۵۶۸مشاهدات
رمز الخبر: ۴۷۰۹۱
تأريخ النشر: 16 September 2020

بروتوس كان اكثر المقربين من يوليوس قيصر، الذي حين اغتيل لم تؤثر به طعنات الخصوم بل كانت طعنة بروتوس التي اودت به. بعد 420 عاما من عرض مسرحية يوليوس قيصر ينظر كل من قراها الى بروتوس على انه خائن وشهرته عبر التاريخ هي انه خان اقرب الناس اليه.

عند مشاهدة مراسم توقيع اتفاق التطبيع بين الامارات والبحرين وبين كيان الاحتلال الاسرائيلي يخطر في البال مشهد "كيوس كاسيوس" الذي حرض بروتوس على قتل قيصر بحجة انقاذ روما واحلال الامن والاستقرار. بين ترامب ونتنياهو وحكام الامارات والبحرين يتكرر المشهد. لقد ادرك بروتوس لاحقا كم كان احمقا حين قتل قيصر لان الهدف لم يكن التخلص من ملك سيء بل المجيء بملك سيء. والان لا يمكن الا التفكير بان من طبعوا ومن سيطبعون سيدركون هذه الحقيقة.

منذ البداية لم يكن تطبيع الامارات والبحرين مع الاحتلال موضوع سلام واستقرار، بل كان وما زال وسيبقى وظيفة على الاماراتي والبحريني وبعده السعودي وغيره لانهم موجودون لتادية هذه الوظيفة. في كتاب "بوب وودورد" الجديد بعنوان "الغضب" يقول ان الملك السعودي اخبر ترامب قبل زيارة الاخير للرياض انه (الملك سلمان) سيجعل ابنه محمد بن سلمان محور الزيارة. وقال لترامب حرفيا (ان لم يعجبك ابني فقل له انت مطرود).. هكذا ينظرون لعلاقتهم مع الاميركي وهكذا يراهم الاميركي. لذلك لم يكن التطبيع خطوة شجاعة كما يروج الاماراتيون والبحرينيون له. بل كان خطوة بالخضوع. وبالتالي كل ما يقوله هؤلاء عن مصلحة للفلسطينيين من التطبيع وانهم متمسكون بحقوق الفلسطينيين لا يمكن الا وصفه بالنفاق تماما كما قال بروتوس لقيصر "احبك لكني احب روما اكثر". وحتى المكاسب التي يقال ان هذه الدول ستحصل عليها ليست الا فقاعات في الهواء. (مقابل طائرات اف 35 التي يتشتريها الامارات من واشنطن سيحصل كيان الاحتلال على اسلحة نوعية متطورة تضمن تفوقه من واشنطن ومجانا)

يقول الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني (سيأتي يوم على هذه الامة وتصبح الخيانة وجهة نظر، يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك ان تشكرهم على كرمهم..يا لوقاحتهم)..

اتى اليوم الذي بدأ حكام التطبيع ينظرون فيه بان خيانتهم وجهة نظر ومسألة سيادة وخطوة شجاعة ورسالة سلام. واتى اليوم الذي وقفوا فهي مذلولين امام رئيس مكروه من شعبه ومن كل العالم وامام رئيس وزراء احتلال لم يبق من صورته داخل كيانه الا وجه الفاسد والكاذب والمجرم. وقف هؤلاء امام ترامب ونتنياهو يشكرونهما على جهودهما لاحلال ما يسمونه سلام. "يا لوقاحتهم".. قالها غسان كنفاني وقصد بها الاميركي والاسرائيلي وربما قصد ايضا بعض العرب.

في مقابلة سابقة قال وكيل وزارة الدفاع الاماراتية "عبدالله الهاشمي" وانقل عنه حرفيا (نحن و"اسرائيل" شقيقان والولايات المتحدة هي الاخ الاكبر لنا). قالها قبل التطبيع العلني مع الاحتلال. ربما صدق الهاشمي لان عمر كيان الاحتلال 72 عاما. وعمر الامارات 49 عاما ومثلها البحرين. وللمقارنة فقط فإن مدرسة حيفا في فلسطين عمرها 137عاما، اي اكبر من عمر كيان الاحتلال والامارات مجموعين ومن عمر الاحتلال والبحرين مجموعين. هناك صورة ايضا لمدرسة في مدينة "البيرة" الفلسطينية تعود الى العام 1890 اي ان الصورة اكبر عمرا من الامارات والبحرين معا. هذه المقارنة لتاكيد حقيقة واحدة هي ان التاريخ والسياق الانساني والثقافي والديني لا يمكن ان يسير خارج الحقائق هذه.

كشف دونالد ترامب ان دولا عربية اخرى ستطبع مع الاحتلال. وكل العالم يتوقع ذلك. لا لشيء سوى ان موظفي ترامب في الدول العربية كثر ويدينون لواشنطن بمناصبهم ونفوذهم داخل دولهم ومن الطبيعي جدا ان يتم استدعاؤهم الى البيت الابيض ليوقعوا على التطبيع. لكن لا بد من سؤال كان قد انتبه اليه المعنيون في كيان الاحتلال وطرحه علنا الاكاديمي "ايلي بوديه" في صحيفة "هآرتس".. (ما الفائدة من تطبيع العلاقات مع دول ليست في حالة حرب مع الكيان الاسرائيلي؟) بوديه يعتبر الا فائدة من كل هذه التطبيعات لانها مع دول وكيانات خارج نطاق المواجهة المباشرة مع الاحتلال. وبالتالي يؤكد انه في نهاية الامر سيضطر قادة الاحتلال للتوجه الى الفلسطينيين لمعالجة القضية. هذا الادراك بالنسبة للمعنيين داخل كيان الاحتلال لا يفهمه من يتلهفون للتطبيع لانهم اصلا لم يضعوا القضية الفلسطينية في جدول اعمالهم منذ البداية. لكن بالنسبة للاحتلال فهو يفهم جيدا ان عمليات التطبيع الفارغة من اي مضمون ملفت هي للاستهلاك الاعلامي ولتعويم نتنياهو الغارق في ازمته الداخلية ولتقوية وضع ترامب المتازم داخليا قبل اسابيع على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وكل هذه التطبيعات لن تنفع لا نتنياهو ولا ترامب. فاقصى ما يريده الاول هو عدم الذهاب الى السجن، وجل ما يبتغيه الثاني البقاء في البيت الابيض لاربع سنوات اخرى وبعدها يغادر.. ثم ماذا؟ لا شيء، سيذهب بريق التطبيع ويختفي سحر الابتسامات على وجوه المطبعين العرب (مهما تكاثروا) وستعود الكلمة الفصل لصاحب الحق والارض والمخول الوحيد بالبت في مصيره اي الشارع الفلسطيني. الاسرائيلي يعلم جيدا كما يقول "بوديه" بانه مجرد ان تنتهي جعجعة وضجة التطبيع مع الامارات والبحرين واخرين لن يجد الاسرائيلي خيارا غير العودة الى الفلسطينيين لحل القضية. لان

تاثير التطبيع الاخير لن يتعدى الصور التذكارية والرحلات المتبادلة وعروض الملابس الداخلية في صحراء الدول العربية لصالح شركات البسة اسرائيلية. لكن تاثير الرفض الفلسطيني هو ما يهتم له الاسرائيلي ويدرك اهميته.

حين وقف "فارس عودة" ابن الخمسة عشر عاما امام الدبابة الاسرائيلية خلال انتفاضة الاقصى عام 2000، لم يكن يفكر بمن سيدعمه من الدول العربية ولم يكن ينتظر منهم اي شيء. وقف امام الدبابة وفي وجهه كبرياء كل فلسطيني متمسك بارضه وحقه. كان فارس يرقص امام الدبابة وجنود الاحتلال احتفاء بنصره المعنوي الكبير عليهم. واليوم المشهد نفسه ما زال حاضرا وبعد ان يختفي غبار التطبيع سيقف كل الفلسطينيين امام دبابات الاحتلال ولن يكون في تفكيرهم اي عربي واي شخص او حكومة او دولة خانتهم وطعنتهم غدرا بحجة السلام.

رایکم