۱۱۶۹مشاهدات
رمز الخبر: ۴۵۳۵۸
تأريخ النشر: 05 May 2020

رصدت مجلة ناشونال إنترست الأميركية -في مقال بعددها الأخير- مظاهر للتقارب بين روسيا والصين في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مشيرة إلى أن موسكو جنت في السابق منافع من توترات سابقة بين بكين وواشنطن، زاعمة أن التطورات الأخيرة في الساحة الدولية تنذر بأن الأحداث قد تمضي إلى أبعد من ذلك.

وأعادت المجلة في مقال للصحفي ديميتري ألكسندر سايمز، إلى الأذهان إقدام السلطات الصينية عام 1989 على قمع التظاهرات الطلابية في ساحة تيانانمين وسط العاصمة بكين بشكل دموي، وهو ما أثار عليها حفيظة الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد ذلك.

ونتيجة لذلك وجدت الصين نفسها في عزلة دولية بعد أن فرضت عليها الولايات المتحدة وأوروبا حظرا على الأسلحة، لا يزال ساريا حتى يومنا هذا.

لكن في السنوات التي تلت ذلك، عثرت الصين على شريك “غير متوقع” في روسيا ما بعد الشيوعية. فقد أدى انهيار الاتحاد السوفياتي -كما يقول سايمز- إلى القضاء على صناعة السلاح الروسية، مما جعل موسكو متلهفة للتعامل التجاري مع الصين الصاعدة اقتصاديا.

طائرات مقاتلة

وكان أن اشترت الصين في السنوات التالية طائرات مقاتلة ومنظومات صواريخ من روسيا، في إطار جهودها لتحديث ترسانتها العسكرية، حتى باتت موسكو أكبر مورد للأسلحة.

وبعد أكثر من ثلاثين عاما من تلك التطورات، اندلعت أزمة عالمية جديدة قد تقود إلى تقارب الصين وروسيا مرة أخرى، ألا وهي تفشي سلالة جديدة من فيروس كورونا في مدينة ووهان الصناعية بوسط الصين، وتحولها إلى جائحة عالمية تسببت في ركود اقتصادي، وما تبع ذلك من ردود فعل دولية عنيفة ضد بكين.

ويضيف سايمز أن روسيا في خضم تلك الأجواء المتوترة، كانت من ضمن حفنة من الدول التي وقفت إلى جانب الصين ضد منتقديها. وفي ظل ما تشهده الأزمة الصحية الدولية الراهنة من تحول جيوسياسي متزايد، تتطلع موسكو وبكين لبعضهما بغية الحصول على دعم كل منهما للأخرى.

ويرى سايمز -وهو صحفي متخصص في شؤون السياسة الخارجية الروسية- أن جائحة فيروس كورونا نالت من صورة الصين دوليا في الآونة الأخيرة، كما ضربت مصالحها التجارية في الخارج.

فيروس كورونا

وقادت الولايات المتحدة الهجوم على الصين، حيث أنحت إدارة الرئيس دونالد ترامب باللائمة في تفشي الوباء عليها، واتهمتها العديد من الحكومات الأوروبية بالسعي لاستغلال الأزمة من أجل مآرب سياسية، ولإرسالها معدات فحص معيبة.

ومن ناحية أخرى، شرعت دول آسيوية عديدة ذات ثقل اقتصادي في تقليل اعتمادها على الصين، فقد أعلنت اليابان في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستقدم حوافز مالية لشركاتها لكي تعيد مصانعها العاملة في الصين إلى داخل البلاد.

أما الهند فقد فرضت قيودا جديدا على الاستثمارات الأجنبية تحول دون استيلاء مستثمرين صينيين على شركاتها.

وفي هذا السياق، برزت روسيا كأحد الأصوات القليلة المدافعة عن الصين في الساحة الدولية.

وفي حين أقدمت دول أخرى على قطع علاقاتها الاقتصادية مع بكين مؤخرا، هرعت موسكو لتعزيزها. ففي يوم الأربعاء الماضي، أعلن قصر الكرملين الروسي أنه سيمنح صندوق الثروة السيادية الوطني الضوء الأخضر للاستثمار في العملة الصينية (اليوان) وفي سندات الحكومة الصينية.

مشاريع كبرى

كما تتطلع الحكومة الروسية لإقامة مشاريع كبرى جديدة مع الصين حالما تنجلي الجائحة. ومن بين تلك المشاريع خط أنابيب غاز جديد إلى الصين، وبناء خط جديد طموح للسكك الحديدية لربط موانئهما في المحطين الهندي والمتجمد الشمالي.

بدورها، شرعت بكين في شراء مزيد من النفط الروسي في ظل تراجع أسعار الذهب الأسود عالميا.

وتنقل مجلة ناشونال إنترست في مقالها عن أليكسي ماسلوف مدير معهد دراسات الشرق الأقصى بالأكاديمية الروسية للعلوم، قوله إن جائحة كورونا حملت روسيا على الاقتناع بأن المستقبل يكمن في توطيد العلاقة مع الصين.

ويضيف ماسلوف أن الصين لا يُنظر إليها على أنها دولة هزمت فيروس كورونا فحسب، بل لنجاحها أيضا في التغلب على مصاعبها الاقتصادية.

ووفقا للرجل نفسه، فإن الكثيرين يتوقعون أن تبدأ الصين في توسعة نفوذها والترويج لنموذج جيوسياسي جديد، ما إن تفرغ من التصدي لتحدياتها الداخلية.

الصين وروسيا

ويزعم ماسلوف أن الصين ستكون بحاجة إلى شريك من القوى العظمى مثل روسيا ليعينها في تحقيق مقاصدها الدولية في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، خاصة في غمرة الضغوط المتزايدة من جانب الولايات المتحدة.

وباعتقاده أن موسكو قد تستغل بدورها هذا النفوذ لكسب دعم بكين لمبادراتها الجيوسياسية.

من جهة ثانية، يتوقع زن شانغ خبير العلاقات الصينية الروسية بجامعة شرق الصين في شنغهاي، أن تعمل الصين على التركيز أكثر على تطوير روابطها الاقتصادية مع موسكو في حال استمرت علاقتها مع واشنطن بالتدهور.

ويرى أنه في حال أصبح الفراق بين الولايات المتحدة والصين واقعا وليس مجرد عبارة طنانة تتردد على طاولة المفاوضات، عندها ستتطلع بكين نحو روسيا والمنطقة الأوروبية الآسيوية كوجهات محتملة لإعادة هيكلة سلاسل إنتاجها الصناعي.

ويمضي زن شانغ إلى القول إن ثمة مجالا بعينه يمكن لروسيا والصين أن يزيدا وتيرة التعاون فيما بينهما بشأنه في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، ألا وهو التحول عن التعامل بالدولار كعملة عالمية.

تفاقم التوتر

وأشار في هذا الصدد إلى أن الدولتين سبق لهما اتخاذ خطوات أولية في سبيل تقليل اعتمادهما على الدولار الأميركي، إلا أن ضعف رغبة الصين في تلك الأثناء حالت دون المضي قدما في هذا الجانب.

غير أن زن يعتقد أن تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة والصين من شأنه أن يدفع الصين على تغيير موقفها ذاك.

على أن البعض في موسكو يساوره القلق من أن روسيا قد ينتهي بها الأمر إلى أن تكون هي الخاسرة في حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين.

وحذر دميتري سوسولوف أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الوطنية للبحوث في موسكو، من أن التطورات الأخيرة قد تفاقم الأمور على روسيا أكثر فأكثر رغم أنها استفادت في السابق من التوتر المتزايد في العلاقات الأميركية الصينية.

وقال في ذلك إن استفحال المواجهة المستمرة بين الصين وأميركا يشكل تحديات جسيمة لروسيا، ذلك لأنه كلما تصاعدت نُذر تلك المواجهة، ازداد الضغط على روسيا لكي تختار إلى أي جانب ستنحاز، وهو ما لا تريده.

سياسة حازمة

وأردف سوسولوف قائلا إن السياسة الخارجية “الحازمة” للصين مبعث آخر على قلق موسكو. فقد تبنت الصين -في أوج جائحة كورونا- نمطا جديدا في سياستها الخارجية يُطلق عليه “دبلوماسية الذئب المحارب”، على اسم فيلم سينمائي صيني تدور أحداثه حول مهمة إجلاء رعايا صينيين عالقين في دولة أفريقية تشهد نزاعات مسلحة.

وكان من نتاج ذلك النهج الجديد في السياسة الخارجية، أن انخرط العديد من الدبلوماسيين الصينيين في مشادات مع الدول المضيفة استقطبت اهتمام الرأي العام.

وبالنسبة للعديد من المراقبين الروس -والحديث لا يزال لسوسولوف- فإن فيروس كورونا أزال قيدا سياسيا ونفسيا آخر عن كاهل السياسة الخارجية الصينية، وهو قيد لطالما حال دون إظهار الصين نفسها نموذجا يُحتذى، وزعيمة عالمية.

على أن سوسولوف مع ذلك يحذر من أن صينا “جريئة” قد تستدعي من روسيا الاقتداء بها.

واختتم مقال ناشونال إنترست بأن روسيا ظلت حتى الآن تراقب معركة الصين ضد فيروس كورونا بإعجاب، فهل تُحيل مباهاة الصين بالنصر والتفوق تلك المشاعر الدافئة التي تكنها روسيا لها إلى استياء؟

رایکم
آخرالاخبار