۴۱۶مشاهدات
قبل إعلان قطع العلاقات بأسبوعين، خرج الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى بتصريحه المثير: «الجزائر لم تُخفِ في أي يوم من الأيام تضامنها مع شعب الصحراء في نصرة قضيته العادلة».
رمز الخبر: ۳۸۲۱۶
تأريخ النشر: 03 May 2018

شبکة تابناک الاخبارية: شهرٍ من أحداث الليلة الماضية، خرج المغرب علانية باتهام واضحٍ، عبر وزير الداخلية المغربي، الذي اتهم طهران بنشر المذهب الشيعي في البلاد بمساعدة رجال دين، إضافة للتغلغل الاستخباراتي وتورط إيران – بحسبه – في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المملكة المغربية، وعُرفت باسم «حراك الريف المغربي»، والتي استمرت سبعة أشهر، لكن مرت الرواية بكثيرٍ من التشكيك؛ حين تجاهل الملك اتهامات وزير داخليته، وبعدها اتضحت المعالم أكثر حين صمت المغرب رسميًا على الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران مؤخرًا، والأزمة الخليجية نفسها أعطت موقفًا واضحًا لتمسك المغرب بعلاقاته مع كلٍّ من قطر وإيران، حتى وإن التزم الحياد.

لكنّ فجأة يُعلن وزير الخارجية المغربي أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران؛ بعدما حصلت بلاده على معلومات كشفت دعمًا ماليًا ولوجستيًا وعسكريًا قدمه «حزب الله» اللبناني لجبهة «البوليساريو» المعروفة باسم «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» التي تسعى للانفصال عن المغرب – بحسبه – ليقوم المغرب بإغلاق سفارته في طهران، ثم يطرد السفير الإيراني من الرباط، وفي حين توالت ردود الأفعال العربية بين الصمت والتأييد، كانت الصُحف المغاربية تطرح خمسة أسئلة هامة، أجابت الحكومة عن بعضها، وتجاهلت الأخرى.

1- 4 دول عربية و16 أفريقية تدعم البوليساريو.. فلماذا إيران تحديدًا؟

السبب الأساسي المعلن لقطع العلاقات كان لدواعي الأمن القومي المغربي، لكنّ اللافت في الرواية أنّها ذكرت قيام حزب الله بتنسيق مع سفارة إيران في الجزائر بتقديم مساعدات لجبهة البوليساريو لتكوين قيادة عسكرية، وتدريب عناصر من الجبهة على الحرب، فضلًا عن تسليمها أسلحة، والبيان اتهم صراحة ثلاث دول: إيران، والجزائر، ولبنان. المثير أنّ هناك من يدعم الجبهة علانية تحت عِلم وبصر المغرب، ومع ذلك لم تطله المقاطعة.

قبل إعلان قطع العلاقات بأسبوعين، خرج الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى بتصريحه المثير: «الجزائر لم تُخفِ في أي يوم من الأيام تضامنها مع شعب الصحراء في نصرة قضيته العادلة».

ليست الجزائر فقط هي الدولة العربية الوحيدة التي تعترف بالجبهة علانية؛ فسوريا وموريتانيا أيضًا ضمن اللائحة. وقبل عامين ظهرت بوادر التقارب بين مصر والبوليساريو على خلفية رفع علم الدولة الصحراوية خلال جلسات البرلمان الأفريقي التي احتضنتها القاهرة، وبالرغم من تأكيد مصر عدم اعترافها بالجبهة، إلا أنّ اللقاء الذي جمع رئيسي البرلمانين المصري والصحراوي، إضافة لإطلاق الصُحف المصرية لقب أقدم الرؤساء الأفارقة على رئيسها، ثم تبادل الجانبين الزيارات الرسمية، كل هذا لم يجعل المغرب تتخذ موقفًا من الدول العربية الشقيقة، رغم أنّ الاعتراف السياسي ربما يكون في نظر العديد من المحللين أهم من الدعم بالسلاح، وإيران حتى الآن لا تعترفُ بالجبهة سياسيًا.

اللافت أنّ هناك 16 دولة أفريقية تعترفُ رسميًا بـ«دولة الصحراء»، أبرزها إثيوبيا، وجنوب السودان، وجنوب أفريقيا، وغانا، والنيجر، وأوغاندا، ورغم ذلك فالمغرب لم يقطع علاقاته بتلك الدول، والتاريخُ يُخبرنا أنّ المغرب قد تراجع عن القرار الذي اتخذه عام 1984 حين انسحب من الاتحاد الأفريقي احتجاجًا على انضمام «الجمهورية الصحراوية» للاتحاد الأفريقي، وبعد 32 عامًا قرر المغرب العودة مرة أخرى منتصف عام 2016؛ فقد كانت نتيجة العزلة أنّ الاتحاد الأفريقي كان يقوم بحملة دولية ضد المغرب، ولصالح البوليساريو، كما كان يضغط على الأمم المتحدة للتعجيل باستفتاء تقرير المصير، لذا فيبدو أنّ المغرب لن يتحمل خسائر المواجهة مرة أخرى مع تلك الدول.

لكن على جانب آخر، إن صحت الاتهامات الموجهة لإيران، يبدو للبعض أن قرار قطع العلاقات لن يكون ضارًا على المستوى العربي والأفريقي؛ فطهران ليست دولة عربية ستحرج المملكة، كما أنها ليست عضوًا في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى أنّ القرار يمكن الاستفادة منه على المستوى العربي.

2- ما الدليل على دعم إيران للبوليساريو؟

كرد فعلٍ على قرار وزير الخارجية المغربي، ردت جبهة البوليساريو على اتهامات المغرب لإيران بالتعاون معها، وفي حديثه لوكالة الأنباء الإسبانية «إيفي»، صرح المتحدث الرسمي باسم الجبهة، بأن اتهامات الرباط تندرج في إطار ما وصفه بالانتهازية السياسية الذي تسعى من خلاله للتملص من الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة – بحسبه – موضحًا أنّ البوليساريو لم تنشئ مطلقًا علاقات عسكرية، أو تتلقّ أسلحة، أو تجر اتصالات عسكرية بإيران أو حزب الله.

وبينما التزمت الجزائر الصمت، ووصفت إيران التصريحات بأنها كاذبة، اعتبر حزب الله اللبناني أنّ قرار المغرب يأتي استجابة للضغوط الامريكية والإسرائيلية للتصعيد ضده وضد إيران، تزامنًا مع الخطاب الجماهيري الذي اتهم فيه حسن نصر الله ولي العهد السعودي بأنه مُستعد لدفع المليارات لتمويل حرب في المنطقة، إلا أنّ الطرف الأهم في القصة ابتعد عن كل تلك الاتهامات، واعتبر أنّ قرار المغرب يندرج في إطار الانتهازية السياسية الذي تسعى من خلاله للتملص من الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة.

وكان المغرب قد تقدم بشكوى رسمية للأمم المتحدة، بشأن ما وصفته بتوغلات لجبهة البوليساريو في المنطقة العازلة بالصحراء الغربية. وهو الذي تزامن مع ما نشرته صحف مغربية بقيام البوليساريو بحفر أنفاق في المنطقة العازلة بمساعدة الجزائر، وبإشراف خبراء من حزب الله، إلا أنّ بعثة الأمم المتحدة رفضت شكوى المغرب؛ بدعوى عدم ملاحظتها أي تحرك لعناصر عسكرية في المنطقة الشمالية الشرقية، أي أنّ هناك اعترافًا دوليًا يدحض اتهامات الخارجية المغربية.

رواية الحكومة، حتى وإن دعمتها الأقمار الصناعية بشأن التحرك العسكري في المنطقة العازلة، إلا أنّ الاتهام بدعم سري لحزب الله لا زال يحتاج أدلة واضحة، خصوصًا أنّ بيان الخارجية لم يُجب على ذلك السؤال؛ يقول «مصطفى حفيظ»، كاتب ومدوّن جزائري لـ«ساسة بوست»: «البوليساريو جبهة كامل العضوية في الاتحاد الإفريقي، وهي تحصل على مساعدات علنية رسمية على النطاق الدولي والداخلي، فما هو الذي يجعلها وهي ذات أغلبية سُنيّة على المذهب المالكي تتعامل في الخفاء مع منظمة مشبوهة، حتى وإن كانت هناك مصالح مشتركة».

3- بعض الحوادث تقود إلى هذا الاحتمال.. هل المغرب فعل ذلك مدفوعًا برغبة دول الخليج؟

لا توجد إجابة حتمية قاطعة على ذلك السؤال، إلا أنّ الشواهد من الممكن أن تقود إلى إجابة أكثر واقعية؛ واللافت للنظر أنّ دول الخليج وعلى رأسها السعودية رحبت بقرار قطع العلاقات وتعهدت بالوقوف إلى جانب الرباط في كل ما يهدد أمنها واستقرارها ووحدتها الترابية، والفرق بين بيان الخارجية المغربية وردود الفعل العربية أثار تكهنات بالحضور العربي الضاغط في الأزمة، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية المغربية الذي نفى أن تكون بلاده اتخذته لاعتبارات إقليمية، ويبدو أنّ تصريحه لم يقضِ على الشكوك، فخرج رئيس الوزراء المغربي ليؤكد أن قرار قطع العلاقات مع إيران «مغربي خالص».

وبالعودة لحضور المغرب في القضايا الإقليمية؛ فالرباط دخلت كوسيط محايد في أزمة الخليج، ورغم أنها لم تتخذ موقفًا ضد إيران، إلا أنها شاركت بسرب طيران في التحالف العربي، ثم سحبته قبل أسبوعين، في نفس الوقت الذي أدانت فيه الصواريخ الحوثية، كل هذه المواقف المُعقدة تجعل المغرب واقفًا على مسافة واحدة من كل النزاعات، ومن كافة أطراف الصراع، حتى أنّ ملك المغرب يتشابه مع السُلطان العُماني قابوس في عدم حضور القمم العربية، والأول غائبٌ منذ 14 عامًا، إلا أنه حين يحتاج المغرب دعمًا عربيًا فإنه بالمقابل سيقدم تنازلًا بالمقابل، وهو ما يرجح البعض أنه حدث مؤخرًا.

خلال القمة العربية الأخيرة، أسقط الملك سلمان بن عبد العزيز الذي ترّأس القمة دعم ملف المغرب لتنظيم كأس العالم 2026 من الحسابات، رغم أن النقطة كانت مدرجة في جدول أعمال القمة، أيضًا ظهر منصور لعتيبي، المندوب الدائم للكويت لدى الأمم المتحدة، وهو يصرح أمام مجلس الأمن بضرورة تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير، وبالرغم من حسم الكويت الأزمة بالتزامها بموقفها الثابت بوحدة المغرب، إلا أنه بات واضحًا أنّ المغرب يحتاج للحصول على دعم علني لأزمته، ولدعمه في ملفه الرياضي.

وبعدما خذلت الأمم المتحدة المغرب بعد طلبها الذي تقدمت به ضد التحركات العسكرية للبوليساريو، أعلن رئيس الوزراء المغربي أنّ ملك المغرب أبلغ الأمم المتحدة بأنه سيبلّغ أصدقاءه من الدول العربية احتجاجًا على ما حدث في مجلس الأمن، خاصة بعدما أيدت دول أوروبية (فرنسا) بيان الأمم المتحدة الداعم للجبهة. المفارقة أنه لم تمض أيام حتى اشتعلت الأزمة بالتصعيد مع البوليساريو وحزب الله، وبقطع العلاقات مع إيران.

4- إذا كانت الاتهامات صحيحة.. لماذا استثنيت لبنان والجزائر؟

البيان الصادر عن الخارجية المغربية بشأن قطع العلاقات مع طهران ذكرت فيه دولتان عربيتان أيضًا هما لبنان ممثلة في حزب الله، والجزائر ممُثلة في سفارة إيران على أراضيها التي تقود المؤامرة – بحسب البيان – ومع ذلك فالتصعيد لم يشمل الدولتين، خاصة أنّ إحداهما حدودية مع المغرب.

وبعيدًا عن الاتهامات القائلة بأنّ المغرب كان مدفوعًا ومجذوبًا من قِبل الخليج، فإنّ عدم تصعيده المباشر مع دولة عربية يتمثل أولًا في تجنب أزمة تطغى على الأزمة الحالية، إضافة إلى أنَ الاتهامات ستُعطى الجانب الآخر، خاصة أنّ الرواية نالت جانبًا كبيرًا من التشكيك لعدم وجود أدلة واضحة، والهدف لم يكن عربيًا من الأساس، وتاريخ السياسة المغربي خالٍ من أي صدام مع أية دولة عربية بخلاف الجزائر التي لها وضعٌ خاص.

عقب قيام جبهة البوليساريو عام 1973، والتي دعت إلى تكوين دولة مستقلة عن المغرب في صحراء الجنوب، قامت الجزائر بدعم التمرد المسلح سياسيًا وعسكريًا ضد الجيش المغربي تحت دعوى حق تقرير المصير والشرعية التي كفلها مجلس الأمن، واعتبرت المغرب ذلك تآمرًا عليها، فقامت في عام 1980 ببناء جدار يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين استمر بناؤه سبع سنوات، وما زالت الجزائر إلى اليوم تدعم الجبهة من جهة وترفض دعوات المغرب للتفاوض المباشر من جهة أخرى، بزعم أنها ليست طرفًا في الأزمة.

وتسببت الحرب الباردة التي كانت أكبر آثارها سباق التسليح والتنافس على الزعامة الإقليمية في فشل كل محاولات الصلح والتطبيع، وما زالت الحدود مُغلقة بين البلدين إلى الآن منذ أكثر من 20 عامًا، على خلفية انفجار فندق بمدينة مراكش عام 1994، الذي وجّهت المغرب أصابع اتهام إلى الجزائر بالضلوع فيه، ثم فرضت تأشيرة دخول على الجزائريين، ومع ذلك، فإنّ اللقاء الأخير الذي جمع بين الوزير الأول الجزائري أحمد أبو يحيى، والملك المغربي الملك محمد السادس خلال القمة الأفريقية الأوروبية أظهر مصافحة حارة، بدت وكأنها إبقاء الأوضاع على ما هي عليه دون تصعيد، لذا التزمت الجزائر الصمت خلال الأزمة الحالية.

5- هل قطع العلاقات مع إيران يُنهي الأزمة؟

تُشكك الجبهة بأنّ القرار السياسي بقطع العلاقات مع طهران سيُعجّل بحل الأزمة لصالح المغرب، خاصة أنّ القمة العربية تجاهلت مناقشة الأزمة بسبب تعقيداتها الزمنية والسياسية، كما أنّ مجلس الأمن يتخذ موقفًا سلبيًا من المغرب في الأزمة، إضافة إلى أنَ الأمم المتحدة تعتبر الاتحاد الأفريقي طرفًا أساسيًا في الأزمة، وسبق للمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي أنّ خاطب دول العالم بالاعتراف بجمهورية الصحراء كدولة ذات سيادة، كما أنّ موقف الأمم المتحدة الحالي ليس في صالح المغرب خاصة بعد رفضه شكوى الرباط الأخيرة.

اللافت أنّ هناك دول إفريقية على رأسها إثيوبيا والجزائر تدعم الجبهة بالمال والسلاح؛ مما يعني أنّ مساعدة حزب الله للجبهة بحسب اتهام الخارجية لن يكون فاعلا ومؤثرًا بشكل جذري في الأمر.

وعلى جانب آخر فإنّ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية، تركي آل الشيخ، أثار أزمة بين البلدين قبل أسبوعين، حين صرح بأنّ المغرب لم يطلب أي دعم من المملكة لاستضافة كأس العالم في 2026، قائلا: «إذا طلب من السعودية دعم ملف مونديال 2026، ستبحث الرياض عن مصلحتها أولًا، فاللون الرمادي لم يعد مقبولًا»، وهو تصريح يُمكن تأويله بأنه جاء للضغط على المغرب من جهة، والبعض الآخر يراه عقابًا سعوديًا بسبب مواقف المغرب من بعض القضايا العربية.

رایکم
آخرالاخبار