما في مجال الصواريخ الأرضية، ولا يعقل أن تخفي اليوم أيضا نشاطا في المجال الاستراتيجي العسكري. من المشكوك فيه أن يكون لدى المجتمع الدولي، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القدرة على تحديد النشاط المحظور على نطاق ضيق، خاصة في ظل الظروف التي تميز المملكة. علاوة على ذلك، لم يقلل الاتفاق النووي في عام 2015 من التحفيز للسعودية لامتلاك القدرة النووية، لكن يبدو أنه قلل مؤقتا من عجلة المشكلة. إن التآكل المستمر لالتزامات إيران ببنود الاتفاقية، وتضييق وقت الاختراق يمكن أن يؤدي مرة أخرى إلى تحفيز القيادة السعودية، خصوصا تحت تأثير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للتحرك بسرعة أكبر نحو تحقيق القدرة النووية، متضمنة ما يمكن من "الاختصارات"، بمعنى الحصول عليها "خارج الرف" من مصادر في باكستان أو كوريا الشمالية، على سبيل المثال.

 

الولايات المتحدة - المملكة العربية السعودية – الصين:

على الرغم من الضبابية التي تحيط حاليا بمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، فإن التقييم هو أن سياسة بايدن في بداية ولايته فيما يتعلق بـ "إعادة ضبط" العلاقات مع المملكة، لا تهدف إلى تدهور العلاقات، بل تعكس رغبة في تشكيل العلاقات بالشكل الذي يناسبها وتمكنها من مواصلة الشراكة الاستراتيجية الثنائية. من وجهة الإدارة، فإن النهج العملي للجانبين والذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح كل جانب، هو ما سيحافظ على العلاقة المتبادلة. من الواضح أيضا للإدارة أن علاقاتها مع السعوديين، لها تأثير مباشر على قدرة الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، بما في ذلك التعامل مع نشاط المواجهة الإيرانية في المنطقة، وإنهاء الحرب في اليمن، والحفاظ على استقرار سوق الطاقة العالمي.

تدرك السعودية أنه رغم الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمنها، فلا بديل عن الوجود العسكري الأميركي كحد للعدوان الإيراني، ولا بديل عن التكنولوجيا العسكرية الأميركية (والأوروبية)، ولكن الرياض مهتمة بتنويع مصادر دعمها، حتى لا ينتهي بها الأمر في وضع الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، لا سيما الأنظمة المقيدة من قبل الولايات المتحدة للحصول عليها (مثل هجوم طائرات بدون طيار والقدرات الإلكترونية الهجومية). لذلك، تعمل السعودية على تطوير العلاقات مع القوى العظمى مصادر الأسلحة المتنافسين. كما يظهر في الولايات المتحدة بشكل متزايد، عزمها على تقليص مشاركتها في المنطقة، فيجب على واشنطن أن تأخذ بعين الاعتبار أن خصومها، من ضمنهم الصين، سوف يستغلون ذلك من أجل تعميق مشاركتهم. من ناحية أخرى، فإن نطاق التعاون بين السعودية والصين هو دلالة على قوة الضغط الأمريكي. مع اشتداد هذا الأمر، سيصبح صعبًا على شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تعميق علاقاتهم مع الصين.

وبالفعل، وفقا لاهتمام الصين المتزايد بالخليج، يبدو أن واشنطن ليست مترددة في ممارسة الضغط العام على دول المنطقة، لأنها ترى أن بعض جوانب التعاون بينها وبين الصين تضر بالأمن القومي الأميركي. تدرك السعودية الحساسية الأميركية المتزايدة تجاه الصين، وتهتم بتجنب التورط في المواجهة مع الدول العظمى. ومع ذلك، فإن قرار واشنطن بعدم منحها المكونات التكنولوجية العسكرية المصنوعة في الولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي إلى أن تتلقى ذلك من الصين. من جانبها، تشير الأخيرة إلى أنه من الممكن تقوية استراتيجية التعاون مع السعودية، التي بدورها تتعاون معها في الملف النووي (في هذا المجال يظهر أن هناك أكثر مما تراه العين)، على غرار اهتمام السعودية بالصين، لا تتردد الرياض في الانخراط في الخطاب العسكري وتلقي الأسلحة (طالما لا يوجد بديل محتمل في السوق الغربية)، من جهات فاعلة أخرى من ضمنها كوريا الشمالية. تفعل ذلك بسبب نقص البدائل وخروجا من تقييم أنه حتى لو تم الكشف عن أفعالها، فإنها ستكون قادرة على التراجع، وتسهيل الأمور مع الولايات المتحدة الأميركية، بناء على العديد من المصالح المشتركة.

 

الخلاصة: العودة إلى أنماط النفوذ التقليدية

حتى عام 2015، عندما أطلقت عملية عاصفة الحزم في اليمن، امتنعت المملكة العربية السعودية عن قيادة عمليات عسكرية كبيرة، وشاركت أكثر في التحالفات الإقليمية (مساعدة مجلس التعاون الخليجي [دول مجلس التعاون] على استقرار النظام البحريني في عام 2011؛ مشاركين في التحالف الدولي ضد داعش). استندت هذه السياسة على فهم حدود القوة، وقدرتها على الاعتماد على الولايات المتحدة وشركائها العرب لبناء تحالفات. بالإضافة إلى ذلك، حاولت السعودية الحفاظ على تواصل مستمر مع مصادر التهديد المحتمل، من أجل الحفاظ على منع التصعيد خلال مزيج من الديبلوماسية، وبالأخص خلال أدوات نفوذها الاقتصادي.

ومع ذلك، فالتغيير في نهج البيت الأبيض تجاه حليفته السعودية وخصمه إيران، قد سرع من تعديلات الرياض لسياستها الخارجية، على الأقل خارجيا وبعيدًا عن الإشارة إلى الولايات المتحدة بأهمية استمرار الشراكة، الأثر السلبي ل COVID-19 الكارثي على الاقتصاد السعودي أيضا يظهر في الخلفية.

تضمنت التعديلات في السياسة السعودية استعدادا للتوصل إلى معاهدة مصالحة مع قطر (كانون الثاني 2021)، وعرض جيد تم الإعلان عنه للحوثيين ليوقعوا اتفاقًا سخيًا لوقف إطلاق نار (لم يتم تنفيذه في النهاية)، ومؤخرًا الحوار مع إيران. أشار ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان في خطاب ألقاه في 28 نيسان 2021 إلى تعديلات في السياسة لخارجية تجاه إيران: "إيران دولة مجاورة، كل ما نطلبه أن نكون علاقة جيدة ومتميزة مع إيران(...) نحن نريد أن تزدهر وتنمو، حيث لدينا اهتمامات سعودية في إيران، وهم لديهم اهتمامات إيرانية في السعودية". يتعارض هذا البيان تماما مع الادعاءات السابقة لابن سلمان ضد إيران، حيث شبه القائد الأعلى في إيران بهتلر. ينضم هؤلاء إلى خط تصالحي متجدد تجاه نظام بشار الأسد في سوريا، وتدفئة العلاقات مع العراق، وقضاء شهر العسل مع عمان. يظهر أنه في العام 2021، هناك تغيرا سيطرأ على السياسة المعلنة للقيادة السعودية: تمت تنحية الخط العسكري الحازم الذي تبنته السعودية خلال العقد الماضي، مع بداية الاضطرابات الإقليمية. تسعى المملكة الآن إلى إدارة النزاعات وتخفيف التوترات قدر الإمكان، إلى جانب استمرار الحشد العسكري والجهود المبذولة للحفاظ على العلاقات مع واشنطن في ظل إدارة بايدن أيضا.

على الصعيد العسكري، حاولت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة في عدة مناسبات، إنتاج رد عسكري مستقل على التحديات الأمنية التي كانت أمامها، لكن الرد ظل محدودا، حيث بلغ حد اقتناء أسلحة استعراضية، والاستفادة من الثروة والهيبة الدبلوماسية لتجنيد شركاء الحرب. ومن أجل تحسين القدرات، يجب أن تكون قادرا على تنفيذ مناورات كبيرة للقوات خارج حدودها، ومقاومة الهجمات ضد مراكز التجمعات السكنية، والبنية التحتية الأساسية عبر قذائف الصواريخ، تعطيل ممرات الشحن، الهجمات الالكترونية، أو الهجمات الإرهابية والتخريب الداخلي.

علاوة على ذلك، فإن القوى البشرية المحدودة نسبيا لقوات الدفاع السعودية، والشكوك فيما يتعلق بمهاراتهم، مع التفاوتات التكنولوجية الكبيرة في المجالات البحرية، الجوية والإلكترونية، فضلا عن التقسيم الداخلي بين مختلف الهيئات الأمنية، كل ذلك يضع علامة استفهام حول قدرة السعودية على شن حملة واسعة النطاق، حتى ضمن الساحة الواحدة. أضف إلى ذلك، أن الإحساس السعودي يتمثل بوضع دعمها الاستراتيجي التقليدي موضع الشك، نظرا إلى عملية الانسحاب الأميركي من المنطقة، والخلافات الأخيرة مع باكستان، وهذا ما أضعف مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، إلى جانب ضعف المعسكر السني ككل. تغذي هذه الظروف المخاوف من أن تتعرض السعودية لمزيد من التحديات بحيث لا تعارض سياسة إيران الإقليمية.

من المتوقع أيضا أن تؤثر التطورات الحاصلة بين الولايات المتحدة والسعودية على إسرائيل، وخاصة اهتمامها بمواصلة اتجاه التطبيع الإقليمي، وتعميق الاتفاقيات الحالية مع دول الخليج، وإضافة دول أخرى إلى العملية، وفي مقدمتها السعودية. هناك أهمية كبرى للحفاظ على الجبهة الدبلوماسية والعسكرية الإقليمية ضد إيران، والتي تلعب فيها السعودية دورا مهما. ومن ثم، فإن لدى إسرائيل مصلحة واضحة في كون انخفاض العلاقات بين واشنطن والرياض طفيفا، وقابلا للعكس قدر الإمكان. في الوقت نفسه، فإن إسرائيل معنية بضبط ورسم الحدود لولي العهد السعودي، لمنع الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية، التي من شأنها تقويض الاستقرار الإقليمي التي بالتأكيد لا تتم بالتنسيق مع الأطراف المعنية.

لذلك، يجب على إسرائيل أن تنقل للإدارة الأميركية العواقب المحتملة للضغط على الرياض، وأن تناصر بحذر وتكتم نيابة عن السعوديين، مثل الهوية الإسرائيلية العلنية مع المملكة بشكل عام ومع بن سلمان بشكل خاص، الذي يتعرض حاليا للانتقاد القاسي خاصة من الحزب الديمقراطي، الذي من شأنه أن يضر بالخطاب بين القدس وواشنطن. في الوقت نفسه، فإن استخدام السعودية لمزاياها النسبية يجب ألا يهدد بذاته الاهتمامات والمصالح الإسرائيلية. تملك إسرائيل اهتمامات واضحة للحفاظ على استقرار المملكة ومكانتها في ترسيخ المعسكر السني في المنطقة، الذي يدعم اتفاقيات السلام معها ويرى إيران تهديدا للاستقرار الإقليمي. إذا تمكنت المملكة من إبعاد التهديدات دون النظر إليها على أنها تصالحية، ودون منح إيران والمحور الشيعي تنازلات مقابل الهدوء العسكري، فإن إسرائيل أيضا سوف تستفيد.

المصدر: يوئيل جوزانسكي، تومر باراك

INSS

رایکم
آخرالاخبار