۸۵۷مشاهدات
وفي المقابل يتوجب على الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاقية تسريع إجراءات دخول المواطنين إلى أوروبا بدون تأشيرة، وتيسير إجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإسراع الاتحاد الأوروبي في صرف 6 مليار يورو، لمساعدة الأتراك في التعامل مع أزمة اللاجئين.
رمز الخبر: ۳۷۳۶۵
تأريخ النشر: 08 January 2018

شبکة تابناک الاخبارية: قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة باريس يوم الجمعة الماضية. وحملت هذه الزيارة التي استغرقت يومًا واحدًا الكثير من الأسباب والأهداف والنتائج، وتضمنت لغة حاسمة بشأن دخول تركيا الاتحاد الأوروبي. السطور التالية تقرأ نتائج هذه الزيارة التي شهدت توطيدًا للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوافقًا بشأن بعض القضايا الإقليمية؛ بالأخص مع توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

1- «قُضي الأمر».. تركيا لن تنضم للاتحاد الأوروبي

تُعد أحد أهم النتائج الرئيسة للزيارة، حسم مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بشكل كبير، ذلك الملف المتجدد الذي شهد مفاوضات ماراثونية بين أنقرة وبروكسل، تضمنت اتفاقية وُقِّعت بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016، وتنص على: «إعادة كل المهاجرين غير النظاميين، الواصلين إلى اليونان عن طريق تركيا، إلى تركيا مرة أخرى، بينما تعيد أنقرة المهاجرين «غير السوريين» إلى أراضيهم، وتوطن السوريين منهم في أراضيها، على أن ترسل كل لاجئ سوريٍّ مسجل لديها إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل توطين كل لاجئ سوري عائد من اليونان فيها، ويتكفل الاتحاد الأوروبي بتكاليف عملية التبادل، وإعادة القبول».

وفي المقابل يتوجب على الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاقية تسريع إجراءات دخول المواطنين إلى أوروبا بدون تأشيرة، وتيسير إجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإسراع الاتحاد الأوروبي في صرف 6 مليار يورو، لمساعدة الأتراك في التعامل مع أزمة اللاجئين.

ومع اقتراب المفاوضات من الوصول إلى نتائج مثمرة، توترت العلاقات التركية الأوروبية مرة أخرى؛ بعد الإجراءات التي اتخذتها أنقرة إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016، ضد من اتهمتهم بالمشاركة فيها، وتضمنت فصل نحو 140 ألف شخص عن وظائفهم واعتقال 55 ألفًا آخرين، وأدت تلك الحملة لوقف مفاوضات دخول تركيا للاتحاد الأوروبي.

تركيا سئمت الانتظار على أبواب الاتحاد الأوروبي

لتظل تركيا في انتظار تحديد مصيرها المجهول بشأن الاتحاد الأوروبي، قبل أن يؤكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره التركي في الزيارة الأخيرة بلغة واضحة وصريحة بأنه «حان الوقت كي نضع حدًا للنفاق في التظاهر بأن ثمة إمكانية لتحقيق تقدم في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي… ففيما يتعلق بقضية الانضمام؛ فإنه من الواضح أن التطورات والخيارات الأخيرة لا تسمح بأي تقدم في العملية التي نشارك فيها».

2- تركيا «تتعايش» مع أوروبا بعيدًا عن «الاتحاد الأوروبي»

لم يوبخ أردوغان نظيره ماكرون على كلماته الحاسمة، بل بدا أنه لم يتفاجًا كثيرًا بها، وعلق على ملف الاتحاد الأوروبي خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيره ماكرون، قائلًا: «جعلوا تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي طيلة 54 عامًا، وأقولها من هنا، من فرنسا، لسنا بصدد المطالبة المستمرة بالانضمام… عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باتت مُرهقة جدًا لنا ولشعبنا». في لغة تركية تشي بـ«سأم» قد تسرب إلى الوجدان التركي، مع تعطيل بروكسيل للمفاوضات، ويتسق هذا التعليق مع تصريح سابق لأردوغان تعود إلى يوليو 2017، قال فيه: الاتحاد الأوروبي يضيع وقت تركيا، تركيا «سترتاح إذا ما خلص الاتحاد الأوروبي بعدم قبول عضويتها، وستبادر إلى تطبيق الخطة باء أو تاء».

وحاول ماكرون، التمهيد لـ«شراكة» تركية أوروبية بعيدًا عن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، عندما استدرك بعد كلماته الحاسمة، وقال: إنه «من المهم الحفاظ على العلاقة مع أنقرة قريبة، وربما تكون هذه هي اللحظة المناسبة للسعي لخيار آخر غير العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، مثل الشراكة التي قد تربط الشعب التركي بأوروبا»، ويبدو من لغة أردوغان أن بلاده ستقبل بالأمر الواقع، وتسعى للتعاون المشترك مع أوروبا، وإرجاء الحديث عن ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي. إذ ظهر ذلك أيضًا خلال زيارة وزير الخارجية التركي لنظيره الألماني في برلين، والتي تضمنت تعهدًا من البلدين بـ«تجاوز الخلافات».

إذ جاءت هذه الزيارة بعد تأكيد وزير الخارجية الألماني، سيجمر جابريال، بأنه لا يرى إمكانية لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي «في الأجل القريب»، لافتًا إلى أن أنقرة يمكنها «الاستفادة من علاقات تعاون أوثق في المجالات المطلوبة»، وإمكانية تقريب الاتحاد الجمركي مع تركيا، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاتحاد الأوروبي أكبر متعامل تجاري مع تركيا، بتعاملات تتعدي 145 مليار يورو، وساعد على ذلك اتفاقات الاتحاد الجمركي بين تركيا وبروكسل، هذه التعاملات المليارية الضخمة، التي لا بد وأن تسعى تركيا إلى الحفاظ عليها وتقويتها، حتى وإن تأجلت قضية انضمامها للاتحاد الأوروبي.

3- «توتر» العلاقات مع أمريكا.. يخلق «توازنًا» مع أوروبا

لا ينفصل التقارب التركي نحو أوروبا بزيارة فرنسا وألمانيا خلال الأيام القلية الماضية عن توتر أصاب العلاقات التركية الأمريكية، نتيجة عدد من القضايا المثيرة للجدل، والتي تسببت في تصعيد الخلافات بين البلدين، وبالأخص قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والذي رفضت تركيا مرارًا وتكرارًا الاعتراف به، واعتبرت أن «أمريكا شريكة في دماء من قُتلوا أثناء المظاهرات التي شهدتها الأراضي المحتلة؛ بسبب قرارها بشأن القدس».

وكانت تركيا قد دعت في المقابل للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، واستمر السجال التركي الأمريكي في الأمم المتحدة برفض تركيا استخدام أمريكا حق «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن الرافض لخطوة ترامب، ومعارضة تركيا لقرار ترامب في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى الجانب الآخر، جاء موقف دول الاتحاد الأوروبي ضد قرار ترامب، وصوتوا ضده في مجلس الأمن وجمعية الأمم المتحدة؛ الأمر الذي جعل أردوغان يمتدح في زيارته إلى باريس قادة دول الاتحاد الأوروبي بقوله: «لم يخذلونا في هذه القضية… سنواصل التشاور الوثيق مع فرنسا بخصوص الخطوات الممكن اتخاذها بشأن قضية القدس».

وتمتد الخلافات التركية الأمريكية إلى ملفات شائكة ومباشرة بين البلدين، تتضمن رفض أمريكا تسليم فتح الله جولن الذي تعتبره تركيا مدبرًا لمحاولة الانقلاب، ذلك بالإضافة إلى اتهام وزارة العدل الأمريكية للمصرفي التركي، «هاكان أتيلا»، النائب السابق لرئيس بنك «خلق» التركي، بالضلوع في عمليات مصرفية خرقت العقوبات المفروضة على إيران، وهي قضية لا تنفصل عن أمر «جولن» كثيرًا؛ إذ يعتبرها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم «تهدف لإدانة تركيا عبر قضاة متصلين بمنظمة جولن وتستند إلى ملفات ومعلومات كاذبة تقدمها تلك المنظمة»، وذلك بحسب تصريحات يلدريم التي أدلى بها أمس السبت.

وتعتمد تركيا على ما يمكن تسميته بمبدأ «التوازن» في علاقتها مع الغرب، فتتقرب أكثر مع دول أوروبا أو روسيا أحيانًا عندما توتر علاقتها مع أمريكا؛ لتنبيه أمريكا بوجود بديل دائم؛ وهو شيء يبدو أن أمريكا تنبهت له خلال الأيام الماضية، من خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أمس السبت مع نظيره التركي مولود جاويش أوجلو، بحسب وكالة الأناضول الرسمية التركية، التي أفادت أن المصادر الدبلوماسية التي كشفت عن الاتصال، لم تفصح عن فحوى المعلومات الواردة فيه.

4- توطيد التعاون الاقتصادي والعسكري

تضمنت زيارة أردوغان لفرنسا عددًا من الأهداف الاقتصادية والعسكرية؛ إذ يجمع بين أنقرة وباريس رصيد ضخم من التبادل التجاري الذي وصل عام 2016 إلى 13.5مليار يورو، وفي هذا الصدد قال أردوغان: إن بلاده تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري مع فرنسا؛ ليصل إلى 20 مليار يورو.

وحاول أردوغان الترويج للاستثمار الفرنسي في تركيا، معتبرًا تركيا من أكثر البلاد «تشجيعًا للاستثمار في العالم»، ومركزًا «جذابًا جدًا» لاستثمار رجال الأعمال الفرنسيين، وقال: إن اقتصاد بلاده سجل رقمًا قياسيًا في الربع الثالث من 2017 بتسجيله نموًا بلغ 11%، لافتًا إلى أن فرنسا تأتي في المرتبة السابعة دوليًا في العلاقات التجارية مع تركيا، وأن اقتصاد فرنسا يحتل المرتبة الثانية أوروبيًا والخامسة دوليًا، في حين يحتل الاقتصاد التركي المرتبة الخامسة أوروبيًا، والثالثة عشر دوليًا، من حيث القدرة الشرائية.

وعسكريًا، أبرم الحليفان في التحالف الأطلسي اتفاقية تصنيع نظام صاروخي، بين مجمع «يوروسام» الفرنسي الإيطالي وشركتين تركيتين؛ لدعم تركيا في تطوير برنامجها الصاروخي.

5- مكافحة الإرهاب وتوافق في قضايا الشرق الأوسط

الخطوات التي خطوناها مع ماكرون فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية كانت كلها في الاتجاه الصحيح

هذا ما قاله أردوغان خلال لقاء أجراه مع قناة فرنسية أثناء زيارته لباريس. فبالإضافة إلى توافق بشأن رفض قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تأتي قضية احتجاجات إيران، التي ظهر التوافق التركي الفرنسي فيها برفض التدخلات الخارجية في الشأن الإيراني، على عكس أمريكا التي أبدت دعمها للاحتجاجات هناك، ورغبة ترامب العلنية في تغيير النظام الإيراني.

أما فيما يتعلق بالأزمة السورية، فتُفضل فرنسا أن تتجه تركيا أكثر نحو محاولة إيجاد حل للأزمة السورية عن طريق المسار الذي بدأته الأمم المتحدة، باعتبار أن بإمكانه توفير حل دائم في المنطقة، وليس من خلال مباحثات أستانة التي ترعاها تركيا وروسيا وإيران بين النظام والمعارضة، وتنتظر عقد اجتماع نهاية الشهر الجاري في مدينة سوتشي.

وتأمل فرنسا. أيضًا أن يجري تعاون بينها وبين تركيا لقطع الطريق على مقاتلي «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، الذين قد يفرون من سوريا إلى فرنسا أو أوروبا، وخاصًة أن فرنسا من أكثر دول أوروبا التي تعرّضت لهجمات دموية خلال السنين القليلة الماضية.

وحدات الشعب الكردية في سوريا التي يعتبرها أردوغان إرهابية

وفي هذا الصدد، أبدى أردوغان استعداده لـ«توفير أي نوع من الدعم للدول التي تتعاون في مكافحة الإرهاب»، وتابع أردوغان قوله، بأن لدينا تعاونًا مع فرنسا لمكافحة «داعش»، في بلادنا وعلى حدودنا. فيما أكد أيضًا أن مكافحة الإرهاب لا تعني مكافحة «داعش» فقط، وإنما أيضًا مكافحة وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وحزب العمال الكردستاني، تلك الجماعات التي لا ترى تركيا فرقًا بينها وبين «داعش»؛ وشدد أردوغان في زيارته على ضرورة مكافحتهما «بشكل مماثل لداعش»، وضرورة دعم أصدقاء تركيا في مكافحتهم، معربًا عن أسفه لدعم أمريكا للجماعات الكردية في احتجاجات تركيا، لفت النظر أيضًا إلى ضرورة مكافحة فرنسا لجماعة جولن التي تأخذ طابعًا مؤسساتيًا في فرنسا.

احمد عمارة

رایکم