۲۳۰مشاهدات
إذا كانت علاقة الدولة السعودية منعدمة في ما يخص اختطاف أميري من فوق أراضيها من جانب أمريكا، فإن على الرياض، ‏تجاه أشقائها المسلمين، واجب تكوين لجنة مستقلة ونزيهة للكشف عن الحقيقة الكاملة حول ظروف وملابسات اختطاف العالم ‏الإيراني، والطلب من أمريكا إذا تبث تورطها في الاختطاف، الاعتذار عن فعلتها تلك، ومحاكمة المتورطين فيها، وتقديم ‏التعويض للضحية، والالتزام العلني بعدم تكرار مثيلات لها..‏
رمز الخبر: ۳۷
تأريخ النشر: 23 July 2010
شبکة تابناک الأخبارية: کتب «عبدالسلام بنعيسي» في جریدة القدس العربي یوم 2010/7/23 في مقال تحت عنوان "واقعة شهرام أميري.. صمت السعودية ليس حكمة": قالت طهران إن عالم الفيزياء النووية الايراني شهرام اميري اختُطف من طرف المخابرات الامريكية قبل 14 شهرا، حين كان ‏يؤدي مناسك العمرة في الديار السعودية، وأنه تعرض للتعذيب، وسعت المخابرات الأمريكية لتجنيده بدفعه للإدلاء بتصريحات ‏يؤلب فيها الرأي العام الدولي على البرنامج النووي الإيراني.'وإذا كانت أمريكا قد تحاشت، كما هو متوقع منها، تأكيد أو نفي ‏اختطاف شهرام، وتجنبت توضيح الظروف'والملابسات التي ُوجد بموجبها فوق ترابها، بشكل غير قانوني، لمدة تفوق 14 ‏شهرا، فإن الأمر الذي يدعو فعلا إلى الدهشة والاستغراب هو موقف المملكة العربية السعودية من هذا السجال الدائر حول ‏الموضوع بين طهران وواشنطن.‏

لم تطلعنا الرياض بعد على روايتها حول اختفاء الرجل من فوق ترابها. إنها الدولة المعنية الأولى بهذا الملف، وصمتها ليس ‏حكمة هنا. وهي مطالبة بالرفع الفوري لكل الالتباس المرتبط به. إنها مدعوة للجواب أولا على السؤال المتعلق ب : هل أميري ‏اختُطف من فوق أراضيها، أم أنه سافر بمحض إرادته صوب أمريكا؟ على المسؤولين السعوديين توضيح الأمر لأشقائهم ‏المسلمين، من غير الإيرانيين، الذين يقصدون مكة والمدينة المنورة لأداء واحدة من شعائرهم الدينية ألا وهي الحج، ثم العمرة ‏على أساس أنها سنة مؤكدة. فالجواب على هذا السؤال التمهيدي ضروري وأساسي، لأنه يشكل منطلقا لتبيان باقي تفاصيل ‏القضية.‏

نحن لا نستبعد أن لدى المخابرات السعودية ملفا كاملا يتعلق بالملابسات المرتبطة باختفاء أميري أثناء أدائه لمناسك العمرة ثم ‏ظهوره المفاجئ في أمريكا. الرجل ليـــس إبرة اختفــــت فجأة في قشة من التبن، وصار من المتعذر العثور عليها.‏ إنه عالم مرموق، ولا شك أن وقت وصوله إلى الأراضي السعودية كان معروفا لدى سلطاتها، ومن المرجح أنه كان مراقبا من ‏طرفها في جميع تحركاته، كما يُراقب كل الوافدين إلى المملكة للقيام بواجباتهم الدينية، وذلك من باب الحفاظ على أمن الحجاج، ‏وتوفير الراحة والطمأنينة لهم.‏

فكيف حدث ولم يعد يظهر للرجل أثر إلى أن تناقلت وسائل الإعلام أنه موجود في أمريكا؟ كيف تم الاستفراد به والتمكن منه، ‏وإلى أين حُمل لحظة وضع اليد عليه؟ وكم قضى من الوقت محتجزا في الديار السعودية؟ وما هي الطائرة التي حملته إلى أمريكا؟ ‏هل هي طائرة مدنية أم عسكرية؟ وهل هي سعودية أم أمريكية؟ ومن أي مطار أقلعت؟ وهل خضعت للتفتيش والمراقبة لحظة ‏إقلاعها؟ وإذا كانت الطائرة أمريكية وفُتشت قبل إقلاعها، فكيف لم يقع الانتباه إلى وجود راكب مختطف فيها؟ وإذا لم تفتش لأنها ‏طائرة أمريكية، فهل من عادة السلطات السعودية السماح لطائرات بالإقلاع من مطاراتها من دون الخضوع للمراقبة والتأكد من ‏شروط السلامة بالنسبة لراكبيها؟

هل يجوز لطائرة أي دولة من دول العالم النزول والإقلاع من المطارات السعودية، هكذا، من دون مراقبة أو تفتيش؟ هل هناك ‏مواقع أمريكية فوق الأرض السعودية لا يسمح لغير الأمريكيين ولوجها والتصرف فيها، وإليها اقتيد العالم الإيراني، ومنها شُحن ‏صوب أمريكا؟ أسئلة كثيرة يطرحها اختطاف العالم الإيراني من الأراضي السعودية، ووحدها الرياض مؤهلة لتقديم الأجوبة ‏الشافية عنها للرأي العام السعودي والعربي والإسلامي. من غير المعقول أن تتصرف السعودية في هذه النازلة، وكأن الأمر لا ‏يعنيها، وكأن حدث الاختطاف جرى في جزر الواق واق، وليس في ربوعها. ‏

إن قضية شهرام أميري تمثل حالة ذات خصوصية متميزة، إننا إزاء ‏مواطن مسلم، كان ضيفا من ضيوف الرحمن، كما تقول وسائل الإعلام السعودية عن حجاج بيت الله الحرام، ومن هناك تم ‏اختطافه، تبعا لروايته الموجودة لوحدها في الساحة، فكيف تسكت الرياض على اختطاف ضيف من ضيوفها من بين ظهرانيها ‏من طرف المخابرات الأمريكية؟ كيف لا تنتفض على احتجازه وتغييبه عن ذويه لشهور كاملة، وتعرضه للتعذيب وللابتزاز؟ ألا ‏يحق للضيف على الجهة التي تستضيفه توفير الأمن والحماية والرعاية له ما دام في خيمتها؟ أليس هذا هو السلوك المتحضر الذي ‏نشأ عليه الإنسان العربي منذ القدم، وظل طوال تاريخه يعتز ويفاخر به؟ أليس هذا هو ما تحث وتحرص عليه شريعتنا الإسلامية ‏الغراء الكريمة المتسامحة؟

المسلمون يريدون معرفة الحقيقة للاطمئنان إليها. إنهم يقصدون الديار المقدسة لأداء ركن من أركان دينهم الخمسة. إذا صار ‏البعض منهم يتعرض للاختطاف أثناء قيامه بواجبه الديني لأنه يملك أسرارا لدولته تريد أمريكا نزعها منه، فهذا يعني أن على ‏الدول الإسلامية أن تتحاشى السماح لكبار مسؤوليها ممن يجلسون على خزائن أسرارها الذهاب إلى السعودية لأداء فريضة الحج. ‏فهل يصبح أداء هذه الفريضة (ساقطا) عن كبار المسؤولين من الدول الإسلامية تفاديا للاختطاف من جانب المخابرات الأمريكية ‏اللاهثة وراء انتزاع الأسرار بالقسر والإكراه منهم؟

خطورة ما وقع لشهرام أميري لا تنحصر في بعده السياسي المخابراتي الذي له علاقة ببرنامج إيــــران النووي، وخلافها حوله ‏مع واشنطن والرياض، الموضوع يعني جميع المسلمين، فأمريكا التي تجيز لنفسها اليوم، اختطاف عالم إيراني من السعودية، ‏وترحيله سرا إلى أمريكا لاستنطاقه تحت التهديد والتعذيب من أجل نزع أسرار منه، يمكنها القيام غدا بذات الفعل لنفس الغرض ‏مع أي عالم من العالم الإسلامي يتوجه إلى الديار المقدسة.‏

من يتجاوز القانون والمحظور ويتصرف بعربدة وخارج الأعراف الدولية مع عالم إيراني في استباحة تامة للأراضــــي ‏السعودية، كما فعلت أمريكا، لا شيء يردعه للقيام بنفس التصرف مع عالم مغربي، أو سوري، أو أردني، أو اندونيسي، أو ‏باكستاني في ذات المكان، وللأسباب عينها.. الصمت السعودي يجعل نفس السبب يؤدي إلى نفس النتيجة. الحاجة الأمريكية ‏لانتزاع الأسرار تبرر الاختطاف للحصول على الأسرار، حتى لو حدث ذلك في الديار المقدسة.‏

إذا كانت علاقة الدولة السعودية منعدمة في ما يخص اختطاف أميري من فوق أراضيها من جانب أمريكا، فإن على الرياض، ‏تجاه أشقائها المسلمين، واجب تكوين لجنة مستقلة ونزيهة للكشف عن الحقيقة الكاملة حول ظروف وملابسات اختطاف العالم ‏الإيراني، والطلب من أمريكا إذا تبث تورطها في الاختطاف، الاعتذار عن فعلتها تلك، ومحاكمة المتورطين فيها، وتقديم ‏التعويض للضحية، والالتزام العلني بعدم تكرار مثيلات لها..‏

أما صمت الرياض المطبق حاليا في هذه الواقعة، فإنه يؤكد الاختطاف، وقد يرقى لدى البعض إلى درجة الشبهة، إن لم يشر إلى ‏المشاركة، ويضع علامة استفهام كبيرة حول ذهاب كبار المسؤولين المسلمين استقبالا لأداء مناسك الحج أو العمرة، خصوصا إذا ‏كانت في حوزتهم أسرار أرادت أمريكا الحصول عليها منهم بشكل ملح، ورفضوا تزويدها بها.. فقياسا على حالة شهرام أميري، ‏لا شيء في السعودية متوفر حاليا، لضمان عدم تعرضهم للاختطاف من قبل السي إي إي، وما جاورها..‏
رایکم
آخرالاخبار