۹۱۷۰مشاهدات
رمز الخبر: ۳۸۲۳۷
تأريخ النشر: 04 May 2018

شبکة تابناک الاخبارية: ولد حسن الصراف في إيران سنة 1986 من أسرة عراقية، وأكمل المراحل الدراسية الأولية (الابتدائية والمتوسطة والاعدادية) في المدارس الإيرانية، وبعد حدوث التغيير في العراق وسقوط نظام صدّام عاد للعراق، ودخل الكلية ودرس اللغة العربية وآدابها، ومن ثمّ العلوم السياسية حتّى مرحلة الماجستير.

بدأ مشوار الترجمة منذ أيّام دراسته في الكلية، لكنه لم يقدم على ترجمة كتابٍ معيّن بشكل جاد حتّى قرّر ترجمة كتاب "الصحراء" للدكتور علي شريعتي. وبعد صدوره بفترةٍ وجيزة ترجم كتاباً آخَر لهذا المفكّر عنوانه (ثالوث العرفان والمساواة والحريّة) بالإضافة إلى نصّ قصصي قصير عنونه شريعتي بـ (واحدٌ وأمامه أصفار إلى ما لا نهاية) وطُبعَ هذا النص ضمن هذا الكتاب أيضاً.

تحدث الصراف مع مراسل شفقنا حول شخصية المفكر الإيراني الشهير "علي شريعتي" فقال: إنّ شخصاً كـ"علي شريعتي" معروف جدّاً لدى كلّ الأطراف وغنيّ عن التعريف، وبقدر ما هو معروف في الأوساط الأكاديمية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية فإنّ الآراء مختلفة فيه، فمنذ أيام حياته وحتى بعد وفاته انقسمت الآراء فيه إلى قسمَين، قسمٌ يمدحه بل ويقدّسه، وقسم يذمّه ويعدّه منحرفاً أو سبباً في أدلجة الدين وانتشار التطرّف. ولكنني بحسب قراءتي المتواضعة له أراه محطّة فكرية مهمة في مسيرة التنوير وتحديث الفكر الديني ونشر الوعي، ولا يمكن تجاهله، فضلاً عن سعيه لبث الوَعي بين أفراد المجتمع وتأكيده الدائم المستمر على مسؤولية الإنسان في هذا الكون بلغةٍ تناسب الأوساط الشبابية وحتّى غير المثقفة. برأيي هنا تكمن أهمية شريعتي، فإذا أمعنّا النظر في واقعنا الثقافي قد لا نجد أكاديمياً أو مفكّراً يستطيع مخاطبة الوعي الجماهيري بلغة علميّة يسيرة. شريعتي بصفته أديباً وخطيباً ومفكّراً ومتخرّجاً من جامعة السوربون لا يخصص خطابه بالنخبة الفكرية والثقافية، ومن يرى بأنّ شريعتي سطحي في محاضراته يجب أن ينتبه إلى هذا الأمر، فهو غير معنيّ تماماً بالوسط الأكاديمي والمتخصص في الفلسفة والدراسات الفكرية، بل إن مشروعه ينصبّ بالدرجة الأساس في نشر الوعي وثقافة القراءة بين الأفراد، وتشذيب الوعي الديني من الخرافات ومن هيمنة المرائين والمتنقبين بالدين، ولهذا السبب نجد قرّاء لشريعتي من كلّ المذاهب الإسلامية، فقد تلقيت رسائل من شباب من مختلف الدول العربية يبدون رغبتهم الشديدة في الانفتاح على مشروع شريعتي الإصلاحي والتنويري، إذ راسلني في الآونة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلّم من المغرب أخبرني بأنّه يحثّ طلّابه في المدرسة على قراءة "علي شريعتي"! برأيي إن سبب هذه الشعبية الواسعة لشريعتي بعد مضيّ أربعین عاماً على وفاته تعود لأسباب عدّة منها أنه يؤسس لخلق وعي فردي، ويخاطب الذات الإنسانية ويحثّها على معرفة نفسها ومعرفة مسؤوليتها في هذا الكون. الشباب متعطّشون لمثل هذا الخطاب الفكري، ولكن للأسف الخطاب السائد غير إيجابي وإنْ لم نقل أنّه يرسّخ الجهل والخرافة فهو في أفضل الأحوال غير مؤثّر.

وأضاف الصراف: لهذا السبب اخترت نصوص شريعتي لنقلها إلى العربية، لأن مجتمعاتنا ما زالت تتخبّط في المشاكل ذاتها التي طرحها شريعتي قبل أربعة عقود، وإنّ الخطابات التي تسعى لمعالجة هذه المشاكل غير مسموعة، ولم تنجح في الوصول إلى كلّ الأوساط الاجتماعية، ولكن شريعتي نجح بصورة واضحة في أن يوصل صوته الداعي إلى الإصلاح والوعي والشعور بالمسؤولية إلى كلّ الأفراد، وعلى وجه الخصوص الشباب، وعليه فإن أفضل وسيلة وأسرع حلّ لإنقاذ الشباب في دول الشرق الأوسط من هيمنة الخطابات السلفية والحركات الجهادية هو استئناف المشروع الذي بدأ به شريعتي، فهو لا يدعو إلى إقامة نظامٍ سياسيٍ معيّن، ولا يدعو إلى حمل السّلاح، ولا يدعو إلى العنف والقتل، بل على العكس من كلّ ذلك، يدعو للعودة إلى الذات والانطلاق منها نحو معرفة الآخر والانفتاح عليه وخلق مناخ تعددي مسالِم.

وحول كتاب "كوير" أو كما سمّاه "الصحراء" قال حسن الصراف: للتحدّث عن كتاب الصحراء يجب أن نعرف أمرَيَن مهمَّين، أوّلاً: يؤكّد شريعتي بأنّ كتاباته تنقسم إلى ثلاثة أقسام: (الإسلاميات، والاجتماعيات، والصحراويات)، ويوضح بأنه يحب الصنف الثالث من هذه الكتابات أكثر من غيرها. ثانياً: لشخصية شريعتي أبعاد عدّة على المستوى العلمي والمعرفي، فهو خطيب متخصص في الوعظ والإرشاد بطريقته الخاصّة، ومن هنا جاءت تسميته الشهيرة بـ"المعلّم" بين محبّيه، وهو أستاذ جامعيّ أيضاً، وكذلك مفكّر إصلاحي، ولكن الجانب الأهم والأعمق في شخصيته تتبلور في كونه أديباً بنزعة عرفانية، وإن نصوصه الصحراوية، سيّما كتاب (الصحراء) يؤكد ذلك. يدمج شريعتي روح نصوصه الإسلامية والاجتماعية مع نزعته الوجودية والعرفانية ذات البُعد الإسلامي ويصهرها في بوتقة الصحراويات ويقدم توليفة رائعة في سرديّة يتميز بها دون غيره في الأدب الفارسي المعاصر، وأقرب ما تكون إلى اللغة الشعرية، وقد يمكن إدراجها ضمن السيرة الذاتية أو الانثيالات والنصوص الوجدانية.

وتحدث الصراف كذلك حول كتاب "ثالوث العرفان والمساواة والحريّة" قائلاً: كما أوضحتُ في البداية فإن شريعتي يخاطب الشباب في محاضراته، وليس بصدد كتابة بحوث أكاديمية وفكرية لينشرها في مجلّة محكّمة ودوريات علمية؛ إن كتاب "ثالوث العرفان والمساواة والحرية" يتضمن محاضرة ألقاها في السنوات الأخيرة من حياته، تحدث فيها عن ثلاثة عناصر مهمة وأساسية، وأوضح بأن هذا الثالوث (العرفان والمساواة والحرية) يبلور الطريق الرئيس لسعادة الإنسان، وأكّد بأنّ اعتماد أي واحدة من هذه المفردات الثلاث دون الأخرى هي عملية غير مجدية وغير نافعة. وقد أصّل هذا الثالوث ضمن محاضرته وبيّن أن العرفان متوافر في التراث الديني والمساواة متوافرة في الفكر الاشتراكي والحريّة متوافرة في الفلسفة الوجودية، ولكن كلّ من هذه الاتجاهات لوحدها غير نافعة. وفي نهاية المحاضرة يؤكّد توافر هذه العناصر في شخصية تاريخية فذّة تتمثّل بالإمام علي بن أبي طالب (ع).

وأضاف الصراف: كما ترجمت قصة قصيرة لشريعتي خصّها بالطفولة وأُلحِقَت بهذا الكتاب نفسه. عنوان القصة هو (واحدٌ وأمامه أصفارٌ إلى ما لا نهاية)، وهي قصّة رمزية بلغة يسيرة لترسيخ فكرة التوحيد في وعي الأطفال وإعطاء معنى للحياة الإنسانية، ودعا شريعتي في مقدّمة القصة إلى مخاطبة الأطفال بالقضايا المصيرية. ولا أنسى أن أقول بأن شريعتي يقسم المتلقين أيضاً على ست فئات، ويقول على مثقفنا الملتزم أنْ يتدرّبَ على فنِّ الخطابة والحديثِ مع ستة فئاتٍ من المتلقين: سائر مثقفي العالم، وإخوته المسلمين، وساكني المُدُن، والنساء، وأهل الريف، وأخيراً الأطفال. بحسب علمي المتواضع لا يوجَد أحد يجيد نشر الوعي بين البسطاء من النّاس أو بين الأطفال، وللأسف الشديد فإن هذه الأوساط متروكة تماماً للخطابات غير المدروسة وغير العلمية وغير الواعية التي تهدف إلى تحقيق مآرب سياسية أو اقتصادية وشخصية ضيقة.

وقال الصراف في ردّه علی سؤال مراسل شفقنا "إذا كنت ترى بأن شريعتي مهماً لأنه يدعو إلى نشر الوعي بين كل أفراد المجتمع إذن لماذا تتهمه بعض الأطراف بالعمالة أو التعاون مع السلطات؟ والدليل الذي يذكرونه هو أنّ حكومة الشاه كانت متعاونة معه وتسمح له بإقامة محاضراته ولم تمنعه من مغادرة إيران؟"، قال: في الحقيقة من يوجّه مثل هذه الاتهامات يجد نفسه معنيّاً بانتقادات شريعتي الشديدة واللاذعة، ولذلك يعمل على البحث عن الهفوات في محاضراته وكتاباته، بحجّة الدفاع عن الدين والمذهب، أو يتهمه ويعمل على تسقيطه بشتّى الوسائل. هناك مثل شعبي في اللغة الفارسية يقول: عندما تطلق شتيمة ما، من دون أن توجهها لأحد، يأتي من يستحق هذه الشتيمة ويجدها موجهة له! هذا مجرد مثل، وفي الواقع شريعتي لا يشتم أحداً ولا يسب، ولكنّه لا يتوانى في نقد المرائين وتجّار الدين من دون أن يذكر أحداً باسمه، إلّا ما ندر، سيّما حين يريد أن ينقد بعض الأكاديميين والمثقفين.

وأضاف الصراف: أمّا فيما يتعلق بالقسم الثاني من سؤالك فأقول في البداية بأن هذا الموضوع يخصّ سيرته الذاتية ويجب أن يتحدث عن ذلك المقرّبون منه ومعاصروه، ولكن بتقديري وبحسب قراءتي لتاريخ تلك المرحلة ولسيرة شريعتي أعتقد بأن حكومة الشاه في الستينيات والسبعينيات وفي أيّام الحرب الباردة كانت مهتمّة كثيراً بالتصدّي للفكر الشيوعي، لا سيما أنها كانت من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإن مفكراً وخطيباً مثل شريعتي الذي ينقد أساسيات الفكر الشيوعي نافع بالنسبة لها في بعض الجوانب. بالإضافة إلى أن شريعتي ما كان يتبنّى أفكاراً جهادية ولا يدعو إلى حمل السلاح، وحتى أنه ما دعا إلى إسقاط حكومة الشاه صراحة، بل كان يدعو إلى إصلاح المجتمع وتشذيب العقائد والأفكار وما إلى ذلك، ولكنّه إلى جانب نقده للشيوعية أمعن في نقد الرأسمالية وسطوة الاستعمار الغربي والسلطات المتعاونة مع الأنظمة الاستعمارية، وكان في فترة من الفترات ينتمي للحركة الوطنية التي كان يتزعمها محمّد مصدّق، وقد سُجِن مرّات عدّة ولفترات طويلة. وإن خروج شريعتي من إيران أيضاً من دون أن تعارضه الحكومة يمكن أن يكون دليلاً على رغبة السلطة في التخلّص منه عن طريق إبعاده عن البلد.

واستمر الصراف في حديثه قائلاً: شريعتي نفسه كان يتهكّم ويسخر من هؤلاء، ويعبّر عنهم في كتاب الصحراء بأنهم يخمشون بالمخالب وينقرون بالمنقار! اسمح لي أن أنقل لك مقطعاً من كتاب الصحراء يبيّن موقف شريعتي من الذين يتّهمونه بشتّى أنواع التهم، يقول شريعتي: "لا أحتاج إلى أن أبرِّئ نفسي، وحتّى لو شعرتُ بهذا الاحتياج فسأتثاقل عن تلبيته. إنني لا أهتمُّ لنفسي كثيراً ولا أبالي بنُقّادي. لذلك لم أرغب في حمل عبء الدفاع عن نفسي ضدّ حملاتهم. إن ما يمرُّ علينا وما ابتلينا به هو أكثر جدّيةً وحَيرةً مما نتوقع، فلا يمكننا أن نكون مرتاحي البال كي نهتم بالحُكم على ذا وذاك؛ أو أن نعيش معْدَمي الألم لنجزع من ركلة ناقدٍ ما ومن رفسته. فعلى أيّة حال، للكل أن يتحدث ما يشاء. فإذا أخطأ لا نلومه، وإذا قال الحقيقة لا نجادل الحق".

وحول مشاريعه القادمة للترجمة، قال الصراف: أعمل في الوقت الحاضر على ترجمة كتبٍ أخرى لعلي شريعتي، بالإضافة إلى كتب مهمّة في مجال الفكر الديني المعاصر لمفكّرين إيرانيين بارزين، ولديَّ نيّة في ترجمة التراث الصوفي والعرفاني في الأدب الفارسي إلى اللغة العربية.

وعن مكانة الأدب والثقافة الفارسية في العالم العربي، قال هذا المترجم العراقي: قال لي الناقد والأكاديمي العراقي المعروف الدكتور عبد الله إبراهيم بأن العرب يعرفون كلّ شيء عن سائر الثقافات والشعوب، وحتى عن أمريكا اللاتينية، لكنّهم لا يعرفون الشيء الكثير عن شعبيَن مجاورَين، هما الشعب الإيراني والشعب التركي. الأزمات السياسية والحروب التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط تؤثر على كل شيء، وعلى وجه الخصوص التبادل الثقافي والحوار والتعارف بين الشعوب. على الرغم من وجود مترجمين إيرانيين وعرب يعملون على نقل الأعمال الفكرية والأدبية من الفارسية للعربية ومن العربية للفارسية ولكن ما زالت حركة الترجمة بطيئة، وهناك كثير من الأمور في الثقافة الفارسية يرغب العرب في معرفتها، والإيرانيون أيضاً بحاجة إلى تعزيز حركة الترجمة من اللغة العربية.

واقترح الصراف اقتراحاً لتعزيز التبادل الثقافي بين إيران والعالم العربي فقال: لا شكّ في أن المترجمين (الايرانيون والعرب على حدّ سواء) يؤدّون الدور الرئيس في تعزيز عملية التبادل الثقافي بين الفارسية والعربية أو بين إيران والعالم العربي، ولكن تبقى هذه الجهود جهوداً فردية ما لم تساندها الأنظمة السياسية في المنطقة، فتوطيد العلاقات السياسية وحلّ الأزمات وتفعيل الدبلوماسية الثقافية والعلمية بين دول المنطقة ورسم برامج ثقافية طويلة الأمد لدى الملحقيات الثقافية في السفارات المنتشرة في العواصم العربية، كلّ ذلك يعتبر الحل الأمثل لترسيخ فكرة التعددية والتعايش السلمي في أذهان الشعوب.

رایکم
آخرالاخبار