۴۲۵مشاهدات
ثم إننا لم نعرف أن أحدا من القادة استشعر المسؤولية الأدبية والسياسية واستقال من موقعه لأجل ذلك.
رمز الخبر: ۲۵۶۷۲
تأريخ النشر: 16 January 2015
شبكة تابناك الاخبارية: كتب الأستاذ فهمي هويدي في مقال له: حين وقعت على العنوان «الدولة والجيش يعيدان الاستقرار لسيناء»، كان أول ما خطر لي سؤال هو: حلم هذا أم علم؟

العنوان احتل رأس الصفحة الأولى لجريدة الأهرام الصادرة أمس (14/1)، وكان مقتبسا من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدفعة الثانية من قادة الأحزاب السياسية المصرية.

وكان مفهوما ان ذلك الشق من الحديث موصول بتطورات الأحداث في سيناء، التي كان أحدثها اختطاف أحد ضباط الشرطة، ثم العثور على جثمانه بعد قتله صبيحة اليوم الذي تم فيه اللقاء الرئاسي.

وهو الخبر الذي وضعته الأهرام مباشرة تحت التقرير الخاص باللقاء المذكور.

وإذ نشرته بحروف متوسطة الحجم، إلا أنها أبرزت معه بحروف أكبر سطرا تحدث عن مقتل 17 تفكيريا بينهم قيادات لـ(جماعة) بيت المقدس.

أردت بهذا التقديم الذي لم يخل من بعض التفصيل ان أمهد لعدة ملاحظات من وحي المشهد تراكمت لدي بمضي الوقت، أرجو أن يتسع الصدر لها، في مقدمتها ما يلي:


< إن الكلام عن استعادة الاستقرار في سيناء وعن القضاء على رؤوس الإرهاب هناك تكرر عشرات المرات خلال الثمانية عشر شهرا الماضية، لكن من الواضح أن ذلك الهدف لم يتحقق حتى الآن،  ولكثرة ترديد العنوان فإننا لم نعد مطمئنين إلى إمكانية تحققه في الأجل المنظور، وان تمنينا ذلك بطبيعة الحال.

< إنني أدرك حساسية الوضع في سيناء، إلا أنني لا استطيع أن أنسى ان تسريبات المصادر السيادية التي دأبت الصحف المصرية على نشرها في السابق ربطت بين حركة حماس في غزة واضطراب الأوضاع في سيناء.

وهو ما سوغ اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي استهدفت أحكام إغلاق ذلك الباب.

تجلى ذلك في هدم الانفاق ومحو مدينة رفح من الخريطة بل إغلاق معبر رفح ذاته الذي كان يمر العابرون فيه تحت أعين ممثلي السلطة المصرية.

وأيا كان رأينا في تلك الإجراءات فالشاهد انها لم تؤد إلى وقف العمليات الإرهابية، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن الذريعة الأصلية لم تكن صائبة وان حماس لم تكن طرفا في الإشكال.

< إننا نقرأ في الأخبار طول الوقت عن عمليات القوات المسلحة وانجازاتها ضد أوكار الإرهابيين. وعن دور طائرات آباتشى وإف 16، التي أوقعت أعدادا تفوق الحصر من الإرهابيين وهدم بيوتهم على رؤوس سكانها، لكن ذلك كله لم يحسم الأمر.

وهو ما يستدعي إلى الأذهان المقولة التي تنبه إلى أن استمرار استخدام نفس الاسلوب في كل مرة ينبغي ألا نتوقع منه ان يؤدي إلى نتائج مغايرة في أي مرة.

ليس لدي اقتراح محدد استخلصه مما سبق، لكن لدي سؤالا واحدا هو: أليس مفيدا والأمر كذلك أن تراجع الاستراتيجية المتبعة في سيناء، بما يؤدي إلى إعادة التفكير في اسلوب المواجهة المتبع بما يكفل وضع حد للإرهاب ووقف استنزافه لطاقات القوات المسلحة.

< حسب معلوماتي المتواضعة فإن التفكير الاستراتيجي ينبغي أن يتنزه عن العناد والمكابرة، وان هدفه ينبغي أن يظل ثابتا ولكن وسائله تقبل التغيير من خلال الخيارات البديلة.

في هذا الصدد فينبغي الاعتراف ابتداء بأن الإرهابيين لم ينجحوا في لي ذراع السلطة كما ان السلطة لم تنجح في القضاء على الإرهابيين.

هذه الخلاصة التي دلت عليها قرائن عدة إذا جرى التسليم بها فإن ذلك يفتح الباب واسعا للتساؤل عن الخيارات البديلة.

أما رفض الاعتراف بها فهو يعني استمرار النزيف الذي نشترك الجميع في دفع أثمانها الباهظة.

< ثمة اعتراف آخر يجب أن نقر به هو ان القوات المسلحة والشرطة تحملت مسؤوليات في سيناء تفوق طاقتها، وبذلت لأجل ذلك تضحيات غالية كان العشرات من أبنائها وقودا دائما لها.

إلا أن أمن سيناء ليس مسؤولية تلك الجهات وحدها، ولا يقلل من الثقة فيها ان يشترك معها آخرون من الخبراء ومن أهل سيناء للقيام بعملية المراجعة واقتراح الخيارات البديلة، إضافة إلى محاولة الإجابة عن السؤال: ما هي الثغرات التي أدت إلى إطالة أجل المواجهة وتحويلها إلى استنزاف لكل الأطراف؟

< على ذكر التضحيات فإنني أتمنى ألا يمر حادث اختطاف وقتل نقيب الشرطة الشهيد أمين الدسوقي دون تحقيق وتدبر لظروف اختطافه وقتله.

لا يكفي في ذلك ان تبرز جريدة الأهرام أنه في مقابل ذلك تم قتل 17 تكفيريا ومصادرة العشرات من قطع السلاح والدراجات البخارية.

فكل ذلك لن يعيد النقيب أيمن إلى الحياة ولن يمنع من تكرار الجريمة.

ثم ان أحدا لن ينسى أن عشرات غيره قتلهم الإرهاب في سيناء، وقامت القوات المسلحة والشرطة بواجبها في الرد عليهم وردعهم، إلا أننا لم نعرف كيف تمكن الإرهاب من أولئك الجنود والضباط، وهل كان هناك تقصير في حمايتهم وتأمينهم أم لا.

ثم إننا لم نعرف أن أحدا من القادة استشعر المسؤولية الأدبية والسياسية واستقال من موقعه لأجل ذلك.

وهو ما حدث مثلا في الصيف الماضي حين قتل الإرهابيون 15 جنديا تونسيا في منطقة جبل الشعانبي المجاور للجزائر، فقدم رئيس أركان القوات البرية اللواء محمد صالح الحامدي استقالته بعدما استشعر الحرج جراء ما حدث لجنوده، رغم أنه لم يكن قد أمضى عاما واحدا في منصبه.

هذه ملاحظة أخيرة سجلتها مواطنة مصرية اسمها منار الخولي، إذ قرأت لها «تغريدة» أمس الأول قالت فيها: بعد عملية «شاتو ابدو» أعلن مسؤول فرنسي أنه يوجد تقصير وسنعمل على تدارك الأمر، أما في مصر فإن عشرات القتلى يسقطون ولا أحد يتكلم عن محاسبة أي مسؤول.

وهي ملاحظة عامة أرجو أن تثير من التدبر أكثر مما تثير من الحساسية والزعل.
رایکم