۳۵۳مشاهدات
"لماذا يغادر شباب من ألمانيا لما يسمى بالجهاد في سوريا والعراق؟" يمكن اعتبار السؤال السابق "حزّورة" العام 2014 في ألمانيا.
رمز الخبر: ۲۴۸۵۴
تأريخ النشر: 30 December 2014

شبكة تابناك الإخبارية : افاد موقع "الاورينت" بانه طُرِح السؤال المذكور في برامج تلفزيونية وخلال ندوات عامة وفي المدارس والجامعات وعلى صفحات معظم الجرائد. وتعددت الإجابات بتعداد الشباب المغادرين وظروفهم ورغباتهم وأمزجتهم.

ونشرت صحيفة "التزايت"، إحدى أهم الصحف الثقافية في ألمانيا، مقالة لها تحت عنوان: "ماما، أنا أقاتل من أجل الله". البساطة في العبارة قد تختصر بساطة المقاتل الشاب في كل شيء. البساطة في التمييز بين الخير والشر. البساطة في إيجاد "أخوة وأصدقاء جدد". البساطة في الوصول إلى الشهرة. البساطة في القتل.

ولعدم الوقوع في فخّ التبسيط لابد من ذكر الجهد الحثيث الذي بذله سلفيون خلال هذا العام في جذب الشباب للانتقال إلى صفوف جماعة "داعش" الارهابية، حيث لا يوفر هؤلاء وسيلة الا واستخدموها للاستقطاب والتجنيد ما دامت الغاية أسمى، حسب زعمهم.

اللقاء الأول يبدأ في الجامع أو المدرسة أو النادي الرياضي أو حتى في الشارع. تتوجه ثلة من الملتحين إلى شاب أو شابين في الشارع، غالباً من أصول مهاجرة، ويلقون عليهم السلام بالعربية ويشرعون بإلقاء أسئلة عامة يمكن لأي أحد طرحها: "ماذا تفعل في وقت الفراغ؟"، "هل لديك أصدقاء؟"، يبدي السلفيون صبراً ودماثة خلال دعوتهم، حتى ينتهي اللقاء بالدعوة إلى الجامع.

ويراهن السلفيون في تبشيرهم ودعوتهم التي هي أشبه برحلات صيد على أولئك المنبوذين، إن من مجتمعاتهم الأصلية أو من المجتمع الألماني، الفريسة السهلة غالباً ما تكون شاباً باحثاً عن هوية ما تعرّفه. وما أن ينطق بالشهادتين حتى يجد نوعاً من التعاضد الجماعي حوله ويصبح بين ليلة وضحاها "أخاً يقاتل في جيش الله".

شرطة دينية!

وفي سياق الدعوة والتبشير برزت لأول مرة في 2014 مثلاً ظاهرة "شرطة الشريعة" في ألمانيا، وجالت مجموعة من الشباب السلفيين مدينة فوبرتال مرتدين بزات لحفظ النظام مكتوباً عليها Scharia Polizei.

وأرادت شرطة الشريعة تطبيق القوانين في المدينة الألمانية بحسب الشريعة الإسلامية، كما تدعي، هدفهم الرئيس شباب وشابات من جذور مسلمة، ممن يشربون الكحول ويرتادون النوادي الليلية ولا يرتدين الحجاب.

كان على هؤلاء الشباب "المنحرفين" أن يسمعوا نصائح تأديبية بنبرة تهديدية، وعلى رغم مأسوية الأمر في بلد أنجز إصلاحه الديني وقطع شوطاً كبيراً في التسامح، اتسمت بعض المواقف بالكوميدية فكانت أشبه بمواقف الكاميرا الخفية.

الخطير في الأمر أن من خطط ونفذ هذه الفكرة الغرائبية لابد أنه استلهمها من الواقع اليومي المعاش في جماعة "داعش" الارهابية لا يقتصر على استيراد الأسوأ من المجتمعات الغربية، بل تصدر إليها أفكاراً وقيماً، وفي المستقبل القريب ستصدر إليها بشراً.

وبحسب تقديرات الاستخبارات الألمانية وصل عدد الملتحقين بصفوف "داعش" خلال عام 2014 إلى 500 مقاتل، معظمهم من الشباب، 25 منهم قصر، خمسة من هؤلاء القاصرين عادوا إلى ألمانيا، والآخرون يحاولون العودة بعد ان صدمهم الواقع الكالح في العراق وسوريا وسقوط أحلامهم الوردية بالشهرة.

والذين غادروا ألمانيا إلى "داعش" شخصيات من مشارب ثقافية وخلفيات اجتماعية متباينة، أشهرهم على الإطلاق مغني الراب السابق (ديزو دوغ)، المكنى حالياً بـ "أبو طلحة الألماني".

وكان المغنّي - الفاشل فنياً- قاد تظاهرات في ألمانيا احتجاجاً على ما سمي بالرسوم المسيئة للإسلام قبل أن يلتحق بصفوف "داعش"، أبو طلحة - كما يحب أن يسمى- المتحدر من أب غاني وأم ألمانية صاحب سوابق جنائية عدة، والكلمات التي كان يرددها في أغانيه لا توحي بتوق إلى العدالة أو فعل الخير.

وهناك آخرون من ألمانيا لحقوا بديزو دوغ، كفيليب (27 سنة) العامل في إيصال البيتزا إلى المنازل في مدينة دينسلاكن، وماركو (19 سنة) خادم القداس في كنيسة كاثوليكية في مدينة بيرغهايم، الذي قضى حتفه خلال المعارك في سوريا. هؤلاء ليسوا دائماً من طبقة معينة أو أصحاب مشاكل نفسية، أحياناً تقودهم مصاعبهم العائلية وسيرهم الذاتية المليئة بالاضطرابات إلى تنظيم مثل "داعش".. لكن أحياناً أخرى الصدفة وحدها توصلهم إلى هناك!.

"جهاد" معاكس

في العام المنصرم كان لداعش تأثيره، ليس فقط على الشباب المسلم في ألمانيا وإنما أيضاً على شباب آخرين، لكن هذه المرة في الاتجاه المعاكس. فمع سقوط الموصل وحصار عين العرب السورية أيقظ "داعش" الآلاف من شباب الكرد والسريان في ألمانيا. ففي مدينة فيزبادن تظاهرت مجموعة من الشباب السريان رافعين لافتات تحمل حرف النون اشارة إلى ما لحق بالمسيحيين في المناطق التي تسيطر عليها "داعش" من تهجير وقتل و تنكيل. ونشط الكرد بدورهم في عدة مدن ألمانية في تظاهرات كبيرة ضد المد الداعشي واحتجاجاً على تراخي المجتمع الدولي في مواجهته.

واللافت أن "داعش" لا تستدعي فقط ردود فعل آنية بل تنعش أحقاداً دفينة وتفجر المكبوت لدى المتوجّسين من الإسلام والمعاديين له، وهي بذلك تؤسس لحركات شعبوية ترى في الإسلام خطراً بحد ذاته. أسطع مثال على ذلك أعضاء حركة (بيغيدا) الذين نزلوا قبل أسبوع بالآلاف إلى الشوارع اعتراضاً على ما سموه "أسلمة ألمانيا".

تداعيات قيام داعش على ألمانيا لن تنتهِ مع نهاية العام وهي في تسارع مطرد، إذ تعتزم الحكومة الألمانية إصدار تعديل قانوني يسمح بسحب الهويات الشخصية من الإسلاميين المتشددين وإعطائهم وثائق بديلة تمكنهم من التنقل داخل ألمانيا فقط.

لكن السؤال المطروح آنفاً يبقى عالقاً ومؤجلاً للعام المقبل: "متى يعود المسلحون إلى ألمانيا؟ وإن عادوا، ماذا سيفعلون؟".

رایکم
آخرالاخبار