۴۵۷مشاهدات
رمز الخبر: ۵۰۲۶۵
تأريخ النشر: 05 April 2021

مطلع أيار/ مايو 2019، وبعد إنهاء تواجد مسلحي "داعش" في منطقة الباغوز السورية بأقل من شهرين، من قبل مسلحي "قسد" المدعومين بقوات التحالف الأميركي، أنجزت صفقة سرية، أفضت بتسليم "قسد" عدد ناهز الـ100 من مسلحي التنظيم بينهم نحو 10 من قيادات "داعش"، يحملون جميعهم الجنسية الصينية المعروفين "بالإيغور" إلى بكين عبر وسطاء.

سعت قوات "سوريا الديمقراطية" حينها، لإنجاز الصفقة بعيداً عن الوسطاء، في محاولة لتوقيع اتفاق مباشر بينها وبين الصين في محاولة لكسب اعتراف رسمي صيني بـ"قسد" كإدارة رسمية معترف بها من قبل حلفاء دمشق، وهذا ما لم يحدث. حرصت الصين على عدم التوقيع مع "قسد" وأن تكون الصفقة من خلال وسطاء، وهذا ما تم فعلاً. حادثة تظهر أهمية الأسرى من مسلحي "داعش" والمعتقلين في سجون "قسد" للإدارة الذاتية المتحكمة بمنطقة شرق الفرات بفضل الدعم والرعاية الأميركية لها، لما لهم من دور كورقة ضغط على دول مختلفة لكسب اعتراف هذه الدول بـ"قسد" كقوة شرعية تتحكم بشرق الفرات.

12 ألف مسلح يتبعون لـ"داعش" يتوزعون على مجموعة من السجون في منطقة شرق الفرات، من بينهم قرابة الـ3 آلاف مسلح يحملون جنسيات أجنبية من 54 دولة. يشكل التونسيون العدد الأكبر منهم، كما يتجاوز عدد الفرنسيين الـ200 بعد أن كان العدد قبل حسم معركة الباغوز لا يتجاوز الـ100، بحسب مسؤولين فرنسين أكدوا أن سجون "قسد" تضم قرابة 80 مسلحاً من "داعش" يحملون الجنسية الفرنسية. أما باقي المعتقلين فهم 4 آلاف سوري و5 آلاف عراقي. السوريون يتوزعون على سجون في محافظات حلب، الرقة، الحسكة، ودير الزور. من أهمها:

سجن "غويران" في مدينة الحسكة: يقع في الجهة الجنوبية لحي غويران في مدينة الحسكة، يعتبر السجن الأكبر لمسلحي "داعش"، ويشتهر أن معظم قيادات التنظيم المعتقلين يتواجدون في هذا السجن والمؤلف من 3 مبان هي مبنى السجن المركزي الحكومي سابقاً الذي سيطر عليه مسلحو "قسد" مطلع عام 2016، يوجد فيه ما يقارب 5000 معتقل من مسلحي "داعش"، يحملون جنسيات من 40 دولة حول العالم. أهمها تونس ومصر وفرنسا وهولندا ودول أخرى.

سجن الصناعة: مضى على إنشائه 3 سنوات، ويعود اسمه نسبة إلى الثانوية الصناعية والمعهد الفني اللذان حولتهما "قسد" والقوات الأميركية إلى معتقل لمسلحي "داعش" ومن يخالف "قسد" في الحسكة ويتسع لقرابة ألف شخص، قبل شهر، أعلن التحالف الأميركي أنه يتجه لتوسيع السجن ليتسع لـ5 آلاف سجين أسوة بسجن غويران.

سجن "كامبا البلغار" يقع شرق مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، يضم نحو 5 آلاف مسلح من تنظيم "داعش" ويعتبر السجن الأقرب إلى القاعدة الأميركية المتواجدة في المنطقة. وشكل هذا السجن نقطة هامة لنقل أعداد متتالية من مسلحي "داعش" إلى جهات غير معروفة، فمطلع آذار/مارس 2021 نقلت القوات الأميركية المتواجدة في الحسكة قرابة 100 مسلح من أسرى "داعش" في سجن غويران إلى سجن كامبا قبل نقلهم عبر الطائرات المروحية إلى جهة مجهولة. وسبق هذه الحادثة نقل أكثر من 200 مسلح من "داعش" إلى هذا السجن أيضاً، ليسجل بعدها نشاط لخلايا "داعش" في البادية السورية خاصة ضد الجيش السوري وحلفائهم من بادية حمص إلى دير الزور، ما أثار شكوكاً كثيرة وتساؤلات عن مصير أسرى التنظيم الذين تنقلهم القوات الأميركية إلى جهات غير معروفة، وإن كان نشاط خلايا "داعش" مرتبط بهذا الأمر.

سجن الكسرة الذي يقع في ريف دير الزور الغربي وسط كتلة أمنية وعسكرية من المراكز التابعة لـ"قسد" وقرب 3 قواعد عسكرية أميركية هي قاعدة الكونيكو، وقاعدة حقل العمر، وقاعدة المدينة الصناعية في دير الزور. يوجد في السجن 500 معتقل فقط وجميعهم من مسلحي "داعش"، يعتقد أنه يضم الأسرى من أهم قيادات تنظيم "داعش".

سجن الصور: يقع في ريف دير الزور الشمالي، من أسوء أنواع السجون التابعة لـ"قسد"، وفيه يتعرض السجناء لشتى أنواع التعذيب والحرمان، وتمارس بحقهم كل أشكال العنف النفسية والجسدية، كما يتعرضون فيه لكل أنواع الابتزاز بما فيها الابتزاز المادي. السجن يوجد في مركز قديم للأعلاف قرب بلدة الصور الواقعة في ريف دير الزور الشمالي. من حيث الشكل، يضم السجن 4 غرف مجهزة على شكل هنكارات، تتسع لقرابة 300 سجين وتفتقر لأدنى المقومات الصحية والإنسانية. غالبية من في هذا السجن هم من أبناء العشائر العربية السورية المعتقلين عند "قسد". ويعتبر سجن صور من السجون المؤقتة، وتتم فيه عمليات التحقيق مع المتهمين بشكل كامل قبل أن ينقلوا إلى سجن آخر دائم.

سجون أخرى أقل أهمية من سابقاتها: أهمها سجن الشدادية يقع في مدينة الشدادي جنوب الحسكة، والسجن المركزي في الرقة الذي يقع في مطاحن الرقة ويضم مساجين من تنظيم "داعش" غالبيتهم من السوريين، وسجن رميلان في ريف القامشلي، وهناك سجن يدعى "بمكافحة الإرهاب" في مدينة عين العرب الواقعة في ريف حلب الشرقي، إضافة إلى سجن المالكية في ريف الحسكة الشمالي الذي يطلق عليه ساكنو القرية "دارك" أي الكنيسة الصغيرة بالكردية، يقع تحت الأرض بأمتار قليلة في قبو محكمة قديمة. سيطرت عليه وحدات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري لحزب "البي كي كي"، بعد طرد "داعش" من المنطقة مطلع نهاية 2015، يشتهر سجن دارك بأنه من أسوأ معتقلات "داعش" خلال سيطرته على المنطقة، وكان يعتقل فيه الأسرى من السوريين والعراقيين، ويقع قرب الحدود السورية العراقية.

بالنظر إلى توزع خارطة السجون وتعدادها في منطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة مسلحي "قسد"، وإدارة التحالف الدولي، ويتواجد فيها ما يقارب مليون نسمة، سيتبادر إلى الأذهان فوراً سؤال واحد عن الحاجة إلى هذا العدد الكبير من السجون، ولماذا تعمل "قسد" على توسيع السجون وعن حقيقة رفض الدول الأوروبية وغيرها استلام أسرى "داعش" ممن يحملون جنسيات أجنبية، وكيف تتعامل "قسد" مع هذه الورقة في ظل عدم شرعية وجودها وعدم امتلاكها لنظام قضائي معترف به عالمياً لمحاكمة مسلحي التنظيم.

في كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية نيتها تشكيل محاكم خاصة بها لمقاضاة مسلحي "داعش"، السوريين والعراقيين وممن يحملون جنسيات أجنبية. القرار لاقى رفضاً من العديد في العديد من دول العالم خاصة الأوروبية منها. فبرغم التأييد الغربي لـ"قسد" إلا أن دول الاتحاد الأوروبي إلى الآن لم تعترف بـ"قسد" كقوة حاكمة حقيقية لمنطقة شرق الفرات، ولهذا نلاحظ أن هذه الدول ترفض التعامل المباشر مع "قسد" كجهة رسمية مقابلة لها فيما يخص أسرى "داعش" ممن يحملون الجنسيات الأوروبية.

ينتمي أسرى "داعش" الحاملين لجنسيات أوروبية إلى 13 دولة، وبحسب دراسة صادرة عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، فإن مسلحي "داعش" ينتمون إلى الدول الأوروبية على النحو الآتي:

الدنمارك: أحدث بيانات صدرت عن جهاز الأمن والمخابرات الدنماركي تعود إلى كانون الثاني/يناير 2018، وفقاً لـ"يورونيوز" فى 20 شباط/فبراير 2019، تعتقد بأن 150 شخصاً على الأقل غادروا الدنمارك متوجهين إلى سوريا أو العراق منذ صيف عام 2012. وعاد أكثر من ثلث هذا العدد إلى الدنمارك ويُعتقد بوفاة 25% منهم على الأقل. وتقريباً لا يوجد حالياً سوى 20% من هذا العدد في منطقة الصراع.

هولندا: تقول وكالة المخابرات الهولندية (إيه.آي.في.دي) إن نحو 315 شخصاً غادروا هولندا متجهين إلى سوريا أو العراق بغرض الانضمام للمتشددين وإن نحو ثلثي هذا العدد من الرجال والثلث من النساء. ويُعتقد بأن نحو 55 منهم عادوا إلى هولندا بينما لقي 85 حتفهم وظل 135 في منطقة الصراع. وقالت مصادر العام الماضي إن ما يصل إلى 175 طفلاً، ممن لهم الحق في الحصول على الجنسية الهولندية، يعتقد بوجودهم في منطقة الصراع.

وتناولت "فرانس 24 " تقريراً، فى 18 شباط/فبراير 2019، بعنوان: "الجهاديون الأجانب في سوريا: الكرد يحذرون من قنابل موقوتة والأوروبيون منقسمون حول عودتهم" يتضمن إحصائيات بمقاتلى "داعش" الأوروبيين كالتالى:

فرنسا: أكدت من خلاله احتجاز التحالف العربي الكردي "قوات سوريا الديمقراطية" 130 رجلاً وامرأة وطفلاً فرنسياً.

بريطانيا: عاد إليها نحو 400 من أصل نحو 900 "جهادي" يحملون جنسيتها في حزيران/يونيو 2018.

ألمانيا: عاد ثلث "الجهاديين" الذين سافروا إلى سوريا أو العراق ويبلغ عددهم أكثر من 1050 "جهادياً" إلى ألمانيا.

بلجيكا: من أصل أكثر من 400 مقاتل بلجيكي توجهوا إلى سوريا منذ 2012، نشط حوالي 150 في المنطقة السورية-العراقية في نهاية 2018. يضاف إلى هؤلاء 160 طفلاً وفتى ولدوا لزوجين أحدهما على الأقل بلجيكي.

السويد: وفقاً لشرطة الأمن السويدية لعام 2017، التحق نحو 300 شخص من هذه الدولة الاسكندنافية إلى سوريا للمشاركة بجانب "داعش". وفي تقريرها السنوي لعام 2018، حددت المخابرات السويسرية 93 حالة غادر فيها متشددون البلاد إلى مناطق الصراع. ولقي عشرات منهم حتفهم بينما عاد 16 إلى سويسرا.

بنظرة سريعة إلى هذه الدول نلاحظ أنها بغالبيتها العظمى تشارك في التحالف الأميركي لمحاربة "داعش"، وجميعها من حيث المبدأ تدافع عن "قسد" وتعتبر مسلحي "قسد" شركاء لها في محاربة "داعش"، ولكن في الواقع نرى أن هذه الدول هي ذاتها التي رفضت طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 17 شباط/فبراير 2019 "بعد شهر من رفض الدول الأوروبية قرار تشكيل محاكم خاصة بقسد لمحاكمة مسلحي التنظيم" طلب ترامب من هذه الدول أن تتحمل مسؤوليتها وتعيد مسلحي "داعش" إليها، طلب ترامب لاقى رفضاً أوروبياً رغم تهديده باطلاق سراح مسلحي التنظيم ليعودوا الى بلدانهم.

بالنظر إلى طلب ترامب وما سبقه من إعلان "قسد" نلاحظ أن ترامب رفع سقف التهديد لإرغام هذه الدول إلى الاعتراف بـ"قسد" رسمياً وإقامة علاقات رسمية معها إما بقبول محاكمها أو بعقد صفقات رسمية معها لتسلم أسرى "داعش" ممن يحملون جنسيات هذه الدول. وفي الحالتين لاقى القرار رفضاً أوروبياً وإلى الآن ترفض هذه الدول التعامل مع "قسد" كند وكقوة حاكمة قانونية لشرق الفرات، وإن كانت تتعامل معها لتثبيت واقع في سوريا يشكل ورقة ضغط على دمشق لإرغامها على القبول بحل سياسي تكون لدول الاتحاد وأميركا نصيباً منه.

في 18 من كانون الثاني/يناير عام 2018، حذرت قوات سوريا الديمقراطية من مضي تركيا في عمليتها العسكرية التي أطلق عليها حينها “غصن الزيتون” في عفرين. التحذير اتبع بإعلان “قسد” نيتها وقف العمليات العسكرية تحت راية التحالف الأميركي ضد “داعش” شرق الفرات في حال استمرت أنقرة في عمليتها.

في 9 شُباط/ فبراير من العام نفسه، نقلت وكالة أنباء الاناضول التركية تصريحاً عن مُتحدثٍ باسم الحكومة التركية أن وحدات حماية الشعب الكردية أطلقت سراح 400 عنصر من تنظيم داعش في عفرين ودير الزور شريطة أن يُقاتلوا ضد القوات التُركيَّة.

وقال المتحدث باسم البنتاغون العقيد روبرت مانينغ للصحفيين، إن “توقف الحرب على داعش يعني أن بعض العمليات البرية التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، قد علقت مؤقتاً”.

وأضاف أن “وتيرة الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش لم تتأثر، وأن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تسيطر على الأراضي التي استعادتها من التنظيم المتشدد”.

وفي 5 من شهر آذار/ مارس من من العام ذاته، قال المتحدث باسم البنتاغون أدريان رانكين غالاوي، إن “الجيش الأميركي شاهد مقاتلين من قسد ينسحبون من الحرب ضد داعش في وادي نهر الفرات الأوسط للقتال في أماكن أخرى، ربما في عفرين”، وحذّر من “تأثير عملية غصن الزيتون على القتال ضد داعش”.

في هذه المرحلة لم يكن القتال ضد تنظيم “داعش” قد انتهى بعد. مما أوردناه، يلاحظ حجم الابتزاز الممارس من قبل “قسد” وأميركا على المجتمع الدولي، لتمرير أهداف معينة من خلال استخدام ورقة قتال داعش شرق الفرات.
مشهد مشابه لسابقه تكرر شرق الفرات بالتزامن مع الهجوم التركي على منطقتي تل أبيض ورأس العين في ريفي الرقة والحسكة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019. الفارق بين المشهدين يكمن في استخدام “قسد” هذه المرة قضية أسرى داعش في السجون للضغط على أنقرة لايقاف عملية “نبع السلام”.

في اليوم الأول لإعلان تركيا بدء هجومها البري على مناطق شرق الفرات، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي، إن سجن جركين في منطقة القامشلي، الذي يحتجز فيه مسلحون أسرى من “داعش”، تعرض لقصف تركي. اتهم البيان أنقرة بالقصف على السجن لإحداث ثغرات فيه لإطلاق سراح أسرى من داعش.

بعد أيام استخدمت قسد مجدداً ورقة أسرى “داعش” للضغط على الإدارة الأميركية هذه المرة، لدفعها لإرغام تركيا على وقف عملية “نبع السلام”، فأعلنت الإدارة الذاتية في 13 من تشرين أول/أكتوبر فرار 785 من مسلحي داعش الأجانب من سجن يقع قرب مخيم عين عيسى. وأرجعت الإدارة الذاتية أسباب تمكن مسلحي التنظيم من الهروب إلى قصف تركي للمنطقة إضافة إلى توجه مقاتلي “قسد” لمواجهة المسلحين المدعومين تركيا في تل أبيض، ما أدى إلى ضعف الرقابة على المنطقة.
اللافت أن الإدارة الذاتية ركزت في بيانها حينها أن جميع من هربوا من منطقة “عين عيسى” هم من الأجانب علماً أن معلوماتنا تؤكد أن الأسرى من مسلحي داعش في هم من مسلحي داعش السوريين، ممن تعتقلهم قوات سوريا الديمقراطية قرب الرقة وهم بغالبيتهم من أبناء عشائر الرقة والحسكة.

وتؤكد معلومات حصلنا عليها أن “قسد” أطلقت سراح 300 منهم مطلع عام 2021 وغالبيتهم من أبناء مدينة الرقة التي تفتقد “قسد” السيطرة الفعلية عليها، وجاء إطلاق سراحهم للتخفيف من الاحتقان الشعبي ضد “قسد” في المدينة.

بالعودة إلى ورقة أسرى “داعش” وإعلان فرارهم للضغط على أنقرة وواشنطن، سنجد أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اتهم حينها الإدارة الذاتية ومسلّحي “قسد” بتسهيل مهمة فرار مسلحي “داعش”. وقال في تغريدة على “تويتر” إن “المقاتلين الكرد في شمالي سوريا قد يكونون بالفعل يطلقون سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل، والمقصود بالتدخل هو إيقاف عملية نبع السلام التركية، من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية أسراهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة”.
موقف ترامب حينها كان ينبع من تأييده للتدخل التركي في شرق الفرات، ومباركته للعملية العسكرية التركية. حينها شعرت “قسد” بخيبة أمل كبيرة لأنها أدركت بأن الرهان على أميركا لا يمكن أن يكون دائماً، فنلاحظ أنها توجهت لابتزاز ترامب، لكن الأخير لم يخضع لابتزازها فعلياً.

خسرت حينها “قسد” مناطق هامة من شرق الفرات وكادت تخسر أهم معقل لها في سوريا، مدينة عين العرب ” كوباني” في ريف حلب الشرقي، لولا تدخل الجيش السوري حينها ليشكل خط فصل منع المسلحين المدعومين تركيا من التقدم إلى عين العرب.

لم يقف الاستثمار بورقة الأسرى من مسلحي “داعش” عند الابتزاز للدول، بل تؤكد المعلومات التي حصلنا عليها أن أسرى “داعش” شكلوا موارد مالية هامة سواء لـ”قسد” أو مقاتلين فيها، ساعدوا مسلّحي التنظيم على الهرب من السجون والمعتقلات. إذ تؤكد المعلومات أن تهريب مسلح واحد “من غير القيادات” تصل تكلفته لـ 1500 دولار أميركي، وذلك لقاء إيصاله إلى الحدود مع تركيا. في حين تصل تكلفة تهريب عائلة بكاملها لما يقارب 15 ألف دولار.

أمام هذه المعلومات تبرز إلى الواجهة إحدى النساء من “داعش” التي تمكنت من الوصول إلى إدلب شمال سوريا ومنها إلى تركيا، بعد هروبها من مناطق “قسد”. الإمرأة التي تدعى “مريم” تحمل الجنسية البريطانية، نشرت مقطعاً مصوراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعت فيه “أنصار تنظيم داعش للتبرع بالمال من أجل إطلاق سراح أخواتهم ومساعدتهم على الفرار إلى إدلب ومن ثم الذهاب إلى تركيا”.

وتصف “مريم” كيف جرى تهريبها من مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية حيث قضت هناك أكثر من عام بعد إلقاء القبض عليها، واصفة تلك الأيام بـ”الأسوأ في حياتها”.

وتابعت المرأة التي كانت ترتدي النقاب وهي تهز أصبع يديها مرتدية قفازات سوداء: “ينبغي علينا تحرير أخواتنا.. تبرعوا كل شهر للمساعدة في إطلاق سراحهم وتهريبهم”.

تجربة مريم البريطانية في الهرب لم تنجح في تكرارها “أليف سانجار”، البالغة من العمر 24 سنة من كولبا في ولاية آمد الكردستانية، التي اعتقلتها قوى الأمن الداخلي لمخيم الهول أثناء محاولتها الفرار مع أطفالها ووالدتها في خزان مساعدات إنسانية.

قالت “أليف سانجار” بأنهن كن تردن الفرار من المخيم، وتروي كيف أمّنوا طريق الفرار: “تحدثت مع أخي عن طريق الهاتف وقال بأنه سيقوم بتهريبنا من مخيم الهول والنفقات والطريق سوف يتم تأمينه من قبل مؤسسة الإغاثة إنسانية”.

هنا نلاحظ بروز اسم مخيم الهول الذي يقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في محافظة الحسكة شمال سورية، بالقرب من الحدود السورية العراقية، الذي أصبح ملاذاً آمناً للفارين والمعتقلين من تنظيم داعش وخاصة نساؤهم وأطفالهم.

كان المخيم حينها يضم 130 منزلاً ويستوعب نحو 200 عائلة، يحتوي المخيم على عدد من السجون التابعة لـ “قسد” على الرغم من كونه معتقلاً كبيراً. يقطنه 74 ألف شخص منهم 31 ألفاً من السوريين، ونحو 32 ألفاً من العراقيين، و11 ألفاً من جنسيات أوربية، كما يحتوي على 65 ألف امرأة وطفل ثلثاهم تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وأكثر من النصف تقل أعمارهم عن 12 عاماً.

وكانت منظمة اليونسيف قد ذكرت في بيان، أن نحو ثلاثة آلاف طفل ينتمي أهلهم إلى 43 بلداً، يعيشون في مخيم الهول.

وجاء في بيان للمدير الإقليمي لليونسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “تييد شيبان” إن هناك أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل داخل المخيمات والسجون التي تسيطر عليها قسد في شمال شرق سوريا، وأن عشرات البريطانيين محتجزون في ظروف سيئة في معسكرات قسد”.

ونشرت صحيفة “إندبندنت البريطانية”، عن وفاة العديد منهم بينهم رضع. ويقدر عدد الأطفال المحتجزون بـ 35 طفلاً بريطانياً و15 شخصاً بالغاً، وهناك حوالى 400 محتجز بالغ من داعش من دول الاتحاد الأوربي في سوريا، ولدى هؤلاء أكثر من 600 طفل. ويشار إلى أن أكبر مجموعة من سجناء داعش الأوروبيون يأتون من فرنسا تليها ألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد والمملكة المتحدة.

وخلال عام 2019، وقعت 24 حالة قتل داخل المخيم، و506 حالة حرق خيم، و700 محاولة فرار حسب إحصائيات إدارة المخيم.

وحسب المصدر نفسه عن الإحصائيات لعام 2020، فقد وقعت 49 حالة قتل، بحق رجال ونساء من النازحين واللاجئين في المخيم ونساء مسلحي داعش الأجانب، ليكون الإجمالي بذلك مع حالات العام الجاري وقوع 73 حالة قتل، إذ وقعت منذ بداية العام الجاري وإلى نهاية شهر شباط/ فبراير، 37 حالة.
وجددت مؤخراً منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، التأكيد على أن الوضع الأمني في مخيم الهول في ريف الحسكة “يثير المخاوف”، بعد إحصائيات تفيد بمقتل 40 شخصاً وطفلين منذ بداية العام، من بينهم 16 شخصاً خلال شهر آذار/ مارس الحالي.

وقالت المنظمة إنها تلقت تقارير تفيد بأن طفلاً في الـ15 من عمره قُتل في مخيم “الهول” في سوريا في حادثة عنف، الأسبوع الماضي، ولفتت إلى أن فتى آخر في الـ16 من العمر قتل رمياً بالرصاص في المخيم قبل أسبوعين.

وأكدت المنظمة أن هذه الزيادة الأخيرة في العنف بالمخيم تسلط الضوء على الحاجة الملحة لوضع حلول طويلة الأمد لأطفال مخيم “الهول”، وشددت على ضرورة إعادة إدماج الأطفال السوريين بشكل آمن في مجتمعاتهم المحلية، وإعادة الأطفال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية بأمان وكرامة.

وطالبت المنظمة السلطات المسؤولة عن المخيم بتأمين سلامة الأطفال وجميع المقيمين فيه.

واتبعت مطالبات المنظمات، بعملية أمنية لـ”قسد” في المخيم استمرت لأسبوع وانتهت مطلع نيسان/أبريل 2021. العلمية الأمنية اسمتها قسد بالعملية الأمنية الإنسانية في مخيم الهول، منعت أي من منظمات الأمم المتحدة من الوقوف على حقيقة العلمية الأمنية، وكذلك منعت منظمات حقوق الانسان من متابعة العملية الأمنية. تم اغلاق المخيم بالكامل، وعرف العالم عن هذه العملية مقاطع فيديو أخرجتها “قسد” عبر وسائل إعلامية مقربة منها أو عبر مراسلين عرفوا بالتقرب من قسد.

أعلنت نتائج العملية الأمنية بأنها كانت جيدة وأسر فيها عديد من قيادات “داعش” المختبئين في المخيم الذي بات في الآونة الأخيرة يشكل هاجساً لدول لعدة دول، منها روسيا والصين ودول أوروبية لهم في الخيم أسر تنتمي لداعش وتحمل جنسية هذه الدول. يمثل المخيم قنبلة موقوتة لما يتربى عليه الأطفال من أفكار داخل المخيم المنعزل تماماً عن العالم ولا يسمح إلا لوسائل إعلامية مقربة من “قسد” أو واشنطن بالدخول إليه.

وهنا يبرز التساؤل الذي ينتظر الأيام لتجيب عليه، هل سنشهد استثماراً من “قسد” وواشنطن لمخيم الهول ومن فيه للضغط على دول أوروبية وغير أوروبية حليفة لسوريا، لارغامها على التعامل بشكل رسمي مع “قسد” كقوة حاكمة لشرق الفرات؟

رضا الباشا/ الميادين

رایکم