۲۷۵مشاهدات
قبل ستة اشهر اطلق «تنظيم الدولة الاسلامية» في العراق وبلاد الشام «داعش». هجوما من شمال شرقي سوريا باتجاه نهري الفرات ودجلة في العراق.
رمز الخبر: ۲۴۸۳۴
تأريخ النشر: 30 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : حيث احتل مساحة واسعة مع عدد من المدن العراقية، من ضمنها مدينة الموصل. وكانت المفاجأة ان تفككت قوات الجيش العراقي والقوات الامنية الاخرى، مما افسح في المجال امام الدولة الاسلامية لاحتلال مساحة تتراوح ما بين ربع وثلث الاراضي العراقية. استعمل التنظيم المفاجأة وسرعة الهجوم والعنف الممنهج بما في ذلك الاعدامات الجماعية وقطع الرؤوس وغيرها من الاساليب الوحشية لترويع السكان والقوى الامنية والعسكرية على حد سواء.
شكل اعلان «التنظيم» للخلافة الاسلامية، مقرونا باستكمال هجومه باتجاه الشمال ليهدد عاصمة اقليم كردستان، وباتجاه العاصمة بغداد تهديدا استراتيجيا، قد لا يقتصر على العراق، بل يتعدى ذلك ليشمل الدول المجاورة ومن بينها الاردن والمملكة العربية السعودية.
سارعت الولايات المتحدة للدعوة لانشاء تحالف دولي واسع لمحاربة الدولة الاسلامية، كما اطلقت مقاتلاتها اعتبارا من مطلع شهر اب لشن هجمات ضد قوات «داعش» في العراق في محاولة لوقف تقدم الهجوم باتجاه اربيل وبغداد. نجحت الدعوة الاميركية لتشكيل تحالف دولي، حيث وافقت ستون دولة في مؤتمر بروكسيل للمشاركة في هذه الحرب على الارهاب المتمثل بالدولة الاسلامية.
حددت الاستراتيجية التي اعتمدها التحالف خمسة اهداف رئيسية:
شن حرب عسكرية دون هوادة لتدمير الدولة الاسلامية، وقف تدفق المقاتلين الاجانب للالتحاق بالتنظيم، تجفيف مصادر التمويل، تقديم المساعدات الانسانية واللوجستية، وشن حرب ايديولوجية ضد الدولة الاسلامية والتنظيمات التكفيرية الاخرى من القاعدة ومشتقاتها.
اختار الرئيس اوباما في ايلول الجنرال جول الن لقيادة العملية الشاملة ضد الدولة الاسلامية، والذي رأى فور تسلمه لمهمته بان المعركة ستكون قاسية وطويلة، وبان الانتصار فيها صعب، وليس في الافق المنظور، من المؤكد بان الجنرال الن لن يكون القائد العملاني للتحالف الدولي بل سيعمل كخبير استراتيجي، وكمفاوض بين دول التحالف، وموزع للادوار وخصوصا لتحديد المشاركة الفعلية لكل من الدول المشاركة، وسيعمل على تقوية وتحصين التحالف، والتنسيق بين مكوناته، بالاضافة الي تنظيم الحرب في مختلف ابعادها واشكالها.
يبدو ان ما شجع الرئيس اوباما على اختيار الجنرال الن لهذه المهمة الشائكة المعقدة يعود الى تجربته ما بين عامي 2006 و2008 في العراق، وتحديدا في الانبار وفي الصحراء الواقعة غرب بغداد حيث لعب دورا اساسيا الى جانب الجنرال دايفيد اوس في انشاء «الصحوات» من ابناء العشائر من اجل دحر التنظيمات الارهابية، ويضاف الى تجربة الجنرال الن في العراق تجربته اللاحقة في افغانستان ما بين عامي 2011 و2013 حيث عمل كقائد لقوات حلف شمالي الاطلسي هناك.
يدرك الجنرال الن ان مهمته الجديدة تختلف في الشكل والمضمون عن مهمته السابقة في العراق وافغانستان، فهو سيؤدي دور المخطط الاستراتيجي والمنظم والمنسق العام لهذه الحرب، كما ان العدو الذي يواجهه يختلف عن تنظيم القاعدة في العراق، وقد اعترف هو شخصيا بذلك من خلال قوله ان تنظيم الدولة الاسلامية يختلف عن تنظيم القاعدة في العراق، فالدولة الاسلامية تشكل خطرا جديدا، لم نواجه مثله من قبل في هذه المنطقة كما اننا لم نر له مثيلا في اي مسرح عمليات آخر. لم يكن تنظيم القاعدة في العراق متماسكا، وقادرا على القيام بهجمات واسعة على غرار ما تقوم به الدولة الاسلامية لقد نجح التنظيم في السيطرة على مناطق واسعة في سوريا والعراق، واقام عليها دولة الخلافة، واللافت انه نجح في ايجاد مصادر خاصة به لتمويل عملياته الواسعة، وهو يعد العدة لاصدار نقد خاص به يستعمله في المناطق الخاصة لسلطته.
عملت القاعدة في العراق كتنظيم ارهابي يشن عملياته ضد القوات الاجنبية والقوات الامنية العراقية، ولكن ايديولوجية هذا التنظيم لم تتعد طرد الاجنبي واسقاط الدولة التي يسيطر عليها الشيعة بتشجيع وحماية المحتل الاميركي. اما مع الدولة الاسلامية فان الايديولوجية التي هي معتمدة فتتركز على اقامة دولة الخلافة وبالتالي اقامة دولة اسلامية تطبق احكام الشريعة بشكل صارم.
جذبت هذه الايديولوجية التي تعتمدها الدولة الاسلامية ما يزيد على خمسة عشر الف مقاتل اجنبي من اكثر من ثمانين دولة - وخصوصا من الدول الغربية ونجحت «داعش» في تشكيل قوة هجومة من هؤلاء، كما نجحت في اقناع عدد منهم بتنفيذ عمليات انتحارية من اجل زرع الذعر والرعب في صفوف القوات الامنية والسكان المحليين على حد سواء، وقد مكنها ذلك من فرض سيطرتها على مناطق واسعة من العراق دون اية مواجهة فعلية مع القوات العسكرية والامنية العراقية. وحاولت الدولة الاسلامية من خلال سرعة حركتها وتعاملها الصارم مع خصومها، ومع السكان المحليين انها كتبت بأنها قوة اسلامية، وبأن ايديولوجيتها الدينية تشكل العامل الاساسي لانتصاراتها السريعة.
لكن في الحقيقة فان التحليل الموضوعي لاداء الدولة العراقية في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يؤكد على ان الانتصارات التي حققتها «داعش» قد سهلتها الانقسامات المذهبية والاثنية التي تسببت بها الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها السلطة العراقية، وخصوصا مع العرب السنة، وبالفعل فقد نجحت «داعش» في استغلال هذه الاخطاء من اجل احتلال مناطق واسعة في عدة محافظات ذات اكثرية سنية.
هناك بوادر امل بان تنجح حكومة حيدر العبادي في اعتماد سياسات متوازنة، تجمع حولها مختلف المكونات العراقية، ويكون شعارها العراق لكل مكوناته الدينية والاثنية، ويبدو بان الحكومة الراهنة قد نجحت في مد الجسور مع مختلف العواصم العربية والاقليمية، كما نجحت في اقناع العشائر السنية في الانبار وغيرها من المحافظات في الانضمام الى الجهد العسكري العام في الحرب على الدولة الاسلامية.
نفذ طيران التحالف الدولي خلال الاشهر الخمسة الماضية ما يزيد على الف وخمسمائة طلعة جوية ضد قوى وقيادات الدولة الاسلامية، وهذا ما ساعد على احتواء الاندفاعة الهجومية للدولة الاسلامية من جهة كما فتح الطريق امام قوات البيشمركة الكردية لاستعادة المبادرة وبالتالي من تنفيذ هجوم ردي من اجل استعادة سنجار وجزء اساسي من نينوى.
ويبدو بان قوات السلطة والميليشيات والعشائر قد نجحت في استيعاب هجوم الدولة الاسلامية على محاور الانبار وصلاح الدين وديالا، وهي تحاول الان استعادة بعض المواقع التي خسرتها في ديالا وصلاح الدين.
اما على الصعيد الاستراتيجي فانه لا يمكن الفصل بين مسرحي العمليات في سوريا والعراق، ولا بد ان تعدل الولايات المتحدة من استراتيجيتها بتوحيد المسرحين وتوحيد الجهد ضد الدولة الاسلامية - وخصوصا بعد ان تحولت سوريا الى عمق استراتيجي تستعمله «داعش» لصالح عملياتها في العراق. لا يمكن الاستمرار في اعتبار العراق المسرح الاساسي لدحر «داعش» وبان العمليات في سوريا تشكل جهدا ثانويا وداعما للمسرح العراقي. ويبرر هذا القرار بعدم وجود قوات برية على الارض السورية - وبان العمليات الجوية الراهنة هي لاستنزاف قوات «داعش» وذلك بانتظار تجنيد وتدريب وتسليح وحدات عسكرية تعمل تحت رؤية المعارضة السورية المعتدلة. ان النتيجة المباشرة لمثل هذا القصور الاستراتيجي ستكون باطالة عمر الحرب، وباعطاء الدولة الاسلامية الفرصة لتحقيق المزيد من الانتشار داخل سوريا، وتصفية التنظيمات الاخرى.
ساحاول في تحليل مقبل طرح الابعاد والاهداف الاخرى لاستراتيجية الحرب والتي لا تقل اهمية عن البعد العسكري، وخصوصا لما يسود منها للتمويل وتطويع المقاتلين الاجانب، ومحاربة ايديولوجية الدولة الاسلامية.
المصدر : الديار
رایکم