شبکة تابناک الاخبارية: اكتساح واحتلال الحدباء لم يكن وليد صدفة أو تغافل من قبل الحكومة العراقية بل له جذور ثقافية نمت وترعرعت في الوسط الموصلي مع كل الأسى والأسف يعود إلى حقبة حكم الطاغية المقبور صدام.
إن احتضان البعض في الموصل لمجموعات "داعش" ورميهم الجيش العراقي بالحجارة وقتلهم إخوانهم من أبناء القوات المسلحة قبل أن تعلن دولة الخرافة (الخلافة) انطلاقتها والذي شاهدناه عبر الكثير من الفضائيات خير دليل على إنه كانت هناك مواطن وموطئ قدم قد خطط لها منذ سنوات طويلة لهذه المؤامرة ساعد في تنفيذها رؤساء عشائر ومسؤولين عراقين كبار وفي مقدمتهم محافظة نينوى اثيل النجيفي. أننا لسنا بصدد الخوض في أسباب كل ما جرى ولكن بغية وقوف القارئ على الحقيقة كان لابد من التطرق لأسباب ما حصل باختصار.
وحول الآثار السلبية لاحتلال نينوى من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي من الجانب الثقافي، لابد من القول أن كل الأجرام الذي اقدم عليه التنظيم من قتل وسلب وسبي ونحر وتفجير وتفخيخ ودمار شمل الحجر والبشر على حد سواء منذ لحظة خطبة أبو بكر البغدادي في الجامع النوري قد الحق الكثير من الأضرار في تراث العراق وماضيه القديم وحضارته العريقة التي تضاهي أعرق الحضارات العالمية. كل ذلك لابد له من تأثير سلبي كبير ليس على تاريخ المدينة والعراق فحسب بل على أبناء المدينة بمختلف أعراقهم واديانهم ومذاهبهم وصفو تعايشهم السلمي الذي كانت تعيشه المدينة لمئات سنين خلت.
أما بخصوص الأضرار الثقافية التي لحقت بالحدباء وأهلها جراء إجرام داعش، لابد من القول أنه لا يمكن حصر ذلك على الجانب التراثي فقط رغم أن تخريب التراث الثقافي هو بحد ذاته مأساة إنسانية كبيرة غير قابلة للتعويض. لكن الأهم والأخطر أنه بافعالهم الشنيعة واجرامهم الدموي بحلة الدين قد استهدفوا التعايش السلمي الذي كان قائما بين ابناء الموصل من مسلمين ومسيحيين وايزديين وعرب واكراد وتركمان وسنة وشيعة وغيرهم من القوميات والديانات الأخرى حيث من المستبعد جدا أن تعود تلك اللحمة الى سابقتها خاصة بسبب الخيانات الداخلية التي حصلت من قبل بعض أبناء المدينة الذين تعاونوا مع الدواعش ضد الآخرين.
من الطبيعي أن يكون هناك تبعات وتأثيرات سلبية على ما قام به تنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات الثلاث التي احتل بها الموصل وما قام به من دمار وأحزان باسم الشريعة السمحاء والتي لا تنم أفعاله وأفكاره أدنى صلة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. فقد دعم باسلوبه الاجرامي على مختلف المستويات فكرة صراع الحضارات الأميركي فوكوياما القائمة على أسس الاسلاموفوبيا وإرهاب اتباع سائر الأديان من الإسلام دين الرحمة والمودة والمحبة في الموصل وخارجها وحتى في خارج منطقة الشرق الأوسط .
من الصعب جدا يمكن رأب الصدع الذي قام بين أبناء المدينة الواحدة من حيث الزمان وكذا ينطبق على التراث الحضاري لمنطقة نينوى برمته حيث الدمار الذي لحق به ليس بالشيء الهين الذي يمكن استعادته فهو بحاجة إلى خبراء دوليين وميزانية لا أعتقد بإمكان العراق لوحده تحملها حيث من الضروري أن تكون هناك مساعدات دولية كبيرة لبغداد في هذا الإطار. كما من الضروري لعلماء الدين المفكرين الإسلاميين العمل وبالتعاون مع قادة سائر الأديان على بث روح المحبة والتآخي والتعايش السلمي من جديد بين أبناء الموصل أولا ومن ثم سائر مناطق العراق وسوريا والمنطقة وهذا بحاجة ماسة الى عمل دؤوب ومتواصل ولسنوات عديدة.
من الطبيعي ان تنتج ظاهرة الإرهاب التكفيري تبعات سلبية على المجتمع الذي عاناه من قريب وعاش مأساته لسنوات فقد خلالها. أعز أبنائه وابائه وأهله وما يملك بمسمى ديني مزيف ما يدفعه لحمل الضغينة والحقد والكراهية في قلبه الدين الإسلامي الحنيف دين المحبة والمودة والرأفة وعمل الخير وهذا ما سيفقد المجتمع حالة التعايش السلمي الذي كان عليه لآلاف السنين بين مختلف القوميات والأديان والثقافات. فمن المستبعد أن يرضى المسيحي بهذه السهولة بعد أن يجاور المسلم وكذا الشيعي مع السني والعربي مع الكردي والايزدي والتركماني مع غير أبناء طائفته وحتى مذهبه ما سيشكل عقبة كأداء أمام نسيج المجتمع العراقي كما كان عليه سابقا.
أننا اليوم بعد هذه الدماء وتمزّق النسيج الإجتماعي، بحاجة ماسة الى إعادة بناء وإصلاح النسيج العراقي الممزّق، وبحاجة الى إعادة إعمار، ومعالجة ما ستخلّفه الحرب على الارهاب الداعشي التكفيري وما خلّفته فعلاً من جروح في المجتمع، وهذا هو الأهم.