۳۶۹مشاهدات
ويقول إلكسندر بونوف من مركز كارنيغي في موسكو إن: «ما سنشهده هو علاقة أكثر متانة ولكن ذات طابع تغلب عليه البراغماتية، لا تقوم على علاقة شخصية أو أيديولوجية وإنما على المصالح العملية المشتركة».
رمز الخبر: ۳۲۶۷۹
تأريخ النشر: 09 August 2016
شبکة تابناک الاخبارية: بعد سلسلة اتصالات هاتفية ومراسلات خطيّة، يستضيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ اليوم الثلاثاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يسعى لترسيخ التقارب مع بوتين، في وقت يشعر بالمرارة حيال «أصدقائه» الغربيين.

سيبحث الطرفان تفاصيل العلاقات التركية ــ الروسية، وانعكاساتها على سياسات الدولتين، الإقليمية والدولية، على أمل تحقيق أنقرة مصالحة نهائية مع موسكو، بعد إسقاطها لطائرة حربية روسية في ٢٤ تشرين الثاني الماضي، إلى جانب تصديها المستمر للسياسة الروسية في سوريا، وخُطب إردوغان النارية بحقها، إذ وصف في إحداها «أنها دعمٌ من ديكتاتور» (قاصداً بوتين).

ويكتسب اللقاء أهميّةً إضافية لأنه الأوّل من نوعه، بالنسبة إلى إردوغان، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث يعاني من عزلة خطيرة وتوتر جديد في علاقاته مع العواصم الغربية، أهمها واشنطن وبرلين وروما وفيينا ولندن، إذ اتهمها وإعلامه بـ«لعب دورٍ ما» في محاولة الانقلاب ودعم الداعية فتح الله غولن. أما المعلومات الصحافية، فقد تحدّثت عن دعم روسي للرئيس التركي خلال محاولة الانقلاب، فكان بوتين أول من اتصل به ليلتها، معبّراً عن دعم موسكو له. كذلك تحدثت المعلومات عن اتصال روسي مسبق بإردوغان، قبل يوم، وإبلاغه باحتمالات الانقلاب.

ولم تمنع الظروف الراهنة التي تمر بها تركيا، وتُبرز حاجة إردوغان إلى الروس، من استضافة أنقرة لقيادات المجموعات المسلحة السورية، الأسبوع الماضي، حيث اتفقت في ما بينها، بضغوطٍ تركية، على توحيد قواها لفك الحصار عن حلب. ولم يمنع كل ذلك إردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو من الاستمرار في نهجهما التقليدي بمهاجمة «النظام في دمشق» باعتباره سبب الأزمة السورية.

فالدعم التركي للتنظيمات والفصائل المسلحة، باختلاف مشاربها وتلاوينها، تأمل منه أنقرة أن يكون ورقة مهمة للمساومة بها على طاولة المفاوضات، التي يراها جاويش أوغلو «ضرورة»، والعودة إليها واجبة. كذلك فإنها انعكاس للمحاولة التركية، الدائمة والمتكررة، في إظهار تأييدها للحل السياسي هناك. وهذا ما يؤكّده أحد نواب البرلمان التركي، عن «حزب الشعب الجمهوري»، باعتبار أن الدعم التركي الكبير للمجموعات المسلحة في منطقة إدلب، ومساعدتها في كسر الحصار عن حلب، هدفهما تدعيم موقف أنقرة في المفاوضات المرتقبة، في وقتٍ يخيّم فيه «الصمت» على الدوائر الإعلامية والسياسية والأمنية التركية تجاه نشاط تنظيمي «داعش» و«جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) في البلاد، وغياب الحديث عن «وحدات حماية الشعب»، الكردية، بعد أن كان إردوغان ووزراؤه يهدّدونها دوماً بـ«التدخل العسكري»، إذا ما اقتربت من منبج أو جرابلس، في محيط الحدود التركية ــ السورية.

ويتحدث العديد من المحللين عن مساعي إردوغان لابتزاز العواصم الغربية بحواره مع بوتين، وتهديدها بالمزيد من «التحالف مع روسيا»، وهو لن يكون ممكناً في ظل الاتفاقيات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة و«الحلف الأطلسي»، والتداخل الاقتصادي المعقّد مع الشركات العالمية الغربية، خاصّة أنه سيستقبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في 21 الشهر الجاري، ومن بعده نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن.

والجميع يعلم أن واشنطن ستبقى الأكثر تأثيراً في سياسات إردوغان، خاصّةً في ظروفه الصعبة حالياً ــ عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً، ومالياً. كذلك فإنّ إردوغان يعي جيداً أن روسيا بحاجة إلى تركيا، هي الأخرى، وهي أي تركيا، بحاجة إليها على الصعيدين الاقتصادي والتجاري.

ولكن يبقى الرهان على قدرات بوتين وطاقمه الدبلوماسي على فهم هذه الحقائق، وبالتالي على الإمكانيات التي تملكها روسيا في تحدياتها مع تركيا «الضعيفة حالياً»، على أن يكون الحساب الأهم من يملك الأوراق الأكثر تأثيراً على الطرف الآخر، وأيّ من الأطراف سيغامر ليرى مدى ضعف أو قوة الآخر، حتى يتسنى له تسجيل الهدف الذهبي في ملعبه!

ويقوم التحالف بين بوتين وأردوغان على صداقة بين رجلين طموحين في الستينات من عمرهما ويعزى إليهما الفضل في إنهاض بلديهما بعد مرورهما بأزمات اقتصادية، فيما يوجه إليهما اللوم كذلك لقلة اكتراثهما لحقوق الإنسان، وبعد أن أعرب أردوغان بوضوح عن إحساسه بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخليا عنه بعد محاولة الانقلاب، توجه نحو توطيد علاقاته مع روسيا.

ويقول محلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «حتى وإن كانت هذه العلاقات غير مستقرة تماما فإن تدهور العلاقات مع الغرب من شأنه تسريع التقارب بين تركيا وروسيا».

وتركيا حريصة على إصلاح الأضرار التي لحقت بها جراء العقوبات الروسية على قطاعات الزراعة والبناء والسياحة، وتفيد أرقام الكرملين أن المبادلات التجارية تراجعت بنسبة 43% إلى 6.1 مليار دولار بين يناير ومايو الماضيين، وتضررت السياحة التركية بعد تراجع الرحلات الروسية، وتراجعت أعداد السياح الروس بنسبة 93% في يونيو مقارنة مع الشهر نفسه من العام 2015.

وإن كانت السياحة بدأت تنتعش من جديد، إلا أنه لا يزال ينتظر إعادة إحياء مشروع أنبوب الغاز الذي يفترض أن ينقل 31.5 مليار متر مكعب سنويا إلى تركيا عبر البحر الأسود ومحطة أكويو النووية.

ويقول المستشار في العلاقات الخارجية لدى بوتين يوري اوشكالوف إن قيام أردوغان بزيارة روسيا خلال فترة قصيرة بعد الانقلاب الفاشل برهان على الأهمية التي توليها أنقرة للعلاقات مع موسكو.

وقال أردوغان في تصريحات لوكالة تاس الروسية نقلتها الصحافة التركية أمس إنه يأمل أن تفتح زيارته «صفحة جديدة».

كما أفادت وكالة «سبوتنيك» الروسية بأن السلطات التركية رفعت أمس الحظر الذي كان مفروضا على الوصول لموقع الوكالة في تركيا، وكانت وزارة الاتصالات التركية قد حظرت مواقع وكالة «سبوتنيك» الدولية للأنباء والإذاعة في تركيا في أبريل الماضي، كما سحبت من رئيس تحرير مكتب الوكالة في تركيا تورال كريموف اعتماده ومنعته من دخول تركيا.

ولكن بعد الأزمة الحادة التي شهدتها العلاقات، يحتاج الأمر إلى الوقت والجهد لإعادتها إلى سابق عهدها، يقول محللون إن موسكو في موقع قوة إزاء تركيا التي لا تزال تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، فروسيا الحليف الرئيسي للرئيس بشار الأسد عدو أردوغان، نجحت في تعديل موازين القوى عندما تدخلت عسكريا في سبتمبر 2015 مثيرة بذلك استياء تركيا.

ويقول إلكسندر بونوف من مركز كارنيغي في موسكو إن: «ما سنشهده هو علاقة أكثر متانة ولكن ذات طابع تغلب عليه البراغماتية، لا تقوم على علاقة شخصية أو أيديولوجية وإنما على المصالح العملية المشتركة».

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية أمس إن ألمانيا لا تعتقد أن تحسن العلاقات بين تركيا وروسيا سيؤثر على دور أنقرة في حلف شمال الأطلسي، وأضافت المتحدثة إن الاتصالات بين البلدين مهمة في ظل التهديد الذي تواجهه المنطقة ودوريهما في إنهاء الحرب في سوريا.

وقالت المتحدثة سوسن شبلي: «لا نعتقد أن التقارب بين تركيا وروسيا ستكون له عواقب على الشراكة الأمنية داخل حلف شمال الأطلسي»، وأضافت: «لا تزال تركيا شريكة مهمة داخل الحلف»، وقالت شبلي إن الوزارة ليس لديها علم بأن تركيا تستخدم التعذيب ضد المتهمين بالتخطيط لمحاولة انقلاب فاشلة. وكررت هي ومتحدثة باسم الحكومة الألمانية أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا سينهي مسعاها للانضمام للاتحاد الأوروبي.
رایکم