۲۲۵۹مشاهدات
رمز الخبر: ۳۶۰۲۶
تأريخ النشر: 26 August 2017
شبکة تابناک الاخبارية: انسجام ثم تبدل الثورات و تفجر الخلاف المشروع الاماراتی الوظیفی الاصطفاف الخلیجی و تبعاته .

طارق نافع المطیری کاتب و باحث کویتی قد عالج فی المقال التالی الی تطورات الخلیج الفارسی نقراها معا ؛

لا ابالغ اذا عدت بالازمة الخلیجیة الحالیة الی فترة نشاة الانظمة السیاسیة بشکلها الحالی کدول في منطقة الخليج العربي؛ فقد وُلدت الكيانات السياسية في الخليج العربي من رحم السياسة البريطانية التي كانت تسيطر على المنطقة. وكانت قيادات الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج -نتيجة لوحدة ظروف الولادة والأم المشتركة (بريطانيا)- ذات عقليات منسجمة ومتقاربة التجربة والممارسة والعمر، وكانت الاعتبارات الاجتماعية ذات الأثر الأكبر في السلوك السياسي لتلك الأنظمة، وتلقى استجابة شعبية كبيرة في ظل غياب دولة المؤسسات والنظام الديمقراطي في ذلك الوقت.

انسجامٌ ثم تبدل
في ظل هذا التقارب في ظروف النشأة وتلك البدائية في إدارة الكيانات السياسية؛ لم تظهر أي اختلافات سياسية جذرية في المنطقة، بالإضافة إلى أن الواقع الإقليمي والدولي ساهم في جعل الأنظمة الخليجية آنذاك أكثر تماهيا فيما بينها، وتمثّل ذلك التقارب في إنشاء منظومة "دول مجلس التعاون الخليجي” في مايو/أيار 1981، وإن كان تأسيسها جاء بدواع أمنيّة إقليمية أعقبت الثورة الإيرانية 1979.

"وكانت قيادات الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج -نتيجة لوحدة ظروف الولادة والأم المشتركة (بريطانيا)- ذات عقليات منسجمة ومتقاربة التجربة والممارسة والعمر، وكانت الاعتبارات الاجتماعية ذات الأثر الأكبر في السلوك السياسي لتلك الأنظمة، وتلقى استجابة شعبية كبيرة في ظل غياب دولة المؤسسات والنظام الديمقراطي في ذلك الوقت”

لكن في عام 1995 -وبشكل مفاجئ يتّفق مع طبيعة تولّي ولي عهد قطر آنذاك الأمير حمد بن خليفة آل ثاني السلطة بطريقة غير معتادة في دول الخليج الحديثة- طُرحت في دول الخليج العربية الست مسألتان كانتا غاية في الحساسية: الأولى مسألة تداول السلطة وآلياتها في بيوت العوائل الحاكمة في هذه الدول الحديثة.

وأما الثانية فكانت مسألة غير معتادة أو نادرة وظهرت بشكل متسارع في قطر ألا هي مسألة "مشروع الدولة”، بمعنى الخروج بالدولة القُطرية في الخليج العربي من كونها دولة "رعاية” لشعبها فقط ممتثلة للنظام العالمي الذي وُلدت فيه، إلى دولة فاعلة أو على الأقل باحثة عن الفاعلية في هذا النظام الدولي.

العقلية الجديدة في إدارة الحكم بدولة قطر كانت صادمة للمنطقة وأسرع من قدرة بقية قادة المنطقة على التفهم والإدراك، فلم تفق المنطقة من طريقة تولي السلطة في قطر حتى أعقبها فتح خط للتعامل مع الكيان الصهيوني (إسرائيل)، ثم إنشاء صوت إخباري عالٍ في المنطقة وغير تقليدي تمثّل في قناة الجزيرة (عام 1996) التي تتلقّى دعما مباشرا من رأس الدولة.

وبعيدا عن الحكم على صواب أم خطأ ذلك السلوك المختلف لقطر؛ فإنه بلا شك كان سلوكا خارجا عن الخط التقليدي لأنظمة الحكم في دول الخليج العربي.

لقد عبّرت أنظمة خليجية عن رأيها في هذا الاختلاف بطريقة تقليدية، فكان أول "إبداء للرأي” من تلك الأنظمة هو محاولة الانقلاب في قطر على القيادة الشابة الجديدة 1996، وذلك بحسب حديث لرئيس جريدة "العرب” القطرية عبد الله العذبة على قناة الجزيرة في 11 يونيو/حزيران 2017، ثم بمحاولات احتواء طويلة اصطدمت بقوّة بجدار الثورة العربية التي انطلقت أواخر 2010.

الثورات وتفجر الخلاف
ظهر الاختلاف بين الدول الخليجية تجاه الثورة العربية بأشكال مختلفة، بدءا من الخطاب السياسي والإعلامي ومرورا بالدعم المالي واللوجستي ووصولا إلى التدخل العسكري المباشر؛ فكان ردّ بعض أنظمة الخليج على هذا الاختلاف متشنجّا جدا وغير متوقّع.

وتمثّل هذا الرد فيما عُرف بأزمة "سحب السفراء” 2014، ثم في الأزمة الأخيرة (2017) التي قُطعت فيها العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وقادتها الدول الخليجية الثلاث (الإمارات والسعودية والبحرين) ومعها مصر الملحقة بالسياسة الخليجية مؤخّرا.

تعتقد قطر أن وجودها في خطر إذا ما استمرت موازين القوى في الإقليم بهذه الحال، فوجودها في المنتصف بين إيران والسعودية سيجعلها إذا نشبت أي حرب جبهة مشتعلة، وستجد كل منهما (إيران والسعودية) مبررات للتدخل بأي شكل في قطر كخط جبهة متقدم، هذا في سيناريو الحرب وهو سيناريو بعيد ولكنه محتمل.

أو ربما تكون الخطورة على قطر من تدخّل السعودية في شأنها كما حدث أكثر من مرة، وقد يصل القلق القطري من توقع تدخل عسكري سعودي تحت أي مبرر. وفي المحصلة؛ لا تشعر قطر بالأمان في ظل ظروف المنطقة وموازين القوى فيها، وكانت الأزمة الخليجية الأخيرة نموذجا حيًّا للسيناريو الذي كانت قطر تخشاه وتستعد له.

لقد كانت الثورة العربية فرصة قطر في عقد تحالف مع قوة عربية كبيرة "سنّية” متمثّلة في مصر تحت حكم قوى ديمقراطية مختلفة عن المنظومة العربية السائدة، قوة مستقلة قادرة على اتخاذ مواقف صلبة في وجه أي تغيير بالمنطقة، بمعنى قوة عربية سنيّة تستطيع أن تحقق التوازن مع السعودية التي تشعر قطر حيالها بالخطر، وهذا ما يفسّر وجود "قاعدة العديد” على الطريق الواصل بين الحدود مع السعودية والعاصمة الدوحة.

وفي الجهة الأخرى أقامت قطر علاقات إستراتيجية مع قوة إسلامية "سنّية” تحقق توازنا مع إيران "الشيعية”، وبذلك تكون قطر قد حققت ضمانات مهمة وليست بالقليلة من خلال ذلك التغيير المتوقع في موازين القوى الإقليمية.

بل إن قطر استخدمت قوتها العسكرية "غير الناعمة” في تحقيق إستراتيجيتها حين سمحت الظروف لها، ومثال ذلك تدخلها عسكريا تحت مظلة حلف الناتو في الثورة الليبية ضد نظام معمّر القذافي، بحسب تصريح لرئيس الأركان القطرية آنذاك على هامش اجتماع "لجنة الأصدقاء لدعم ليبيا” في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2011، حيث قال: "لقد أشرفت قطر على خطط الثوّار على الأرض، لقد كنّا بينهم بالمئات وكنّا حلقة الوصل بين الثوّار وحلف الناتو”.

إن هذه الإستراتيجية القطرية جعلت قطر تتبنى مشروعا يحقق لها الاستقرار والضمانات الكافية، ولذلك -وكما سنرى- فإن المشروع المقابل -وهو "مشروع الإمارات”- يقوم على نقيض المشروع القطري.

المشروع الإماراتي الوظيفي
إمارة أبو ظبي كانت لها وجهة نظر أخرى للمنطقة يتبنّاها ولي عهدها محمّد بن زايد الذي كانت الحالة الصحيّة المعتلّة لأخيه الأكبر رئيس الدولة خليفة بن زايد فرصة لتصدّره المشهد، بالإضافة لغياب المنافسة الداخلية خاصة بعد تراجع دور إمارة دبي نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية 2008.

"ظهر الاختلاف بين الدول الخليجية تجاه الثورة العربية بأشكال مختلفة، بدءاً من الخطاب السياسي والإعلامي ومرورا بالدعم المالي واللوجستي ووصولا إلى التدخل العسكري المباشر؛ فكان ردّ بعض أنظمة الخليج على هذا الاختلاف متشنجّا جدا وغير متوقّع. وتمثّل هذا الرد فيما عُرف بأزمة "سحب السفراء” 2014، ثم في الأزمة الأخيرة 2017″

ترى الإمارات أن منطقة الخليج العربي -والمنطقة العربية عموما- قد بُنيت وفق إرادة قوى عظمى لا تزال تقود العالم ولا يزال نفوذها في منطقتنا كبيرا ورئيسيا، وبالتالي فغن السير في ركاب تلك القوى العالمية واتباع سياساتها في المنطقة كفيل باستمرار المنطقة والنظام السياسي فيها.

فكان مشروع الإمارات يقوم على فكرة القيام بالدور الذي تريده القوى الكبرى وتحقيق مصالحها في المنطقة، مما سيجعل تلك القوى تحافظ على أنظمتها السياسية وتوازن القوى فيها من أجل استمرار مصالحها.

وقد استخدمت الإمارات في سبيل ذلك إستراتيجية القوى الناعمة أيضا -كما فعلت قطر- عبر استضافتها لقناة "العربية” السعودية، وكذلك عقدها شراكة بين شركة أبو ظبي للاستثمار الإعلامي وشركة "سكاي” (skynews) البريطانية، أنتجت مؤسسة إخبارية متعددة المنصات تنطلق من أبو ظبي هي "سكاي نيوز عربية”، وأيضا استضافت "سي أن أن عربية” وغيرها.

كما استخدمت صناديقَها السيادية في الاستثمارات الخارجية المختلفة، وخاصة المجال الرياضي عبر شراء بعض الأندية الأوروبية، وأيضا ظهر النشاط الإماراتي في بعض الدول الغربية وأميركا عبر النشاط في مراكز الدراسات والنخبة السياسية الغربية، وقد ظهر جانب من ذلك في مراسلات سفير الإمارات في أميركا يوسف العتيبة.

أما القوى غير الناعمة فكانت عبر التعاقد مع عدد من الشركات الأمنية "القتالية” العابرة للحدود مثل شركة "بلاك ووتر” (Black water) السيّئة السمعة والمتورّطة في عدد من الجرائم الوحشية. وذلك بحسب تصريحات رسمية نقلتها وكالة الأنباء الإماراتية -في 16 مايو/أيار 2011- دفاعا عن الموقف الإماراتي في استخدام تلك الشركات، بعد نشر تقرير عنها في صحيفة نيويورك تايمز قالت فيه إن قيمة بعض تلك التعاقدات بلغت 529 مليون دولار.

كما أنشأت دولة الإمارات قواعد ومطارات عسكرية خارج الأراضي الإماراتية، مثل القاعدة العسكرية الإماراتية في مدينة بربرة بـ”جمهورية أرض الصومال” على ساحل خليج عدن.

بل حاولت الإمارات عبر قواها "غير الناعمة” استهداف نظام الحكم في سلطنة عُمان (بحسب وكالة الأنباء العمانية الرسمية بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 2011)، بإنشاء خلية تابعة للإمارات في عُمان هدفها قلب نظام حكمها.

هذا إضافة لدعم الأنظمة التي كانت قبل الثورة العربية وتثبيتها وإعادة إنتاجها كما في مصر عبد الفتاح السيسي وليبيا خليفة حفتر وفلول زين العابدين بن علي في تونس وعلي عبد الله صالح باليمن وابنه أحمد المستضاف في الإمارات.

الاصطفاف الخليجي وتبعاته
في ظل وجود مشروعين واضحين بمنطقة الخليج هما "المشروع القطري” و”المشروع الإماراتي”، وفي ظل طبيعة المشروعين المتناقضين وحالة الاستقطاب بينهما؛ انقسمت الأنظمة الخليجية الأربعة الباقية إلى موقفين رئيسيين:

الأول موقف منحاز للمشروع الإماراتي، وقد اختارت السعودية هذا الموقف وتبعتها فيه -بطبيعة الحال- البحرين، التي أصبحت سياساتها "منسجمة” مع السياسة السعودية خاصة بعد أحداث البحرين إبّان الثورة العربية 2011، والتدخل السعودي العسكري فيها لتثبيت نظام الحكم وحمايته.

"الموقف السعودي في الانحياز للإمارات كان متوقعا وطبيعيا، ففي فترة حكم ملكها الراحل عبد الله بن عبد العزيز كان صوت السياسة الإماراتية موجودا بقوة في الديوان الملكي السعودي، عبر الانحياز الأيديولوجي للعاملين فيه ضد كل ما يشير لحركات "الإسلام السياسي”. وهو الموقف الذي تتبناه بقوّة دولة الإمارات ضد تلك الحركات الإسلامية وخاصة "الإخوان المسلمين””

إن الموقف السعودي في الانحياز للإمارات كان متوقعا وطبيعيا، ففي فترة حكم ملكها الراحل عبد الله بن عبد العزيز كان صوت السياسة الإماراتية موجودا بقوة في الديوان الملكي السعودي، عبر الانحياز الأيديولوجي للعاملين فيه ضد كل ما يشير لحركات "الإسلام السياسي”.

وهو الموقف الذي تتبناه بقوّة دولة الإمارات ضد تلك الحركات الإسلامية وخاصة "الإخوان المسلمين”، كما أن الإمارات عبر قواها الناعمة تشابكت مع القوى الناعمة السعودية وخاصة الإعلامية منها، حيث تستضيف مقرّات مؤسساتها على أرضها مثل قناة "العربية” ومجموعة "MBC”.

بعد عهد الملك عبد الله وقدوم عهد الملك سلمان بن عبد العزيز أصبحت السعودية أكثر انسجاما مع السياسات الإماراتية، وذلك من خلال محمد بن سلمان الذي أصبح وليا للعهد، ولا يُخفي إعجابه بالنموذج الإماراتي وعلاقاته الشخصية بولي عهد أبو ظبي محمّد بن زايد، حتى إن نيويورك تايمز وصفت تلك العلاقة بأنها أشبه بعلاقة التلميذ بأستاذه.

وبكل هذا التشابك في العلاقات ووجهات النظر بين الإمارات والسعودية -وبالتبعية البحرين- انقسم الموقف الخليجي، وكانت الثورة العربية هي مفترق الطرق بين قطر و”الحلف الإماراتي” في الخليج.

أما عُمان والكويت فقد اختارتا عدم الانحياز لأي من الطرفين لأسباب عدّة متعلّقة بكل بلد، أهمها أن نمط القيادة في عُمان والكويت ما زال ينتمي للنمط التقليدي المتّسم بثقل الحركة والاتزان والبعد عن المغامرات، وهي الصفات التي كان "الحلف الإماراتي” قد تحرر منها إلى حد بعيد بسبب عامل العمر وانتقال السلطة في دوله، وكذلك الجانب القطري.

كما أن السلوك السياسي لعُمان تقليديا كان بعيدا عن التجاذبات أو حتى التدخل في سياسات الدول الأخرى، وكذلك سياسة الكويت خاصة بعد الغزو العراقي الغاشم عليها وتحررها منه، إذ انكفأت السياسة الخارجة الكويتية وانشغلت بداخلها عكس نشاطها الملحوظ قبل الغزو العراقي.

من الواضح أن ما حدث في الأزمة الخليجية وما صاحبها من إجراءات وخطاب سياسي بين الأطراف؛ قد خلق قواعد جديدة في منظومة التعاطي السياسي فيما بين الدول الخليجية؛ خاصة فيما بين قطر و”الحلف الإماراتي”.

وتقوم هذه القواعد الجديدة على أساس المفارقة والتباين وانكشاف النوايا بين الفريقين، واتضاح الطبيعة المتناقضة لمشروعيهما في منطقة الخليج التي تقترب في صورتها الحالية من "المعادلة الصفرية”.

أي أن الحال في منطقة الخليج لن يستوعب وجود المشروعين المتناقضين متجاورين، فلا بد من حدوث أحد أمرين: الأول أن يتنازل أحد الطرفين عن مشروعه واستثمارات السنين لصالح الطرف الآخر بتبدّل في القناعات أو تراجع عن الرؤية والمشروع، والثاني أن يضطر أحدهما إلى الاستسلام للآخر تحت وقع الهزيمة المحقّقة.

النهایة
رایکم
آخرالاخبار