۱۳۶۰مشاهدات
رمز الخبر: ۳۷۲۰۷
تأريخ النشر: 27 December 2017

شبکة تابناک الاخبارية: اتخذت دولة الامارات جملة من التدابير والقرارات ضد تونس وبدأت العديد من التساؤلات تلوح حول أسباب وابعاد هذه الاجراءات وظروفها وتوقيتها؟ لكن السؤال الأهم والذي سنحاول الاجابة عليه في هذا المقال هو هل لهذه الأزمة نهاية؟ خصوصا وان الجانب التونسي وهو الحلقة الأضعف في الصراع لم ينصاع الي حد الان للضغوط الاماراتية وتهديداتها.

ان اتخاذ دولة الامارات ممثلة في شركة خطوطها الجوية قرارا بمنع النساء التونسيات من السفر على متن طائراتها قرارا استفزازيا وفئويا منافيا لكل الحقوق الانسانية ومنتهكا للاتفاقيات الدولية. لاقى هذا القرار استهجانا ورفضا من كل الأطراف التونسية حكومة وشعبا. لكننا لا يمكن ان نقرأ هذا القرار "الغريب" في موضوعه وتوقيته بمعزل عن جملة من القرارت والاجراءات التي اتخذتها الامارات في حق تونس والتي شكلت مدخلا لنشوب ازمة سياسية عميقة بين البلدين.

شكل التدخل الاماراتي في الشؤون الداخلية التونسية محط انظار جميع المتابعين في تونس وخارجها. فالامارات كغيرها من الدول كانت تربطها بتونس علاقات دبلوماسية جيدة منذ تأسيس اتحاد الامارات العربية المتحدة في 1972 حيث شاركت تونس حينها ممثلة في وزير خارجيتها في يوم اعلان الاتحاد. بنيت العلاقة بين الطرفين على منظومة شاملة من الاتفاقيات غطت كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. كانت تونس بمثابة البوابة الاستثمارية الاولى للامارات في منطقة المغرب العربي في السبعينات.

بدأ التوتر يشوب هذه العلاقة منذ 2011 اي بعد ما بات يعرف بالثورة التونسية، حيث حصل فتور دبلوماسي بين البلدين وغاب التعاون المشترك بينهما وظل هذا التوتر قائما طيلة فترة حكم "الترويكا" اي مع وصول حركة النهضة الاسلامية لسدة الحكم. وبرزت حينها العديد من الملفات التي ساهمت في حدة هذا التوتر كان ابرزها ملف قضائي تولاه قاضي ينتمي لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية (هو حزب رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي مرشح النهضة في اول انتخابات رئاسية بعد الثورة) يتعلق بقضية اختلاس في القطاع العقاري حيث اصدر القاضي حينها مذكرة في حق الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم حاكم دبي لسماع اقواله في القضية. ثم توالت الممارسات التي زادت في توتير العلاقة عندما تهجم الرئيس المرزوقي على مصر وطالب باطلاق سراح محمد مرسي، فقامت الامارات باستدعاء سفيرها وقتها دون الافصاح عن السبب الرئيسي وراء هذا الاستدعاء الذي بدا مستغربا من قبل الاوساط السياسية التونسية. كان للامارات دور كبير في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التونسية في 2014 حيث ظهرت في الافق حينها بوادر التدخل حينما قامت الامارات بدعم الرئيس الباجي قائد السبسي للفوز بانتخابات 2014 كما دعمت حزبه حركة نداء تونس في وجه الجبهة الاسلامية الاخوانية التي ترأسها حركة النهضة. في ظل تلك الظروف تسرّبت معلومات حول ما كان يعرف بخلية الازمة التي شكلتها الامارات والتي جمعت العديد من الشخصيات السياسية من مختلف الدول وعلى رأسها محمد دحلان ومحسن مرزوق الذي كان احد قيادات حركة نداء تونس والذي ساهم بشكل كبير في قيادة الحملة الانتخابية للسبسي ووصوله لقصر الرئاسة.

لكن سرعان ما انتهي "شهر العسل" بين الامارات وحركة نداء تونس عندما لم ينفذ الرئيس الباجي قايد السبسي زعيم حركة نداء تونس والفائز بالانتخابات المطلوب منه وهو ازاحة حركة النهضة الاسلامية من المشهد السياسي. كان مطلوب من الرئيس فور وصوله الى القصر الجمهوري العمل على تبني السيناريو المصري للإطاحة بحركة النهضة الاسلامية وازاحتها لكنه اعترض واصر على مبدأ الحوار وعلى عدم ادخال البلاد في اتون حرب اهلية هذا ما صرح به الرئيس السبسي في دردشة مع الصحافيين في موفى سنة 2015.

عندما فقدت الامارات القدرة الفعلية على تغير الواقع السياسي في تونس بدأت تستعمل وسائل ضغط مختلفة لتعقد الامور اكثر ولقد كشف موقع ميدل ايست اي البريطانية في تقريرين نشرا في اواخر 2015 عن وقوف دولة الامارات وراء عدم الاستقرار في تونس لرفض رئيسها الباجي السبسي ازاحة النهضة. كما تسربت معلومات اثر انعقاد اجتماع في دولة الامارات ضم كبار المسؤولين العسكريين الاماراتيين وعسكريين جزائريين. وصرح قائد الجيش الجزائري عقب الاجتماع "ان تونس خط احمر وسوف نعتبر زعزعة الامن والاستقرار فيها تهديدا للأمن الوطني الجزائري" ويقال ان الوثيقة سربت الى السلطات التونسية حينها.

اتخذت دولة الامارات جملة من القرارات للتحضير لانقلاب داخل حزب حركة نداء تونس لتدمير الحزب وتشتيته بالاعتماد على ما بات يعرف اليوم "برجل الامارات في تونس "محسن مرزوق" الذي انشق عن الحزب وأسس لحزب جديد يحاول ان يجهزه ليدخل في المنافسة الانتخابية القادمة في وجه حركة النهضة الاسلامية.

قامت الامارات ايضا بوقف منح تأشيرات دخول للتونسيين الى الامارات بتعلة اسباب امنية. ومنعت امارة دبي التونسيين من الحصول على تأشيرات دخول اليها لمباشرة اعمالهم وهو ما نتج عنه استياء كبير من التونسيين المقيمين في الامارات. لكن المنع لم يشمل فقط المقيمين او اصحاب المشاريع بل شمل ايضا المهندسين والاطباء المرتبطين بمباشرة تظاهرات عالمية وحاصلين على دعوات. ياتي قرار المنع الجديد في نفس هذا السياق كقرار استفزازي متهور الهدف منه التشهير بالتونسيين واذلالهم. اتى رد الحكومة التونسية على هذا القرار باعتماد مبدأ المعاملة بالمثل وتعليق كل الرحلات الجوية الى دولة الامارات ومنع طائراتها من الهبوط على اراضي المطارات التونسية. واعتبر السفير الاماراتي لدى تونس ان القرار هو ظرفي يتعلق بترتيبات امنية دون ان يوضح زمن ومدة التعليق واسبابها الحقيقية.

باتت الاهداف الغير معلنة واضحة اليوم، فدولة الامارات تعمل ومنذ سنوات على تثبيت سلطتها وهيمنتها على تونس وتجلى ذلك عدة مسائل بتقديم الدعم للعديد من الاطراف السياسية والاعلامية لمواجهة حركة النهضة. ولقد خرجت وثيقة في شهر حزيران الماضي وهي صادرة عن وحدة السياسات المغاربية عن مركز الامارات للسياسات تزامنا مع الحملة الاعلامية ضد قطر والتي انتهت بمقاطعتها وقدمت الوثيقة قراءة للأوضاع السياسية التونسية وعن الطرق الكفيلة بكبح النفوذ القطري ومواجهة حركة النهضة التي باتت تتسيد المشهد السياسي بعدما تحولت الى رقم صعب في معادلة الحكم في تونس. وطرحت الوثيقة ما اسمته "الاستراتيجية الاماراتية المقترحة" للتدخل في الشأن الديني ضمن ما تسميه اعادة احياء الاسلام الزيتوني التقليدي والتنسيق مع مراكز ابحاث تتصدر المواجهة مع النهضة. اضافة الى بناء كتلة سياسية موالية للامارات من خلال كسر تحالف نداء تونس والنهضة عن طريق العديد من الشخصيات السياسية والحزبية وفتح قنوات مع مكونات المجتمع المدني وبناء شراكات اقتصادية ومالية تكرس ميزان قوى سياسي بالتركيز على رجال الاعمال النافذين. ودعم المؤسسات والمنتديات الثقافية التي يمكن ان تنافس المؤسسات المدعومة قطريا.

ان حجم التدخل هدفه دعم الشق المناهض للإسلام السياسي الذي تعاديه الامارات بكل قوة وتسعي لضربه في كل الجبهات. اضافة الى ضرب مسار الاستقرار والانتقال الديمقراطي الذي ان نجح في تونس سيكون عثرة امام مخططات ومشاريع الامارات التدميرية. لكن لابد من التأكيد ان توقيت اصدار هذا القرار الاستفزازي اتى في سياق حراك شعبي ورسمي شكل ملف على الساحة الوطنية في ملف القدس وضد قرار ترامب بحق القدس واهلها. لقد استفز هذا القرار الامارات وغيرها من اللذين لعبوا دورا شيطانيا في تمرير هذا القرار ونشر ثقافة التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني. لكن ردة فعل الشعب التونسي والحراك الذي لحق القرار أكد مرة اخرى ان هذا الشعب لا يزال يحمل فلسطين في قلبه انه وبالرغم من السياسات الرسمية المخزية والغير كافية نزل الى الشارع ليقف ضد قرار التهويد والتطبيع ويضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد لتبني قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني دون وجل.

لابد من تذكير دولة الامارات -عراب مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني وكل المشاريع التي تقوم بها امريكا في المنطقة الى جانب حليفتها السعودية- وان المرأة التونسية التي استهدفها قرار المنع هذه المرة امرأة حرة وصاحبة موقف ولا تقبل الاهانة يكفيها فخرا انها كانت اول امرأة عربية تنظم للحراك النقابي في الاربعينات وانها اول امرأة عربية تترأس الاتحاد القومي النسائي في اوساط الخمسينات وانها اول امرأة عربية ومغاربية تتحصل على الدكتوراه في الطب في سنة 1936 وتؤسس لجمعية الاسعاف الاجتماعي..

كل هذه الانجازات حققتها المرأة التونسية قبل ان تنشأ الامارات وتصبح دولة.

رایکم
آخرالاخبار