۲۲۰۲مشاهدات
وفي تاريخ 1 مايو 2005 اعتصم أهالي المعامير والقرى المجاورة مرة أخرى وهم يرفعون الأكفان، مطالبين بتشكيل لجنة مستقلة للكشف عن حقيقة التلوث في قريتهم والتحقق من مصادر التسرب. إذا القضية ليست وليدة الساعة حتى نبررها بأنها فيروس وبائي أو انقلاب حراري أو غيرها من المبررات التي قد تكون (إذا صحت) ظروف مصاحبة للمشكلة.
رمز الخبر: ۳۵۱
تأريخ النشر: 12 August 2010
شبکة تابناک الأخبارية: عادت قضية قرية المعامير من جديد في البحرين. ناشط بيئي أكد عودة انبعاث السامات الغازة من المصانع الملتصقة. والمعارضة انتجت فيلما عن مأساة المعامير واحتوى الفيلم على مشاهد تقشعر لها الابدان لبعض المشوهين. طبعا الفيلم يخلو من وجهة النظر الحكومية لكن يبقى من المؤكد ان هناك ماساة اسمها المعامير لا تعيرها الصحافة أو مؤسسات حقوق الانسان ومنظات البيئة أي شأن أو اهتمام.

وذكر الناشط البيئي بقرية المعامير جاسم حسين في حديثه لبرنامج "شئون بلدية" أن "الغازات كانت موجودة ومازالت، لكنها كانت متزايدة خلال الأيام القليلة الماضية، فهي تتراوح بين المد والجزر بفعل اتجاه الرياح، فعند هبوب الرياح الشمالية والشرقية، تنقل تلك الغازات المنبعثة من المصانع بصورة كثيفة للمعامير والقرى الاخرى المحيطة".

واضاف حسين: المصانع والشركات المتسببة في ذلك ليس مجهولة والجميع أصبح يدركها، فمصدرها بالدرجة الأولى هي مصفاة شركة نفط البحرين "بابكو"، والبروكيماويات، و"ألبا"، بالإضافة إلى بعض المصانع والشركات الموجودة في المنطقة نفسها.

هذا كله بسبب عدم وجود القوانين أو التشريعات البيئة التي تلزم هذه الشركات والمصانع بحماية البيئة والحفاظ عليها، فضلاً عن تعطل جانب الردع والعقوبة. ولذلك لا توجد أي اهتمامات فعلية لدى هذه المصانع والشركات تجاه المواطنين قبل البيئة. وخصوصاً أن المعامير مرت بأزمة خلال شهر فبراير/ .... الماضي وأدرك الجميع مدى خطورة الوضع.

واضاف حسين انتابنا نوعاً من الإحباط، فطوال 10 أعوام ماضية كانت مشكلتنا تظهر يومياً ضمن العناوين الأولى بالصحف المحلية ويتداولها الرأي العام. لكن الموضوع أصبح لا يجذب انتباه الناس لأنه أصبح اعتيادي حتى لدى الحكومة نفسها.
في "وطن" نفتح ملف هذه القرية المنسية حيث اعتاد اهلها على الموت واعتاد اهل البحرين أن لا يكترثوا.

ومن يريد أن يعرف اكثر عن هذه القرية يقرأ ما كتبه احد المواطنين عن القرية المعروض تحت الفيديو


قصة التلوث البيئي من المعامير إلى الحد

بقلم: إبراهيم بوصندل

في العام 1932 تم إنشاء مصنع تكرير البحرين "بابكو" بقرية المعامير، وقد عارض أهل المعامير مد الأنابيب لأنها ستفصل القرية عن البحر من جهة الجنوب، وبعد مفاوضات تم الاتفاق على تسوية، ويذكر البعض أن بابكو قامت بتوزيع "الصل" (مادة ذات رائحة نفاذة لطلاء السفن والبوانيش) إرضاءا للبحارة الذين كانوا يعجزون عن شرائها، كما وعدت الشركة بتوظيف أبناء القرية.

وفي البداية ظن الناس أن الشركة الجديدة خير لهم ولقريتهم، ولم يعلموا أن وراء هذا الخير شر كثير تبينت معالمه لاحقا حين توافدت على القرية الكثير من المصانع وظلت تبلع المسافات حتى حاذت البيوت لتقضي على البقية الباقية من النخيل والزرع والآبار والبراري الخضراء ولتتحول الشواطئ الذهبية إلى وحل اسود ومرتع للفئران، ولتنقرض بسببها بعض أنواع السمك. ولقد تفاقم الوضع حتى أصبح الناس يخافون النزول في البحر خوفا من الوحل الأسود الذي يصل في بعض الأماكن لأمتار عدة ما يشكل خطرا على الأطفال.

شركة بابكو، مصنع ألبا للألمنيوم، مصنع البتروكيماويات، محطة الرفاع لتوليد الكهرباء، المسلخ المركزي وحظائر الأغنام، مصانع الرمل والخرسانة المسلحة، مصانع الإسفلت والطابوق هي بعض ما يحيط بهذه القرية الوادعة.

وأما ثمرات هذه المصانع فهي: القضاء على الزروع والنخيل والآبار والبراري الخضراء وتلويثها، تلويث الشاطئ بسبب الردم وانتشار الوحل الأسود وتحويل الساحل إلى أرض طينية لا تصلح حتى للمشي، نفوق الأسماك وضحالة الشاطئ وانسداد مصادر جريان الماء، تطاير مادة الكبريت الأصفر بسبب سوء التخزين، تلوث الهواء بسبب حرق الغازات السامة وما ينتج عنها من دخان ملون، تسرب غازات من الخزانات أو الأنابيب، انتشار طبقات الكربون والمواد السامة والمواد المتأكسدة مع الألمنيوم، انتشار روائح حظائر الأغنام، انتشار الفئران والحشرات الضارة كالصراصير، الذباب، البعوض والسوس، تجمع أكوام السماد المكدسة خارج الحظائر، انتشار روائح الجلد المتخمر والمصارين النتنة وباقي فضلات الذبائح ومن أحواض خزانات المياه التي تغسل فيها الذبائح، تكوم الأحجار والخشب والطابوق وغيرها من المخلفات على جوانب القرية. (عمار العباسي، بتصرف)

وفي يناير 2004 تظاهر أهل المعامير محتجين على الوعود الوهمية للقضاء على الملوثات التي قلبت حياتهم إلى جحيم ونشرت فيهم الأمراض، وتسببت بموت العديد من أهالي سكنة المعامير بأمراض كالسرطان والسل وأمراض الرئة.

طالب الأهالي حينها (ولا يزالون) بتنفيذ الوعود ومنها مشروع وحدة معالجة الكيروسين، ومشروع استئصال الكبريت، ومشروع المعالجة البيولوجية للصرف المائي، ومشروع إنشاء مصفى لروائح الغازات (فلتر)، ومشروع مدفن النفايات، ومشروع تشجير القرية لتقليل نسبة التلوث، المحافظة على ساحل القرية، ومشروع سفلتة الطرق وغيرها من المشاريع.

وقد رفع أهالي القرية شعارات منها "انقذونا من التلوث" و"لا للتلوث المميت" و "بالغازات تقتلونا، ألا تشعرون؟" "و"تلوث المصانع نوع من أنواع الموت البطيء".

مطالب أهل القرية هي مطالب مشروعة وواقعية وينبغي تقديمها حتى على مشاريع إصلاح سوق العمل وحل البطالة لسبب وحيد إن الناس قد تصبر على الجوع ولكنها تموت من التلوث، وهم يدعون المسئولين إلى حماية البيئة لأن البيئة هي الحياة، ويريدونهم أن يطبقوا القانون بشكل صارم، ليس فيه مداهنة ولا محاباة، يريدون من المسئولين أن يفصلوا المناطق الصناعية عن المناطق السكنية، خصوصا وأن المصانع المذكورة لا تقيم للقوانين البيئية شأنا كبيرا، ناهيك عن المتنفذين الذين ملكوا حتى الساحل وحجبوه عن الأهالي، فهل يشك أحد بعد الآن في صدق رئيس المجلس البلدي للمحافظة الوسطى عندما وصف القرية بالمنكوبة.

لماذا عندما يتعلق الأمر بمعالجة التلوث الذي يقتل الناس في المعامير وفي جو وعسكر والحد نرى ذلك التباطؤ البيروقراطي الممل، والإجراءات الروتينية المعقدة ؟! أين دور الرقابة البيئية الدورية على المصانع ؟ بل يتهم الناس في الحد (والذين يعانون تساقط برادة الحديد، وانبعاث غبار التصنيع والغازات السامة، وغيرها) المراقبين على البيئة بأنهم يقيسون تلوث كل مصنع على حدة ويعلنوا بأن نسبة التلوث لا تتجاوز الحد المسموح به عالميا، ولكنهم يغفلون أو يتغافلون عن قياس نسبة التلوث لهذه المصانع مجتمعة.

وفي تاريخ 1 مايو 2005 اعتصم أهالي المعامير والقرى المجاورة مرة أخرى وهم يرفعون الأكفان، مطالبين بتشكيل لجنة مستقلة للكشف عن حقيقة التلوث في قريتهم والتحقق من مصادر التسرب. إذا القضية ليست وليدة الساعة حتى نبررها بأنها فيروس وبائي أو انقلاب حراري أو غيرها من المبررات التي قد تكون (إذا صحت) ظروف مصاحبة للمشكلة.

أليس من المؤسف أن يكثف حراس البيت الأبيض إجراءات الأمن حول بطة ترقد على بيضاتها التسع لحمايتها من المتظاهرين، أو أن يتوقف المرور في إحدى مدن التشيك وتستدعى فرق مكافحة الحرق لتمكين أنثى سنجاب من عبور الشارع (الأيام، 16 أبريل 2005)، أو يتحرك الغرب لإنقاذ صقر جريح، أو مجموعة حيتان ضلت طريقها، بينما نتجاهل في هذا الجزء من العالم حياة وصحة قرى كاملة يتهددها السرطان والسل والإجهاض والاختناق والالتهاب، ويحيط بها التلوث برا وبحرا وجوا !! هل نلوم أهالي المعامير بعد هذا إلى لجئوا إلى مؤسسات حقوق الحيوان، فلعلها تتدخل من أجل حيواناتهم المهددة بالخطر.

* مقال منشور بجريدة الأيام العدد (5912) بتاريخ 10 ربيع الآخر 1426 هـ الموافق 18 مايو 2005م.
رایکم