۸۳۸مشاهدات
عبد العزيز كحيل
رمز الخبر: ۷۴
تأريخ النشر: 24 July 2010
شبکة تابناک الأخبارية: من قال إن العرب ليس لهم ابتكار ولا إبداع وإنهم يعيشون على فتات الآخرين؟ إذا كان هذا صحيحا في مجال البحث العلمي والاستكشاف والاختراعات فهو بعيد عن الصواب في مجال سياسة الحكم، ففي هذا الميدان أبدع الحكّام العرب وأرسوا تقاليد فريدة لم يأت بها الأوائل ، هؤلاء الحكّام نسخ من بعضهم من المحيط إلى الخليج، لا فرق فيهم بين ملك ولا سلطان ولا أمير ولا رئيس، وسواء تسمّى الواحد منهم بأمير المؤمنين أو إمام المسلمين أو خادم الحرمين فهم على قلب رجل واحد في إبداع جملة من الحالات السياسية التي قلّ نظيرها في دول العالم ، نوجزها فيما يلي:

1. الزعامة مدى الحياة: لا يوجد في القاموس السياسي العربي المعاصر رئيس سابق، فالزعيم يبقى في السلطة حتى يطيح به انقلاب أو يأتيه الموت، أتدرون لماذا ؟ لأنه – بالضرورة – وحيد زمانه وفريد أوانه، عقمت النساء أن يلدن مثله، ولا يمكن – نعم، لا يمكن – أبدا أن يكون له ندّ أو كفء في طول البلاد وعرضها.

وقد رأينا غير واحد منهم يطول به العمر وتفتك به الأمراض حتى إن بعضهم يتبوّل على نفسه لكنّه يتمسّك بالكرسي إلى حين خروج روحه أو إقالته بناء على تقرير طبّي كما حدث في تونس.

وفي سبيل الزعامة مدى الحياة يتلاعبون بالدساتير التي وضعوها بأنفسهم وعلى مقاسهم، وإذا كان بورقيبة قد نصّ صراحة في دستوره على رئاسته مدى الحياة فإنّ غيره تسّتروا وراء ورقة توت مضحكة هي عدم تحديد عدد العهدات الرئاسية وترك الباب مفتوحا للتجديد والتمديد.

2. الجمهوريات الوراثية: من يجرأ على إنكار هذا الإبداع العربي الفذّ في علم السياسة وعالمها ؟ عندما رأى النظام الرسمي العربي أن عمر الزعيم الأوحد محدود بالضرورة أنشأ نظرية " الجمهوريات الوراثية " وطبّقها وبشر بها، وتنادى بها أقطابه.

ولم لا؟ إذا كان الوالد هو الأقوى والأفضل والأنفع فابنه على شاكلته من غير شكّ ، فلماذا تحرم الأمة من بركاته وأفضاله ؟ بدأ الأمر بسوريا – ولا بأس بإجراء عملية قيصرية استعجالية للدستور الذي "اختاره الشعب" – فكانت تجربة نوعية رائدة تداعى إليها الزعماء الأشاوس في مصر وليبيا واليمن " تلبية لرغبة الشعب الحرّة الملحّة".

أمّا إذا لم يكن للحاكم ابن ذكر فلا بأس بتولية زوج ابنته في انتظار أن ينضج الشعب فينصّب البنت نفسها رئيسة، فلا شكّ أنّها مثل أبيها في التفرّد بخصائص الكفاءة والعبقرية والحكمة.

فإذا لم يكن الرئيس متزوّجا أصلا فسيورث كرسيه ومميزات عبقريته لأخيه ... كل هذا حتى تبقى البلاد في ظل النعيم والرخاء والاستقرار والازدهار الذي لم يتحقّق إلا بفضل القائد الفذ ّ الملهم.

3. ديمقراطية الواجهة: حسب الشعارات المرفوعة ترفل البلاد العربية كلّها في ديمقراطية " أصيلة" تحسدها عليها أمم الدنيا، فهي تعجّ بالأحزاب السياسية وتجري انتخابات دورية تكلّف الخزينة الملايير – باستثناء السعودية المستغنية عن كل هذا بفضل الرباط المقدّس بين الأسرة الحاكمة والمؤسّسة الدينية الرسمية.

أليست هذه هي الديمقراطية ؟ هناك – فقط – ثوابت يحرم المساس بها، فالأحزاب يمكنها أن تتكاثر وتصرخ وتشجب بشرط ألا تصل إلى سدّ الحكم أبدا، فهذه مهمّة الحزب الحاكم دون سواه، قد يوزّع الفتات على "المعارضة" لكنّ تسيير شؤون البلد لا يتقنه إلا هو، والانتخابات حرّة ونزيهة دائما، وقد يتابعها "مراقبون نزهاء" وشهود لا يرون شيئا، ولن تفرز سوى فوز مرشحي النظام الحاكم، فهي انتخابات رتيبة لا مجال معها لأية مفاجأة.

بكلمة واحدة ابتكر هؤلاء الحكّام ديمقراطية بلا لون ولا طعم ولا رائحة، هي الديمقراطية الحقيقية، الأصيلة ، الكفيلة بإسعاد الشعب ، ولو كره الغربيون...ومعهم الشعوب العربية.

4. الحريات وحقوق الإنسان: بما أن الزعيم الأقدر يرعى شعبه العزيز ليل نهار ويوفّر له من أسباب السعادة ما لا يوجد في الشرق والغرب فما معنى الحديث عن الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان؟ هذه في الحقيقة فرية كبرى يتاجر بها أعداء الوطن والخارجون عن القانون كالحقوقيين والمعارضين الخبثاء والمنظمات الدولية المنحازة للفوضى والظلامية... أليس المواطنون أحرارا في أن يقولوا دائما نعم للزعيم ومشاريعه ؟ فلماذا تريدون لهم أن يقولوا " لا " وينشروا الوهن في الأمّة ؟ عن أي حقوق تتكلمون يا من تحرّكهم الأيادي الأجنبية ؟ ألا يعمل الزعيم على إطعام الناس ليبقوا على قيد الحياة؟

الحكّام العرب مع الحريات وحقوق الإنسان من غير شكّ، ولكن بالمفهوم المخابراتي والرؤية البوليسية، ألم تروا إلى ذلك البلد العربي "المتنوّر" كيف جعل لحقوق الإنسان وزارة مستقلة، وتدرّس هذه الحقوق كمادّة إجبارية في المنظومة التربوية، لكنّه لا يتسامح إطلاقا مع دعاة الحرية والحقوق، ويرفض الترخيص للاجتماعات والتظاهرات والمسيرات والاعتصامات لأنها أعمال شغب تتولّى تنظيمها شرذمة من الحقودين على الوطن المزدهر في ظل زعيمه الأبدي الأبي.

5. وإسلام في الخدمة: للحكّام العرب نظرة فريدة من نوعها للدين، فهم أصحاب علمانية من الصنع المحلّي تتمثّل ليس في الفصل بين الدين والدولة، وإنما في تأميم الإسلام وتدجينه وجعله في خدمة النظام الحاكم يدور معه حيث دار، فهو هنا دين الاختيار الليبرالي وهناك دين التوجّه الاشتراكي وهنالك دين التآخي مع الكيان الصهيوني، وذلك عبر طبقة من "رجال الدين" المتفانين في إرضاء السلطة لأنّهم مجرّد موظفين عندها، يعنيهم رضاها قبل رضا الله تعالى، ولهم غرائب ونوادر الإسلام منها برئ تماما، فواحد منهم يقول عن رئيس دولته "لو كان الأمر لي لقلت إنه لا يسأل عمّا يفعل" ...

ويفتي ثان بأن حجاب المرأة ليس حكما شرعيا إنما هو عادة جاهلية ولباس طائفي – لأنّ زوجة رئيسه وبناتها متبرّجات سافرات -، ويرى عامّتهم أنّ طاعة الحاكم واجبة شرعا مهما انحرف وظلم وطغى وبغى "درءا للفتنة" ... أمّا علماء الدين الراسخون المتخندقون مع شعوبهم فهم في نظر الحكّام وعلمائهم "متطرّفون، خونة، جهّال، رؤوس فتنة ..."

وكانت النتيجة أن كفرت الشعوب العربية بهؤلاء الحكّام وإبداعاتهم وفقهائهم ، ودخلت في ألوان من السبات أو النشاط تنتظر نهاية عصر هذه الآلهة البشرية المتسلّطة.

فمتى يزول عن العرب زمن التمديد والتوريث والقائد الأوحد والاستبداد باسم الديمقراطية أو باسم الدين حتّى نعيش فقط كباقي أمم الأرض؟

وأخيرا، تمالكني الضحك وأنا أتابع أخبار استقالة وزير فرنسي عندما اكتشف الرأي العام أنّه يدخّن السيجار من خزينة الوزارة ... آه للمسكين، يحاسب على سيجار، بينما عندنا البلد كلّه ملك للزعيم وحاشيته، نطير فرحا إذا تذكّر الشعب من حين لآخر فأغدق عليه بعض الفتات المتساقط من الموائد.
رایکم