۴۳۶مشاهدات
رمز الخبر: ۴۹۶۳۶
تأريخ النشر: 18 March 2021

في الوقت الذي یمر به لبنان في ظروف سياسية صعبة، واستقالة الحكومة منذ سبعة أشهر وأزمة التضخم وجائحة كورونا، حيث تغرق البلاد في ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة وغير مسبوقة، جاءت تصريحات البطريرك بشارة الراعي حول ضرورة عقد لقاء دولي حول لبنان، لتزيد من تفاقم الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادية في البلاد.

ألقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يوم السبت (27 فبراير 2021) كلمة أمام حشد من الناس في بكركي (مقر المطرانية اللبنانية المارونية) کرر خلالها موقفه حول "التدويل" وحياد لبنان علی صعيد السیاسة الخارجية، في الوقت الذي تعتبر الأبرشية المسيحية المارونية في لبنان؛ أعلى سلطة دينية مسيحية مارونية في البلاد.

على الرغم من أن الكنيسة المارونية في الظاهر لها مكانة دينية بحتة، إلا أن موافقها تظهر دائمًا في المناخ السياسي للبلاد. في زمن الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، كان موقف الكنيسة المارونية، من أكثر الأدوار السياسية تأثيراً لهذه المؤسسة، حیث دعا بطرس صفیر عقب اغتيال رئیس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لضرورة انسحاب القوات السورية من لبنان.

منذ أشهر، أصبح الكاردينال الراعي شخصية مثيرة للجدل في لبنان؛ من خلال طرحه موضوع الحياد في السياسة الخارجية، وأثارت تصريحاته العديد من ردود الفعل الإيجابية والسلبية.

کما أنه ، قدم مقترحًا متشدداً حول "تدويل" لبنان في الشهر الماضي، وقدم أخيراً جمیع مقترحاته في شكل "خطاب العام" في اليوم الذي أطلق عليه أنصاره "السبت المقدس". وبحسب الراعي، فإن المناخ السياسي في لبنان وصل إلى طريق مسدود والطريق الوحيد لإنقاذ البلاد يكمن في عقد قمة دولية. كما يعتقد أن لبنان يجب أن يكون محايدًا في السياسة الخارجية وأن يبتعد عن الاصطفافات الإقليمية.

وإنما السؤال الذي یطرح نفسه، هو أنه في أي سياق قدمت مقترحات الراعي وإلى أي مدى قد يترجم هذا الاقتراح وهل فعلا قد یخرج لبنان من أزماته المعقدة من خلاله؟ نذكر بعض النقاط لتوضيح الأبعاد المختلفة لهذا الاقتراح: الموضوع:

1-تأتي مقترحات الراعي في وقت يمر فيه لبنان بأخطر فترة زمنية منذ نشوب الحرب الأهلية. فإن اقتصاد البلاد على وشك الانهيار بحیث تراجعت قيمة العملة الوطنية اللبنانية فقط في عام 2020، بنسبة 80٪ مقابل الدولار وبلغ التضخم في السلع الاستهلاكية 120 في المائة، وانكمش الاقتصاد بنسبة 25 في المائة، ووصلت البطالة إلى أعلى مستوىً لها على الإطلاق بنسبة 35 في المائة. ونتيجة لذلك، أصبح أكثر من نصف اللبنانيين یعیشون تحت خط الفقر. کما أن المشاكل الناجمة عن تفشي جائحة كورونا، فاقمت الازمة الاقتصادية في البلاد.

هذا في الوقت الذي لم تتمكن النخب السياسية اللبنانية من إيجاد آلية حل لتحسين أوضاع البلاد. حيث يعيش لبنان في حالة فراغ حكومي منذ آب (أغسطس) من هذا العام، عندما استقال حسان دياب من منصب رئيس الوزراء بعد الانفجار المروع لميناء بيروت.

بعد فشل مصطفى أديب في تشكيل الحكومة، تم تعيين سعد الحريري لتشكيل حكومة بأغلبية نيابية في تشرين الثاني (نوفمبر)، لكنه حتی الان لم يستطيع تشکیل الحكومة الجديدة وبسبب خلافاته مع الرئيس ميشال عون حول اعضاء الحكومة العتيدة، أغلق مسار عملية تشكيل الحكومة.

بالإضافة إلى هذه العوامل، فإن عدم الكفاءة الحكومية في تلبية احتياجات الناس، ووجود الفساد المنهجي، والخلافات الجوهرية بين الاحزاب حول كيفية تقسيم السلطة وأولويات البلاد، قد اوصل لبنان فعلاً إلى طريق مسدود. بالتالي یمکن اعتبار المقترح الأخیر لزعیم الطائفة المارونیة في إطار محاولته، للاستجابة علی السؤال، ماذا یجب ان نفعل؟

إن الکلام الرئیسي للراعي، هو ان اللبنانیین فی الداخل لم یتمکنوا من حل مشاکلهم ولن يقدروا على ذلك، ولذا یجب حکماً الذهاب إلی الدول الخارجیة لإنقاذ لبنان.

2-إن التحدي الأساسي الذي يواجه مخطط الراعي هو عدم وجود إجماع بین الفئات اللبنانیة، وغياب أرضیة مشترکة لدی الطوائف اللبنانية حول مقترحه وأنها أصبحت مجرد قضية تثیر الجدل منذ تناولها.

إن الشيعة (حزب الله وحركة أمل) والتيار الوطني الحر المسيحي (الرئيس ميشال عون)، هم من أکثر المعارضين الأساسيين لمقترحات الراعي، حیث تشكل المجموعتان، الركيزة الأساسية للائتلاف الحاكم في لبنان، وهذا يمكن أن يكون عقبة أمام تنفيذ اقتراح رئيس الطائفة المارونیة في لبنان. في حين لم تقدم الأحزاب السنية الكثير من الدعم لتصريحات الراعي، وهو يحظى في الغالب بدعم المسيحيين المناهضين للحكومة (وتحديداً حزبي القوات والكتائب اللبنانيين).

3- لكن التحدي الأساسي في مقترحات الراعي يكمن في مضمون فكرة "الاعتماد على الخارج لحل المشاكل". يقول العديد من منتقدين الراعي أنه بالرغم من عجز الکتل اللبنانية عن حل مشاكل البلاد، والذي لا يخفى على أحد، لكن لا يمكن أن يكون ذلك سببًا قويًا لإضفاء الشرعية للعامل الخارجي لإیفاء الدور في الداخل اللبناني وإنما يجب التحرك نحو التقارب بین مواقف الأحزاب اللبنانیة، بهدف تشكيل توافق لبناني – لبناني حیث یستطیع جلب الدعم الدولي.

أن إحدى مشاكل لبنان الأساسية للبنان في العقود الأخيرة هي زيادة التدخلات الأجنبية بأشكال مختلفة في هذا البلد. وإذا ما تم تنفیذ مثل هذه المقترحات، فإنها ستزید من تقويض السيادة الوطنية للبنان، ما یضع البلد تحت تأثیر المصالح والاعتبارات الخارجیة مما يؤدي إلى تعقيد المشاكل فیها.

4- هناك فرق أساسي بين عقد لقاء دولي لمساعدة لبنان وبين عقد لقاء دولي لاتخاذ قرار بشأن لبنان (النموذج المقترح للراعي). إن تدويل لبنان، بحسب مقترح الرأعي، يمضي من خلال نافذة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وأعضائه الخمسة الدائمين، كعناصر أساسية فیها. أي إن هذا الاقتراح في حال تنفيذه سيضع القرار بشأن لبنان، على طاولة الدول الكبرى واعتباراتها.

على الرغم من أن قضية لبنان في الوضع الحالي ليست علی سلم الأولويات بالنسبة للقوى العظمى وهي تعتبر قضية ثانوية، ولكن إذا افترضنا دخول القضية اللبنانية في اجتماعات الأمم المتحدة، فیمکن التوقع بأن الاعتبارات السياسية لدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا ستلقي بظلالها علی أجواء الاجتماع الدولي وستتكرر التجارب السابقة للقررات 1559 و1701 بطريقه مختلفة.

إن القضية الرئيسية للولايات المتحدة وفرنسا تجاه لبنان هي مسألة نزع سلاح حزب الله، ومن ثم احتواء سلطة ایران فی لبنان، بحسب زعمهم. لقد جعلت هذه الدول، مرارًا وتكرارًا، بشكل صريح وضمني، الانفتاح الاقتصادي في لبنان مشروطا بتغييرات سياسية، وعلى رأسها نزع سلاح حزب الله.

هذا في الوقت الذي يجب الحكم على أسلحة حزب الله في سياق أوسع، بما في ذلك مسألة ضعف القدرات الدفاعية للجيش اللبناني واستمرار الهجمات العدوانية والاستفزازية للکیان الصهیوني، والتهديد الذي یشكله الجماعات التكفيرية.

إن النقطة التي تثير قلق الكثيرين في لبنان فيما يخص الاتجاهات الدولية هي، على سبيل المثال، دولة مثل الولايات المتحدة، الشريك الاستراتيجي للکیان الصهیوني، من دون أن ترغب في الحديث عن قضايا مثل تغيير موقف الکیان الصهیوني تجاه لبنان أو الموافقة على بيع أسلحة متطورة واستراتيجية للجيش اللبناني، وهي تطلب فقط من حزب الله إلقاء سلاحه وذلك بهدف القضاء على الردع النسبي للبنان في مواجهة الکیان الصهیوني.

بالتالي، يبدو أن النتيجة الاستراتيجية للاجتماع الدولي بشأن لبنان، ستكون مبنية على اعتبارات الولايات المتحدة وفرنسا، ولم تكون سوى قضية إضعاف حزب الله.

ولعل هذا هو السبب في أن المؤيدين الرئيسيين لفكرة عقد مؤتمر دولي حول لبنان، داخل البلاد هم أيضًا من أشد المعارضين لحزب الله، حيث يأملون عن طریق هذا المسار أن يتغير المشهد السياسي اللبناني وتتضاءل قوة حزب الله وحلفائه بما في ذلك الحزب الوطني الحر.

5- لا شك أن الاتجاهات السياسية والاقتصادية في لبنان تواجه مأزقاً غیر مسبوق.

يبدو أن الحل المستقیم والمطلوب هو بدء عملية الحوار الوطني وعقد اجتماع تأسيسيي، علی غرار اجتماع الطائف بعد الحرب الأهلية واجتماع الدوحة عقب سنوات قليلة من اغتيال رفيق الحريري الرئيس الأسبق للبنان. وميزة هذا الاجتماع أنه يتشكل من الفئات والاحزاب اللبنانية. وعلى الرغم من اتکال المجموعات والکتل اللبنانیة على الخارج، وفي حین يمكن التوقع بطبيعة وجهة نظر الدول الأجنبية للاجتماع في التأثير الکامل على نجاح وفشل هذا الاجتماع، لکن ما يمكن أن يتوصل له الاجتماع من اتفاق يتم بتوقيع واقناع المجموعات اللبنانية، فبالتالي یمکن أن تكون أكثر استقرارًا وأن تحافظ على الاستقلال والسيادة الوطنية لهذا البلد. بالطبع من المحتمل أن يکون هناك طریق طویل للوصول إلی ذلك الزمن.

المصدر:

آیا «بین المللی شدن» راه خروج لبنان از بحران است؟

https://www.cmess.ir/Page/View/2021-03-06/4690

* مدیر مجموعة المجتمع والسياسة في لبنان- مركز مطالعات الشرق الاوسط

رایکم