۱۸۶مشاهدات
كان ذلك في نيسان 2014، حين راسلها أبو بلال البالغ من العمر 38 سنة والمتمركز في مدينة الرقة السورية الخاضعة لسيطرة “الدولة الإسلامية”.
رمز الخبر: ۲۵۳۹۳
تأريخ النشر: 11 January 2015
شبكة تابناك الاخبارية: هو تحقيقٌ صادمٌ أجرَتْه الصحافية المستقلة آنا إيريل بعدما تخفّت في زيّ الحجاب لمدّة شهر وأعلنت رغبتها بالمشاركة في "الجهاد”. ورغم أنها مهدّدة حالياً من "الدولة الإسلامية”، فقد قرّرت أن تسرد تحقيقَها تحت اسمٍ مستعار في كتابٍ تنشره اليوم الخميس 8 كانون الثاني الجاري، عنوانه Dans la Peau d’une Djihadiste.

تخفّت لمدّة شهر بزيّ الحجاب، وعرّفت عن نفسها عبر الإنترنت، باسم "ميلاني” البالغة من العمر 20 عامًا (هي بالفعل في عقدها الثالث من العمر). أظهرَت نفسها فتاةً شبهَ جاهلة، وأعلنت رغبتها بالمشاركة في "الجهاد”.

بعد بحثها عبر الإنترنت عن "الداعشيين”، تواصلت في موقع Facebook مع أحد مقاتلي "الدولة الإسلامية” الذي يُعتبَر في مرتبة عالية من هيكليتها. كان ذلك في نيسان 2014، حين راسلها أبو بلال البالغ من العمر 38 سنة والمتمركز في مدينة الرقة السورية الخاضعة لسيطرة "الدولة الإسلامية”.

في الأسطر الأولى التي تبادلاها، سألها أبو بلال إن كانت مسلمة، ودعاها للانضمام إليه في "داعش”. وتُخبر الصحافية باشمئزاز أن طريقة حديثه كانت أشبه بالتسويق الإعلاني، وكتبت أيضاً: "بالنسبة إليه، لم تشكّل ميلاني إلا صورةً نمطية، فهو لا يعرف عمرها ولا لون عينيها ولا وضعها العائلي، وكأن هذه الأمور لا تهمه”. وتضيف آنا أن أبا بلال شرح لها، بالأحرى شرح لشخصيتها المزيّفة ميلاني، أنّ الإسلام "دينٌ نقيّ، وأنّ عليها أن تغادر بلادها وتشارك في الجهاد”.

استمرّت العلاقة التواصلية حتى انتقلت إلى Skype للنقل والحديث المباشر عبر الكاميرا الإلكترونية، وأتقنت آنا خدعتها فلبست الحجاب واستعملت تعابير عربية وأعادت الشباب لصوتها. فأخبرت الصحيفة الفرنسية اليومية "لو فيغارو” أنها تكلّمت بالعامّية واستخدمت العربية، وتقصّدت أحياناً الأخطاء فيها، لكنه لم يشكّ في أي شيء”.

تطورت الثقة في العلاقة بين الشابة ميلاني والإرهابي أبي بلال تدريجياً. "ساعدني الوقت لربح الثقة، إذ لم يكن بإمكاني أن أطرح عليه الأسئلة الحساسة منذ البداية، وإلا كان شكّ فيّ وقطع تواصله معي” تقول الصحافية.

أبو بلال هو اليد اليمنى لزعيم "الدولة الإسلامية” أبي بكر البغدادي، أوكلَت إليه ثلاث مهمات: تجنيد المقاتلين للانضمام إلى "داعش”، تجميع الضرائب، وتنظيم كتائب المقاتلين. لكنه من وقتٍ إلى آخر، يشارك في القتال ما دفعه للقتل أكثر من مرّة. وأخبر أبو بلال الصحافية آنا، مغشوشاً بهويتها ميلاني، أنه يعشق قطع الرؤوس، وتعذيب المعتقلين ثم قتلهم بالضربة القاضية. وهي لفتت إلى أنه عرض إليها صوراً من هاتفه الذكي تبيّن رؤوساً مقطوعة.

ومع مرور الوقت، علمت ميلاني أن أبا بلال جزائري الأصل ويُدعى رشيد، وعاش في روبيه في شمال فرنسا. ترك دراسته بسرعة وارتكب العديد من الجرائم. مال إلى التطرف الإسلامي مع بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وغادر فرنسا للقتال في العراق ضد الغزو الأميركي عام 2003. ثم انتقل الجهادي إلى أفغانستان لتحسين تقنياته العسكرية، ثم إلى باكستان فليبيا، وبعد سقوط الرئيس معمر القذّافي، انتقل أبو بلال إلى تركيا.

وخلال حديثه مع ميلاني (الصحافية آنا)، مارس الضغط عليها لتتوجه إلى الشام بهدف "خدمة إرادة الله”، كما تكتب. وشعرت أن كل أحاديثه أصبحت بهدف إقناعها بالتوجّه إلى سوريا، حتّى إنه قال لها: "ميلاني، أشعر أن لديك روحاً جميلة، وإذا بقيتِ بين هؤلاء الكفّار، ستهلكين في جهنّم”. ولطالما أعاد لها مزايا "الدولة الإسلامية” الإيجابية، واتّخذت الأمور منحى شخصياً حين عرض عليها الزواج.

وبهدف الحصول على معلوماتٍ أكثر، دخلت ميلاني اللعبة، فأصبح يحادثها صباحاً وظهراً ومساءً، وتكتب الصحافية آنا: "في البداية، لم يكن فعلاً مكترثاً لميلاني، لكن في النهاية، تطورت مشاعره تجاهها”، وتُخبر أنها شعرَت أنها تمتهن الكوميدية، كلما تحدّثت مع الجهادي العاشق ولعبت دور المتجاوِبة التي قد تنضم إليه قريباً في سوريا.

ووصف أبو بلال لها مهماتها فور وصولها إلى سوريا، مؤكداً لها أنها تتعلم اللغة العربية صباحاً، ثم تتدرب على إطلاق النار بعد الظهر. وأخبرها أنها بعد أسبوعَين تصبح جاهزة للتوجه إلى الجبهة، أو يمكنها أن تختار التخصص في التجنيد أو في مكافحة التجسس، مضيفاً أن هناك "مهمّات نبيلة” يمكنها أن تقوم بها مِثل "زيارة الجهاديين الجرحى في المستشفيات، وتسليم الأدوية لمحتاجيها”.

تصف آنا كل ما حصلت عليه من معلومات بأنها "أكثر التحقيقات حماسة وتميّزاً في مسيرتي المهنية، إذ كان مذهلاً أن أتمكن من الحصول على معطيات مباشرة من المشهد في الرقة”. لكن بعد انقضاء مدة الشهر، وحصولها على معلوماتٍ كثيرة وكافية لإنهاء تحقيقها، كان على ميلاني أن تكسر جسور التواصل مع أبي بلال، وتنشر تحقيقها مع بداية شهر أيار.

"منذ ذلك الوقت، فهموا أني لستُ ميلاني، وبدأت التهديدات بالقَتل تُرسَل إليّ”، تسرد الصحافية آنا، وتلفت إلى أنهم أصدروا فتوى ضدّها، إذ وجدت فيديو في الإنترنت يُظهر وجهها وإلى جانبه نصٌّ بالعربية يتضمّن العبارة التالية: "إخواني في مختلف أنحاء العالم، إذا رأيتموها، اقتلوها!”

فانتقلت آنا للعيش بين والدَيها وأصدقائها. واليوم بعد مرور تسعة أشهر، تؤكد أنها لا تعيش في الخوف ولكنها في حالة تأهّب. وللحفاظ على حياتها، نصحها الصحافيون المقرّبون منها ألا تنشر تحقيقها، بل أن تسرده في كتابٍ تحت اسمٍ مستعار، وهو الكتاب الصادر في تاريخ اليوم.

النهاية
رایکم